أثار الحكم في محاكمة القرن غضب الثوار وأسر القتلى والمصابين في ثورة 25 يناير، لاسيما الحكم ببراءة نجلي الرئيس المصري السابق علاء وجمال وقيادات وزارة الداخلية الست أثناء الثورة، واعتبر ثوار وأهالي قتلى في أحاديث متفرقة لـquot;إيلافquot; أن الحكم سياسي، مشيرين إلى أنه يثبت ضرورة الاستمرار في الثورة، وحتى يتم إسقاط النظام كاملاً، وتطهير مؤسسات الدولة جميعها، وعلى رأسها مؤسسة القضاء.


القاهرة: قال صالح محمد والد الشهيد إسلام صالح لـquot;إيلافquot; إنه كان يتوقع الحكم بالبراءة، مشيراً إلى أنه يعرف مكان زنزانته، وأضاف أنه سيواصل نضاله من أجل الحصول على حق ابنه، في الدنيا أو الآخرة، ولفت محمد إلى أن الحكم بالبراءة لصالح المتهمين كان متوقعاً، لاسيما أن الفاعل الأصلي لم يقدم للمحاكمة.

اسر ضحايا ثورة 25 يناير امام قاعة المحكمة

وأضاف أن هذا الحكم لم يشف غليله، ثم انخرط في نوبة من البكاء، وتابع قائلاً: quot;حاسس أن إبني راح هدر، نفسي آخد بتاره، قالوا علينا بلطجية، نعمل إيه دلوقتي، أنا عارف اللي قتل ابني، وبأشوفه رايح جاي قدام عيني، كنت أتمنى أن يقتص القضاء لدمه، ولكن يبدو أن القضاء يحتاج إلى التطهيرquot;.

وقال كريم أحمد، شقيق إحدى الضحايا أثناء الثورة، إن الحكم لا يرقى إلى مستوى الثورة، ولم يكن على قدر تضحيات الشهداء والمصريين جميعاً، واصفاً إياه بأنه quot;حكم سياسيquot;، وأضاف لـquot;إيلافquot; أن الحكم ببراءة مساعدي العادلي والمؤبد لمبارك والعادلي أشعل النيران في صدره هو وأفراد أسرته، مشيراً إلى أن الثورة لم تنتصر بعد، وما زالت تحتاج إلى المزيد من العمل من أجل تحقيق أهدافها، ومنها القصاص لدماء الشهداء. وأضاف أحمد أنه ليس أمامه خيار سوى العودة إلى ميدان التحرير واستئناف الثورة.

غير مرضٍ

فيما قال حسن أبو العينين محامي أسر الضحايا لـquot;إيلافquot; تعليقاً على الحكم: quot;المحكمة وشأنهاquot;، وتابع: quot;لا تعليق على أحكام القضاء، واعتبر أبو العينين أن الحكم غير مرضٍ، ولا يشفي غليل أسر القتلى والمصابينquot;، مشيراً إلى أن الأزمة ليست في القضاء، ولكن في القوانين التي استخدمت للمحاكمة، فضلاً عن قصور في الأدلة والبراهين، التي ترجع إلى عدم تعاون أجهزة الدولة مع النيابة العامة أثناء التحقيق أو جمع الأدلة.

وتابع أبو العينين: quot;لكن المحكمة سارت على النهج نفسه الذي سارت عليه غالبية المحاكمات في قضايا قتل المتظاهرين أثناء الثورة، الذين حصلوا جميعاً على البراءةquot;، وأوضح حسن أن المحكمة قضت ببراءة مساعدي حبيب العادلي الستة على اعتبار أنه لم يثبت ضدهم الأدلة القاطعة بارتكاب جرائم القتل أو التحريض بإصدار أوامر بالقتل، وكانوا في الميدان وليس في قاعات اتخاذ القرار، بالإضافة إلى عدم التوصل إلى الفاعلين الأصليين في الجريمة، كما أنها اعتبرت أنّ ما حدث نوع من الدفاع عن النفس كما حدث في جميع المحاكمات لضباط الشرطة التي وقعت في مختلف المحافظاتquot;.

وفي ما يخص الحكم بإسقاط التهم عن علاء وجمال مبارك وصديقه رجل الأعمال حسين سالم، قال أبو العينين إن المحكمة استندت إلى اجراء شكلي في القانون، وليس إجراءً موضوعيا، ولفت إلى أن القانون يسقط الدعاوى الجنائية في حالة مرور عشر سنوات عليها.

بخصوص الحكم بالمؤبد على مبارك والعادلي، قال أبو العينين إن القاضي حكم عليهما بالسجن المؤبد، لإدانتهما بالتحريض على القتل العمد، عبر الإمتناع السلبي عن إيقاف جرائم القتل التي وقعت أثناء الثورة، من خلال إصدار قرار لكبح جماح الشرطة.

صادم للمشاعر

وأثار الحكم غضب شباب الثورة، وقالت الجبهة الحرة للتغيير السلمي في بيان لها تلقت إيلاف نسخة منه إن quot;هذا الحكم صادم للمشاعر وغريب في أسبابه القانونية ودوافعهquot;، وأضافت: quot;جاء قرار المحكمة اليوم بمعاقبة الرئيس السابق حسني مبارك ووزير الداخلية حبيب العادلي بالمؤبد، وبراءة باقي المتهمين، لتكون أولى رسائل النظام الجديد quot;ظاهريًاquot; القديم quot;فعليًاquot; للرئيس المقبل ـ أيًا كان ـ ووزير الداخلية ومساعديه بل وكل المنظومة الأمنية في مصر لتكمل عملها في قمع المواطنين وقتل كل من يحاول التظاهر مجددًا، ولتقول لهم: quot;أنتم آمنون ونظامكم ما زال كما هو ولا تخشوا شيئًا فأطبقوا عصاكم الغليظة على كل من يثور في وجهكم أو وجه النظامquot;.

وأضافت الجبهة: quot;الحكم هو أولى درجات التقاضي، ومازلنا أمام مرحلة النقض، وطالما أن الحكم جاء بأسباب قانونية غير مبررة، حيث نصت الأسباب في مذكرة الحكم بأن المستندات خلت من أي شواهد ولم يبق إلا تهمة التحريضquot;، وتساءلت الجبهة: هل يمكن أن يثبت أحد أن quot;مباركquot; حرض في أي وسيلة إعلامية على قتل المتظاهرين؟ ومن جهة ثانية فإذا كان quot;مباركquot; وquot;العادليquot; قد حرضا على قتل المتظاهرين فمن قتل فعلاً؟ هل نزل الأخيران بأنفسهما للميدان وقتلا أم أن مساعديهما الذين أخذوا براءة هم من حرض بشكل مباشر؟ فهذا وحده يكشف أن الحكم مليء بالثغرات القانونية التي سيستغلها محامي quot;مباركquot; وquot;العادليquot; جيدًا في النقض.

سياسي بحت

ووصفت الجبهة الحكم بأنه quot;سياسي بحتquot;، مشيرة إلى أن المقصود به تهدئة الرأي العام قبل جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية، فطالما أنه غير مستند إلى دوافع قانونية قوية، فهو حكم سياسي بحت صدر في مبنى وزارة الدفاع لـquot;مباركquot; وquot;العادليquot; لتهدئة الشارع حتى انقضاء جولة الإعادة ثم يتم الوفاء لمبارك بنيل البراءة في النقض؟ ولفتت إلى أنه بعد هذا الحكم بطلت المقولة التي تقول إن رئيس الجمهورية القادم أيًا كان، لن يكون بمقدوره الافساد والفساد مع نظره إلى مصير quot;مباركquot;؟ لكن بهذه النتيجة التي ستفضي غالبًا إلى البراءة فلن يكون هناك رادع لأي رئيس مقبل ليسير على خطى quot;مباركquot; نفسها والرسالة واضحة.

واعتبرت الجبهة الحكم بأنه quot;يحمل مؤامرة خطيرة على الثورة والثوار ورسالة لكل المنظومة الأمنية التي ستعود بصفة رسمية مع صعود الفريق quot;شفيقquot; ـ على الأرجح ـ لكرسي الرئاسة، ليعود معه كل رجال مبارك بترقيات جديدة للاستفادة من خبرتهم في القمع والتنكيل بكل صور المعارضة.

وأعلنت الجبهة استمرار الثورة، وقالت: quot;ليس أمامنا سوى طريق واحد هو إكمال الثورة بمفهومها الشامل على كل شيء بدءًا من المجلس العسكري وحتى القضاء غير النزيه فإما أن نأخذ حق الشهداء أو نموت على ما ماتوا عليه؟quot;.

تطهير القضاء

في حين وصف محمود عفيفي، عضو المكتب السياسي لحركة 6 أبريل، الحكم بأنه quot;سياسيquot;، وأضاف لـquot;إيلافquot;: quot;أن أهالي الشهداء قدموا أبلغ رد على الحكم فور النطق به، عندما هتفوا quot;الشعب يريد تطهير القضاءquot;، وتابع: quot;لا سبيل أمام الثورة سوى مواصلة نضالها من أجل تطهير مؤسسات الدولة، وعلى رأسها القضاء والداخليةquot;، وقال إن quot;الحكم غير مرضٍللثوار وأهالي الشهداءquot;.

ولفت عفيفي إلى أنه من غير المعقول أن يحصل ستة من مساعدي العادلي على البراءة رغم أن الجميع يعلم فضلاً عن ثبوت الأدلة بحقهم بارتكاب جرائم القتل أو التحريض عليها، ونبه إلى أن الحكم يؤكد أن القضاء المصري غير نزيه، وهو جزء من نظام مبارك، الذي لم يسقط بعد، وما زال الثورة في حاجة إلى أن تستمر حتى تسقط النظام كاملاً وتطهر مؤسسات الدولة من بقاياها وفلوله.

إتلاف الأدلة

فيما قالت حركة 6 أبريل في بيان لها تلقت quot;إيلافquot; نسخة منها إن quot;القاضي غازل أهالي الشهداء بوصف المتظاهرين بالسلميين الخارجين للبحث عن العدالة والحرية وغض بصره عن دموع وآهات الاهالي المكلومين على أبنائهم باعطائه البراءة لأساطير الداخلية السابقين الذين داوموا على تعذيب والتنكيل بكل من عارض أو فكر في معارضة النظام، وليس فقط من خرج يهتف سلميةquot;.

واعتبرت الحركة أن الحكم بمثابة quot;استكمال لمسلسل البراءة للجميع من ضباط ولواءات الداخلية ونفض أيديهم من أي مسؤولية عن قتل مئات الأرواح واصابة آلاف ممن خرجوا ضد الظلم والقهر والسواد حسب ما قاله القاضيquot;، وتابعت: إن الحركة تعلن رفضها هذا الحكم جملة وتفصيلا وتحمل المجلس العسكري مسؤولية هذا الحكم المائع بسبب سكوتهم عن إتلاف الأدلة وتسترهم على الحقائق في شهادات المحكمةquot;، معلنة أيضاً أنها ستستمر من أجل تطهير الفساد في مصرquot;.