يعجز الطب أحيانًا عن الكشف عن ظواهر غريبة أثناء الحمل، لكن المدهش حين تشاهد أحد الأشخاص من دون يدين أو قدمين بعد ولادته. إيلاف رصدت إحدى هذه الظواهر، وعن كثب أعدت هذا التحقيق عن الطفل أسامة من قطاع غزة، الذي ولد بلا يدين، وبقدميه صنع الإبداع بنفسه.


عبير أحمد من غزة: قبل خمسة أعوام، كانت الصرخة الأولى حين أعلنت الدنيا مجيء طفل جديد إلى هذا العالم، وسط فرحة والديه وجديه.وبفطرة الأمهات تاقت الأم إلى احتضان الجنين لحظة ولادته، إلا أن أمّ أسامة كانت لها حكاية أخرى، حين أخبرها الدكتور أن أسامة سيعيش بلا يدين طوال حياته.

إيلاف عاشت بعض الساعات مع أسامة معوض في بيته في قطاع غزة، ورصدت عن قرب كيف يمارس حياته كطفل لا يتجاوز الخامسة من عمره بشكل أكثر من طبيعي.

ففي بيت بسيط للغاية، فيه بعض من الأثاث القديم، ينام عليه أسامة، وفي مطبخ صغير يستجم على طريقته الخاصة، يأكل بقدميه ويضع القلم بين إصبعيه، ويكتبمثل الأشخاص الطبيعيين، وحتى حين اقتربت مراسلة quot;إيلافquot; منه، لمحت بريق الذكاء، وهو يرحّب كما الكبار بزوّاره القادمين إليه.

تحدثت quot;إيلافquot; مع أبو راجح معوض جد أسامة، مستفسرة عن تفاصيل حياة الطفل منذ الصباح، فأجاب quot;أسامة طفل طبيعي جدًا، الله أخذ منه يديه منذ ولادته، وأبدلهما بقدميه، اللذين يمارس بهما كل ما يرغب فيه الطفل العادي، فهو يستيقظ صباحًا، ويُحدث ضجةً معتادة كما باقي الأطفال، يأتي مسرعًا إلينا، ويتناول الطعام بشكل مختلف قليلاً عن باقي البشر، فهو يأكل ويمسك الطعام ويلعب بألعابه بقدميهquot;.

ويضيف أبو راجح quot;إن أسامة يقوم بزراعة نبات النعناع، ويسقي الأشجار، ويقوم بالخياطة، متميزًا بذلك عن بقية أقرانه من الأطفال. ثم تنقلت مراسلة إيلاف في أرجاء البيت البسيط للغاية، لترصد حركة أسامة مع والدته، وعن كثب كانت الكلمة لوالدته quot;أم أسامةquot;، التي قالت: quot;ولد طفلي قبل خمسة أعوام تقريبًا، فأخبرني الطبيب أنه بلا يدين، تلقيت هذا الخبر بصبر وإيمان، وراضية بقضاء الله وقدره، إلا أنني كباقي الأمهات كنت أحلم بأن يكون طفلي سليمًا من أي علة، مرت الأيام وكنت كل يوم أحمد لله لأنني اكتشفت أن الله أعطى أسامة أكثر مما أخذ، فهو فاجأني ذات يوم وهو يمسك بقدميه الطعام ومن دون أن نعلمه شيئًا، ثم شيئًا فشيئًا كان الإبداع حاضرًا في عالم أسامة، فتارة يتعلم الخياطة من جده، وطورًا آخر يزرع بعض الشتلات، ثم أراه يأتي مسرعًا إلى المطبخ، ليلحّ بشكل غير اعتيادي على تقطيع الخضر من أجل تحضير السلطة، كل ذلك كان ولا يزال يقوم به بقدميهquot;.

تواصل أم أسامة حديثها ببسمة لا تفارق وجهها وهي تنظر خلسة إلى أسامة، الذي أمسك بورقة، وأخذ يرسم عليها، مؤكدة أن طفلها مميز بكل ما تعنيه الكلمة، فهو يساعدها على إنجاز أعمال البيت، ولدى سؤالها عن الرعاية الخاصة التي يحتاجها، ترد بالابتسامة نفسها أن أسامة فقط يحتاجها حين يريد إبدال ملابسه، نظرًا إلى صغر سنه، إلا أنها لم تشعر يومًا بالضجر والمعاملة الزائدة المختلفة عن أخويه.

متمنية أن يكبر طفلها، وأن يكون له مركز مرموق في المجتمع، مستدركة قولها إنها ألحقته برياض الأطفال، وكل من هنالك يشهد بذكاء وفطنة أسامة، وهذا ما يجلب لها السعادة دومًا.

وببساطته وكلماته القليلة، وبفصاحة تحدث أسامة إلى إيلاف قائلاً: quot;إن الله أخذ مني يديّ، وأبدلهما بقدمين أستطيع بهما أن أركب وأرسم وألوّن في دفتر التلوين، وأذهب كل صباح إلى quot;الروضةquot;، فأجد أصدقائي ينتظرونني لألعب معهم. كما سألته إيلاف عن حلمه، فأجاب أنه يتمثل في أن يكبر يومًا، وأن يضع له الدكتور يدين مصنوعتين من البلاستيك، وأن يذهب إلى المدرسة، وبعدها إلى الجامعة.

غادرت إيلاف بيت أسامة، وهي ترقب حركاته وابتسامته التي ما فارقت وجهه، أغلق أسامة الباب بقدميه، تاركًا ألف علامة تعجب حول هذه الظاهرة الفريدة، والتي نادرًا ما تحدث في هذا الكون. الجدير بالذكر أن لأسامة أختًا وأخًا، وأن كليهما يعانيان مرضًا جلديًا غريبًا.