حركة غولين لديها أنصار من مختلف أنحاء العالم

رغم توضيح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أن ذكره للديانة الواحدة في خطابه كان زلة لسان، إلا أن كثيراً من الناشطين الكرداعتبروا أن ما قاله اردوغان يمثل رأي حزب العدالة والتنمية، لاستدراج الكرد الى التخلي عن نضالهم.


لندن: في خطاب نال تغطية إعلامية واسعة في ايار (مايو) تحدث رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عن مشكلة تركيا المزمنة مع الكرد، اكبر اقلياتها القومية. وأكد اردوغان على وحدة البلاد غير القابلة للقسمة واصفًا تركيا بأنها quot;امة واحدة ودولة واحدة ودين واحدquot;. وأوضح اردوغان لاحقًا أن إشارته الى الديانة الواحدة كانت زلة لسان ولم يكن في نيته اقحام الدين. ولكن الكثير من الناشطين الكرد خرجوا بنتيجة مغايرة قائلين إن ما نطق به لسان اردوغان لم يكن زلة بل يعبر عن سياسة حزب العدالة والتنمية غير المنطوق بها في استخدام الاسلام لاستدراج الكرد الى التخلي عن نضالهم من اجل توسيع حقوقهم والتمتع بقدر من الحكم الذاتي.

وكان سبب هذه الشكوك الكردية في الآونة الأخيرة حركة غولين الاسلامية التي يُعتقد أنها تمارس نفوذًا كبيرًا على الحكومة التركية وفي أوساط الأعمال والاعلام.
ويقول الكثير من القوميين الكرد إن الحركة التي تحمل اسم الخطيب الاسلامي فتح الله غولين امام احد المساجد في ولاية بنسلفانيا، تشكل جزءًا من استراتيجية جديدة اعتمدتها الحكومة التركية لتخدير الكرد وصهرهم. وكان السياسي الكردي المعروف احمد ترك أعلن عام 2010 :quot;يأتي أحدهم ويحاول تعليم شعبنا الدين، ويقول باسم الاسلام دعونا نساعدكم على تقوية ايمانكم ولكن عليكم أن تنسوا هويتكمquot;.

ونقلت مجلة تايم عن الأكاديمي وهاب جوسكون من جامعة دجلة في دياربكر قوله إن ناشطي حركة غولين والحكومة quot;يستخدمون الدين لتحقيق هدفهم المتمثل في بناء وحدة الدولةquot;.
وتتجنب حركة غولين الخوض في السياسة امام الرأي العام. ويؤكد ناشطوها أن هدفها الرئيسي في جنوب شرق تركيا ذي الأغلبية الكردية هو الاهتمام بقضية عانت طويلاً من الاهمال هي قضية التربية والتعليم. وكان التعليم الجيد دائمًا صعب المنال على كرد المنطقة. وازداد الوضع ترديًا خلال الحرب المستمرة منذ 30 عامًا بين مقاتلي حزب العمال الكردستاني والجيش التركي. وأسهم ناشطو حركة غولين الذين يديرون عددًا من افضل المدارس الاعدادية في تركيا، بقسط كبير في معالجة إهمال الحكومة للتعليم في المنطقة. وقال معلق كردي في واحدة من الصحف التركية واسعة الانتشار، تخرج هو نفسه من احدى مدارس غولين، لمجلة تايم في اسطنبول إن غالبية القادمين من الجنوب الشرقي، إذا كانوا في اسطنبول أو إذا كانوا من الناجحين quot;مروا على الأرجح في مرحلة ما بمنظومة غولينquot;.

وفي دياربكر أكبر مدينة في جنوب شرق تركيا ذي الأغلبية الكردية، تدير حركة غولين 57 مدرسة. وقال علي بهلوان مدير مدرسة نيل الابتدائية إن مدرسته جاءت بالمركز الـ 73 في تركيا من بين 18 ألف مدرسة، لافتًا الى أنها اول مدرسة من دياربكر ارتقت للانضمام الى افضل 100 مدرسة في تركيا.
ولكن يبدو أن هذه المدارس رغم نجاحها أصبحت ضيفًا ثقيلاً على المنطقة بنظر بعض الكرد. وفي 14 ايار (مايو) انفجرت عبوة ناسفة من صنع محلي في قسم داخلي تابع لاحدى مدارس غولين. وقال بولنت انجي مدير احدى المدارس الاعدادية إن مدرسته تعرضت الى نحو 15 هجومًا خلال السنوات الثلاث الماضية، من رمي زجاجات حارقة الى تحطيم النوافذ. وفي اواخر نيسان (ابريل) أُطلقت النار على مدرسة اعدادية أخرى في بلدة جزرة قرب الحدود العراقية. ورغم عدم وقوع اصابات في هذه الهجمات، فإن اتهامات أُطلقت بارتكاب عمليات اغتيال. فقبل عامين قُتل أمام مسجد قريب من حركة غولين في هكاري على بعد نحو 250 ميلاً شرقي دياربكر. ويؤكد غالبية المراقبين أن حزب العمال الكردستاني يقف وراء هذه الهجمات. ونفى المتحدث باسم الحزب روج ولات في اتصال هاتفي مع مجلة تايم مسؤولية الحزب عن هذه الهجمات. ولكنه أشار الى أن حركة غولين ومؤسساتها اهداف مشروعة. وقال ولات إنه quot;طالما كانت هناك سياسة حرمان وابادة ضد الشعب الكردي، فإن من حق كل انسان أن يدافع عن نفسه حين يتعرض للاعتداءquot;.

وكانت تصريحات فتح الله غولين ضد حزب العمال الكردستاني أسهمت في تصاعد حدة التوتر بين حركته والمقاتلين الكرد. وحمل غولين اواخر العام الماضي على الجيش التركي: quot;لعجزه عن الاجهاز على مجموعة من قطاع الطرق في الجبال خلال السنوات الثلاثين الماضيةquot;. وبعد شهرين قتل الجيش التركي في غارة جوية 34 كرديًا اتضح أنهم مهربون كانوا ينقلون محروقات عبر الحدود العراقية وليسوا من مقاتلي حزب العمال الكردستاني.

ولكن التهمة الأخطر التي توجَّه الى حركة غولين لا تمت بصلة الى تصريحات زعيمها. فمنذ عام 2009 اسفرت حملة بوليسية ضد ما يُسمى منظومة المجتمع الكردستاني التي تُتهم بأنها الجناح المدني لحزب العمال الكردستاني عن اعتقال آلاف الكرد. ويقول كثيرون في الحركة الكردية إن ناشطين من حركة غولين في الشرطة والقضاء كانوا القوة المحركة للحملة. ويقول الأكاديمي جوسكون إن حركة غولين تريد quot;تجريم الحركة السياسية الكردية بصفة عامة وتهميشهاquot;.

ويقول المعلق الصحافي والخبير في شؤون الإرهاب امري اوسلو، إن الهجمات الأخيرة على مؤسسات حركة غولين ترتبط باتساع نفوذها ونشاطها على نحو لا نظير له في جنوب شرق تركيا، بما في ذلك فتح مدارس وجمعيات استثمارية ودورات تدريبية يشارك فيها آلاف من كرد المنطقة، وأن حزب العمال الكردستاني يشعر بأن هذا النشاط يشكل تهديدًا لنفوذه.

والمفارقة أن ناشطين افرادًا في حركة غولين يبدون أكثر تفهمًا للقضية الكردية من الحكومات التركية المتعاقبة. وقال جمال اوساك الذي يرتبط بحركة غولين منذ سنوات ويعمل كنائب رئيس مؤسسة الصحافيين والكتاب الاتراك لمجلة تايم، إن الرأي العام التركي لم يميز بين عنف حزب العمال الكردستاني ونضال الكرد المشروع من اجل حقوقهم الاجتماعية والثقافية. واضاف أنه quot;حتى إذا انتهى الارهاب، فإن المشكلة الكردية ستبقى لأن 80 الى 90 في المئة منها يتعلق باللغة والهويةquot;. ودعا اوساك في رأي يضعه أقرب الى الحركة الكردية منه الى الموقف السياسي السائد في تركيا، الى استحداث دروس باللغة الكردية في جميع المدارس التركية وإعادة الاسماء الأصلية الى المدن والقرى الكردية وحتى التفاوض مع حزب العمال الكردستاني إذا اقتضت الحاجة.