شبيحة النظام السوري يقاتلون حتى يستمر حكم الأسد |
مع استمرار أعمال العنف في مختلف المناطق السورية، والتي وقع ضحيتها المئات، تلقي تقارير صحافية الضوء على الشبيحة المجندين للقتال من أجل بقاء نظام الأسد، وكيف يرهبون الناس وكيف تم غسل أدمغتهم وتجنيدهم.
لندن: كانت عيادة الدكتور مصعب عزاوي على الساحل السوري دائما مفتوحة لمن يحتاج الى إسعاف طبي، ولكن بعض المرضى كان الدكتور عزاوي يتمنى لو لم يتعين عليه علاجهم وهو الذي يعمل في معقل شبيحة النظام.
وقال الدكتور عزاوي الذي كان يعمل في مدينة اللاذقية إن الشبيحة quot;كالوحوش، ذوو عضلات مفتولة وبطون كبيرة ولحى كثة. وهم جميعا طوال القامة، مخيفون، ويتناولون مادة الستيرويد لنفخ أجسامهمquot;.
ونقلت صحيفة الديلي تلغراف عن الدكتور عزاوي أنه كان يتكلم مع الشبيحة كالأطفال quot;لأن الشبيح يحب ذوي الذكاء المحدود ولكن هذا ما يجعلهم مخيفين ـ الجمع بين القوة الغاشمة والولاء الأعمى للنظامquot;.
ومع انزلاق البلد الذي يتسلط عليه الرئيس بشار الأسد نحو الحرب الأهلية يُرفع الغطاء عن عالم الشبيحة السري، الأسود، الدموي.
وقبل ايام، قُتل 108 أشخاص على أيدي الشبيحة في قرية الحولة التي اقتحموها وراحوا يذبحون كل من يصادفونه، بمن فيهم 49 طفلا. وبعد أسبوع، أنزل شبيحة 12 عاملا من حافلتهم في بلدة القصير على بعد نحو 65 كلم جنوب الحولة وقيدوا أيديهم وراء ظهورهم ثم أطلقوا النار عليهم في الرأس.
وأخذ العالم يعرف مدى تعطش الشبيحة الى الدم. ولكن قدرتهم على ممارسة العنف الوحشي معروفة في سوريا منذ زمن طويل.
وقالت سلمى التي تنتمي الى عائلة علوية مرموقة إنهم quot;حتى قبل الثورة كانوا كلما يحدث تململ ينزلون الى الشوارع ويوقفونه لصالح النظامquot;. واشارت الى ان لديها ابناء عمومة من الشبيحة.
وتابعت سلمى أن الشبيحة quot;يكسرون أيدي الناس وأرجلهم وهم سيقاتلون من اجل الأسد حتى الموت، وهذا طبيعي، إذ عليهم أن يدافعوا عن طائفتهمquot;. واوضحت ان ابناء عمها الشبيحة يرتدون ملابس مدنية quot;كي يقول التلفزيون ان هؤلاء مدنيون يحبون الأسدquot;.
وقال احد الناجين من مجزرة الحولة، إنه عرف أنهم شبيحة وليس الجيش لأنهم كانوا يرتدون أحذية رياضية بيضاء بدلا من الجزم العسكرية السوداء. وأصبحت الأحذية الرياضية البيضاء مشهدا يروّع السوريين الذين يخافون الشبيحة السائبين أكثر مما يخافون الجيش.
ويلاحظ مراقبون تصاعد أعمال القتل والقتل المضاد من الجانبين مع اتهام المعارضين المسلحين والقوات الموالية للنظام على السواء بارتكاب اعتداءات على المواطنين. ولكن الشبيحة هم الأشد ترهيبا من الجميع.
وكان الرئيس الأسد ووالده حافظ من قبله، استخدما الشبيحة لفرض الطاعة على السوريين بالإرهاب، وغسلا أدمغة الشبيحة حتى أدخلوا في روعهم أن الغالبية السنية عدوهم.
ويشكل العلويون نحو 12 في المئة من سكان سوريا، وعانوا تاريخيا من اضطهاد الأغلبية السنية، بحسب صحيفة الديلي تلغراف، مشيرة الى عيشهم حياة فقر في المناطق الريفية الجبلية المحيطة بمدينتي حمص واللاذقية، والى ديانتهم الباطنية منذ انشقاقهم عن المذهب الشيعي في القرن التاسع ورأى بعض الباحثين أنهم دمجوا عناصر من المسيحية في ديانتهم.
وبعد سقوط الامبراطورية العثمانية كان المستعمرون الفرنسيون بحاجة الى جنود مستعدين للدفاع عن حكمهم ضد الانتفاضة السنية التي اندلعت لطردهم وجندوا اعدادا كبيرة من العلويين في صفوف الجيش فلم يتوان هؤلاء عن مقاتلة من كانوا بنظرهم quot;مضطهديهمquot; السنة.
وأصبح العلويون اقوى الطوائف السورية سياسيا وينتمي الى طائفتهم الغالبية العظمى من قادة الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة اليوم. ومن صفوف الجيش ظهر حافظ الأسد للقيام بانقلابه.
في البدء كان الشبيحة جماعة مافيوية ترتزق من الجريمة، وقالت سلمى ابنة العائلة العلوية المعروفة إن ابناء عمومتها quot;اثرياء ثراء فاحشاquot; بفضل تهريب وقود الديزل والحليب والأجهزة الالكترونية. وقالت إنهم يهربون اي شيء الى لبنان إذا كان أرخص ثمنا في سوريا وأي شيء مطلوب في سوريا يهربونه من لبنان.
وكانت أسرة الأسد الحاكمة تغض الطرف عن نشاطهم الإجرامي واساليبهم الفظة، وبالمقابل أصبح الشبيحة المدافعين الأشداء عن الأسد ويده الضاربة.
وقال الدكتور عزاوي إن الشبيحة quot;مدفوعون بهذا الاعتقاد القائل انهم يقاتلون من أجل بقائهم. فالأسد يقول لهم ان عليهم ان يدافعوا عن الحكم وإلا فان مصيرهم الدمار، على قاعدة إما تَقتل أو تُقتلquot;.
وعرض الدكتور عزاوي الذي يرأس الآن الشبكة السورية لحقوق الانسان في لندن شريط فيديو عن الشبيحة في إحدى مهماتهم لمراسل صحيفة الديلي تلغراف.
ويظهر في الفيديو رجل ضخم يسميه الشريط quot;عرين الأسدquot; وهو يحمل سلاحا ويبتسم وراء مقود سيارته، مستعرضا عضلاته. وتظهر عضلاته الضخمة منتفخة وعليها وشم يمثل وجه الأسد.
وفي نهاية الفيديو، يعلن الشبيحة المسلحون quot;بشار، لا تحزن فان لديك رجالا يشربون الدمquot;.
وأوضح الدكتور عزاوي أن هذا هو شعارهم، مضيفا أن كثيرا منهم جُندوا من أندية بناء الأجسام وجرى تشجيعهم على تناول الستيرويد لتضخيم عضلاتهم. وقال quot;انهم يُعاملون كما تُعامل الحيوانات ويستغلهم اسيادهم لتنفيذ جرائم القتل هذه ولا أحد يوقفهمquot;.
وتحدث الناشط حمزة من منطقة القصير لصحيفة صندي تلغراف كيف شاهد برعب صديقه من ايام الطفولة ينخرط في صفوف الشبيحة. وقال حمزة ان صديقه منذ سنوات الدراسة في الجامعة quot;كان ينظر الى بشار وكأنه إلهquot; وكان لا يطيق ان يسمع احدا ينتقد الرئيس.
وأضاف حمزة quot;ان شيئا في ديانتهم هو الذي يحركهم. وان الاعلام الرسمي يخيفهم بالقول ان الارهابيين سيقتلونهم إذا سقط بشارquot;.
وتابع حمزة ان الجيش أعطى صديقه مسدسا بدأ يستخدمه لإطلاق النار على المواطنين في التظاهرات quot;وان قوى الأمن منحته احساسا خاصا بالهويةquot;.
وتعمل ميليشيا الشبيحة بتفان أعمى للزعيم أو quot;المعلمquot; أو quot;الخالquot; كما يسمونه، وهو بالفعل نشاط عائلي من نواح عديدة. فان نمير الأسد ابن أخ حافظ الأسد مثلا اصبح قياديا في ميليشيا الشبيحة، رغم ان النظام يحرص على تفادي الارتباط المباشر بالميليشيا وأعمالها الاجرامية.
ولا يُعرف كيف يُكافأ الشبيحة على اعمالهم ولكنّ كثيرين يذهبون الى انهم يُمولون من رجال اعمال يرتبطون بالطغمة العلوية الحاكمة.
ما هو معروف ان للشبيحة دوافع اقتصادية قوية لدعم النظام. فالشبيح الاعتيادي يمكن ان يكسب نحو 120 جنيها استرلينيا عن يوم واحد من البلطجة، وهو مبلغ كبير في ظروف سوريا.
وأشارت صحيفة الديلي تلغراف الى دعم النظام المالي للعلويين منذ زمن طويل، وإقدام حافظ الأسد في الثمانينات على بناء مساكن في منطقة المزة وسط دمشق للعمال العلويين الكادحين الذين انتقلوا الى العاصمة. وعندما اندلعت الانتفاضة في آذار (مارس) 2011 أعرب سكان المزة عن شكرهم للنظام باستخدام العنف لاخماد أي بوادر تحرك ضده.
والى جانب العنعنات الطائفية والدوافع الاقتصادية، فان لدى الشبيحة سببا آخر لدعمهم بقاء الأسد في السلطة. وقال البروفيسور جوشوا لانديس، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة اوكلاهوما الأميركية quot;ان العلويين، إذ ارتبطوا في أذهان غالبية السوريين بالنظام، مرعوبون من الانتقام إذا سقط النظامquot;. ونقلت صحيفة الديلي تلغراف عن لانديس quot;ان هذا الخوف في محله على الأرجح. فالعلويون سيواجهون اشياء سيئة للغاية إذا نُحيت أسرة الأسدquot;.
والحق ان طمأنة العلويين بأنهم لن يكونوا مستهدفين في سوريا ما بعد الأسد تشكل إحدى المهمات الملحة التي تواجه المعارضة الى جانب تشجيع العلويين على الانشقاق.
وتضم الشبكة السورية لحقوق الانسان 239 معارضا في الداخل بينهم 19 علويا فقط. ومن اصل 311 عضوا في المجلس الوطني السوري هناك 5 الى 10 علويين، بحسب صحيفة الديلي تلغراف.
ومن ابرز العلويين في المجلس منذر ماخوس، الذي قال لصحيفة صندي تلغراف quot;ان العلويين يدعمون الأسد لأنه قيل لهم انه يحميهم، ولأنهم خائفون خوفا شديدا مما سيحدث إذا رحل. ولكنني لا أعتقد أنهم سيتعرضون الى أعمال انتقامية فالشعب السوري يريد السلامquot;.
واعترف ماخوس بأن من التحديات الكبيرة التي تواجه المجلس الوطني السوري quot;كسب مزيد من العلويين، فالشبيحة يقتلون علويين أيضا، إذا حاولوا المغادرة ولكننا نحتاجهم بجانبناquot;.
ويتفق علويون آخرون مع الرأي القائل بضرورة عمل المزيد لتشجيع الانشقاقات. وقال عباب خليل وهو علوي يقيم في ولاية تكساس حيث يعمل مع منظمة المغتربين السوريين، إن كثيرا من العلويين مستعدون للتخلي عن النظام. واضاف quot;ان الأسد نصَّب نفسه وصيا على الطائفة ولكن ليس صحيحا بكل تأكيد ان العلويين كلهم يؤيدونهquot;. وقال خليل quot;ان الأسد استهدف علويين ايضاquot;.
وأكد خليل ان علويين يشاركون في التظاهرات ولكنهم أشد خوفا من الانقلاب عليه.
ولكن هل المصالح الاقتصادية والأحقاد الطائفية والخوف من المستقبل حقا كافية لدفع أحد الى ذبح طفل؟ سلمى العلوية تعتقد ان ذلك ممكن، وقالت quot;إذا كانوا يعرفون ان المنطقة كلها ضد النظام، لا تكون لديهم مشكلة في قتل الجميعquot;. quot;هكذا هي الأمورquot;.
التعليقات