على الرغم من الحملة العنيفة التي تشنها قوات الرئيس بشار الأسد على الثوار والمدنيين، وفي ظل نقص الأسلحة والصعوبات التي يعانيها المقاتلون، تبقى العزيمة على إسقاط النظام ويزداد المعارضون إرادة من أجل نيل الحرية.


لميس فرحات: شهدت بلدة خان شيخون السورية هجمات شرسة يوم الأحد الماضي، بعدما هاجمت قوات النظام السوري أحياءها، وقتلت طفلين بقذيفة هاون، فيما كافح الأطباء والممرضات لإنقاذ امرأة مسنة أصيبت برصاصة في الصدر.

حلقت طائرة هليكوبتر هجومية في سماء المنطقة، ما دفع بقائد الثوار في البلدة إلى الاتصال بمقاتلي بلدة مضايا القريبة للحصول على مساعدة.
ما إن وصلت التعزيزات، توجهت مجموعة من الثوار في شاحنة تحمل مدفع دوشكا، تتسابق في الشوارع لتلحق بطائرة الهليكوبتر، في محاولة لإسقاطها. وأطلق آخرون الرصاص نحوها من بنادق الدراغونوف والكلاشنيكوف.

في هذا السياق، سألت صحيفة الـ quot;واشنطن بوستquot; كيف يأمل الثوار أن تتمكن رصاصة من إسقاط مروحية هجومية تطير على ارتفاع 2000 قدم؟. يجيب أحد الثوار عن هذا السؤال، فيقول: quot;ربما يكون ذلك ممكناً. إذا كانت هذه إرادة اللهquot;.

يواجه الآلاف من المقاتلين المتمردين الذين يخوضون معركة يومية مع قوات النظام صعوبات كثيرة في مواجهة عسكرية يبدو أنها ستكون طويلة الأمد. فالثوار لا يملكون الكثير من التدريب العسكري، إضافة إلى القليل من التخطيط الاستراتيجي، والنقص في الأسلحة الثقيلة، إلى جانب إخفاق الجهود الدولية في دعم قضيتهم.

عناصرمن الجيش السوري الحر

وعلى الرغم من كل هذه الصعاب، نظرة نادرة داخل عمليات الثوار في سوريا تكشف عن القوة والعزيمة التي لم تنجح تكتيكات جيش الرئيس بشار الأسد في سحقها أو إحباط عزيمتها. الخسائر الفادحة في صفوف المتمردين وبين المدنيين، أعطت المقاتلين زخماً في سعيهم إلى الإطاحة بالرئيس الأسد، الذي أسفرت الحملة العنيفة التي تشنها قواته عن مقتل الآلاف من السوريين.

هذا العنف الذي بدأ مع اندلاع الثورة السورية منذ 15 شهراً، أدى إلى تحويل الإنتفاضة السلمية إلى حرب شوارع تقف على شفير هاوية الحرب الأهلية. ونقلت صحيفة الـ quot;واشنطن بوستquot; عن الشاب السوري العشريني (شهم) الذي يقود وحدة متمردة في مضايا، قوله quot;أنا لا أريد القتال. ثورتنا بدأت بشكل سلمي. طلبنا من بشار الحرية فقط، لكنه أجابنا بوابل من الرصاصquot;.

وأضاف شهم: quot;عندما يضربك أحدهم في المرة الأولى، قد لا ترد. وربما في المرة الثانية أيضاً. لكن في المرة الثالثة...quot;. ويقول الثائر السوري إن القوات السورية قتلت طفلين من البلدة بقذيفة هاون، ويضيف quot;قتل الأطفال مأساة كبيرة بالنسبة إلينا، لكننا سرعان ما نثأر لهمquot;.

شهم المقاتل quot;غير التقليديquot;
للوهلة الأولى، لا يعطي هذا الشاب العشريني انطباعاً بأنه مقاتل، فنظارته واللهجة التي يتكلم بها تشير إلى ما كان عليه قبل اندلاع الثورة. شهم طالب في الهندسة المدنية في جامعة روسيا، يتحدث اللغة الانكليزية بطلاقة، ويحفظ الشعر العربي، وإن بلكنة روسية خفيفة. لماذا اختار الدراسة في الخارج؟. كانت إجابته بسيطة: quot;الخدمة العسكرية في سوريا إلزامية، ومن المستحيل أن أعمل لحساب بشارquot;.

لم يشأ شهم الكشف عن اسمه الكامل، خشية من أن يعقد ذلك حظوظه في الحصول على تأشيرة للسفر إلى الولايات المتحدة يوماً من الأيام. ويقود اليوم مجموعة تضم نحو 50 مقاتلاً من الجيش السوري الحر، ويقول إن مضايا تحت سيطرة الثوار الذين يحملون السلاح بشكل علني، والمدنيون ينظرون إليهم كأبطال.

على الرغم من أنه لم يتلق التدريب العسكري من قبل، إلا أن والده - الذي يقود وحدة متمردة من تلقاء نفسه، والذي خدم لفترة قصيرة في جيش الأسد منذ سنوات عديدة - علّمه أساسيات القيادة العسكرية. يتواصل شهم مع والده بانتظام عبر quot;سكايبquot; Skype، ويخططان لهجمات، ولعمليات الإخلاء الطبي وتأمين شحنات الأسلحة.

جذور الثورة تمتد عبر العائلة
تدبّ روح الثورة في أسرة شهم، فعمه قتل في النضال ضد الاحتلال الفرنسي، وقتل جده وجدته في مقاومة نظام حافظ الأسد والد بشار. شهم هو أحدث مقاتل في العائلة، يقود سيارته من الحدود التركية إلى ريف إدلب على طول طريق العودة من أجل تجنب نقاط التفتيش الحكومية. يومئ برأسه نحو مسار سكة القطار الحديدة، ويقول: quot;لقد قلت لأبي منذ بضعة أيام إني ذاهب لتنفيذ مهمة كبيرة. وعندما سألني ما هي أجبته: ستعرف عندما أنفذهاquot;.

ويضيف: quot;بعد ساعات من حديثي معه، جاء قطار يحمل الوقود لطائرات الهليكوبتر والدبابات في مدينة حلب. وقالت الشرطة إن قنبلة محلية الصنع انفجرت تحتهاquot;، مشيراً إلى أنه استخدم الديناميت لتدمير القطار.

اليوم، يخطط شهم لهجوم آخر. يقول إن هذه الخطة تنطوي على قطعة مدفعية ثقيلة ومعقدة، لكن لا أحد يعرف كيفية استخدامها، مضيفاً quot;هناك ضابط مدفعية انشق عن الجيش النظامي، ويعرف كيفية استخدامها. وأنا أحاول جلبه لمساعدتيquot;. في هذه الأثناء، كان الثوار يستجوبون أحد الرجال، الذي يشتبه في أنه جاسوس. ويبدو من عينه المتورمة أنه تعرّض للضرب.

يرد شهم على سؤال حول المعاملة التي يلقاها الجاسوس، فيقول: quot;نحن لسنا قتلة. نحن لسنا مثل الأسد. هذا الرجل كان واحداً منا، لكنه وشى بنا وتسبب بقتل أكثر من 10 رجال. في الحرب، عليك أن تحيّد مبادءك وتعليمك جانباً وتقاتلquot;.