يبدو أنّ حركة النهضة الاسلامية الحاكمة في تونس ستواجه في الانتخابات القادمة تكتلاً لا يستهان به، تمكن الباجي قائد السبسي رئيس الوزراء الاسبق من تشكيلهويضم رموزًا وكوادر من نظام بن علي. وتهدف حركة نداء تونس الوليدة الى تحقيق التوازن في المشهد السياسي وسمته تغوّل حركة النهضة.


تونس: نضجت مبادرة الوزير الأول السابق التونسي الباجي قائد السبسي التي تحدّثت عنها وسائل الاعلام كثيرًا وتحولت إلى quot;حركة نداء تونسquot; التي رأت النور مؤخرًا في اجتماع عام وسط حضور إعلامي لافت.

الباجي قائد السبسي أكد أن حركته أو حزبه الجديد جاء لتجميع quot;القوى الوسطية والديمقراطيةquot; من أجل تأمين المرحلة الثانية من الانتقال الديمقراطي ووضع أسس التداول على السلطة في تونس.

من جهته، أوضح الطيب البكوش وزير التربية في حكومة السبسي السابقة والرجل الثاني في quot;حركة نداء تونسquot; أن الحركةمنفتحة على كل الأحزاب وهي ترغب في ملء الفراغ في الحياة السياسية، وأنّ هناك 40% من الشعب التونسي غير منظم تحت لواء أي طرفquot;.

الباجي قائد السبسي خلال اعلانه ولادة حزبه الجديد quot;نداء تونسquot;

وقال البكوش: quot;إنّ الحركة ستعمل من أجل ضبط خارطة طريق مفصلة وواضحة، وهي تسعى الى التحضير للانتخابات القادمة وستمارس الضغط السياسي والمعنوي على الحكومةquot;.

ولكن هذه الحركة الجديدة، وهي تضم في صفوفها رموزًا من النظام السابق الذي ثار عليه الشعب التونسي، أثارت تساؤلات عديدة حول مدى تأثيرها على الخارطة السياسية قبل موعد الانتخابات في الربيع القادم، ومدى قدرتها على خلق واقع جديد في المشهد السياسي قادر على إحداث التوازن والتأثير على نتائج الانتخابات.

أطراف سياسية واجتماعية

المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي يتحدث لـquot;إيلافquot; عن quot;حركة نداء تونسquot; الوليدة وتأثيرها على الخارطة السياسية:quot; حقيقة يصعب الآن التكهن بنتائج هذه المبادرة، ولكن يتوقع بأنها ستستقطب عددًا من الأطراف السياسية والاجتماعية التي لها خلافات جوهرية مع حكومة الترويكا وتحديدًا حركة النهضة، وأنّ هذه المبادرة يقودها شخص مثل السيد الباجي قائد السبسي معروفبتاريخة وخاصة المرحلة الأخيرة التي مرّ بها كرئيس حكومة والتي اعتبرت بشكل عام ناجحة وموفقةquot;.

وأضاف الجورشي :quot; الباجي قائد السبسي معروف بعلاقاته الدولية وبالتفاف عدد من الأطراف حوله،جزء منها ينتمي إلى التجمع الدستوري الديمقراطي المنحلّ والحزب الدستوري وجزء آخر من هذه الأطراف مستقل ويجرّ معه بعض الشرائح من المثقفين والكوادر الإدارية، وبالتالي فإن هذه المبادرة مرشحة بأن تملأ الفراغ الذي تعاني منه ساحة المعارضة، ويمكن أن تتطور بعدتأسيسها لأن تشكل جبهة، وإذا تمكنت فعلاً من تحقيق هذه الأشياء، هو ما يجعل التوجه فعليًا لخلق حالة من التوازن بين حركة النهضة وحلفائها من جهة وبين أطراف من المعارضة من جهة أخرىقد تكون مبادرة الباجي قائد السبسي هي المحور الأساسي لها، لكن في كل الحالات قد تجرّ هذه المبادرة وراءها عبئًا قد يعرقلها في المستقبل وهو ما يجري الحديث عنه الآن في تونس وهو بقايا الحزب الحاكم السابق، وهذا قد يؤثر على قوتها و قدرتها على كسب الرهان لكنها في الآن نفسه ستحاول أن تستفيد من أخطاء الحكومة ومن أخطاء حركة النهضةquot;.

من جهته، تحدث الإعلامي والمحلل السياسي زياد الهاني في تصريح لـquot;إيلافquot; عن quot;حركة نداء تونسquot; و مدى تأثيرها، ويقول: quot; في تقديري أنّ هذه المبادرة قادرة على تعديل المشهد السياسي في تونس لو تنجح في تجنب المنزلقات التي يمكن أن تهدد هذا الدور الذي يمكن أن تلعبه، وهذه المنزلقات هي أن تنجح في تقديم نفسها كقوة تغيير باتجاه إنجاح مسار الثورة و ليس لإعادة النظام السابقquot;.

ويضيف الهاني حول وجود عدد من رموز النظام السابق:quot; إلى حدّ الآن ومن خلال التركيبة السياسية لا أرى رموزًا من النظام السابق لكنّ هناك وجوهًا لها رصيد نضالي محترم، وبالتالي يجب تجنب المنزلقات التي قصدناها ونحن نعرف اليوم أن حركة النهضة هي الطرف السياسي الأقوى في البلاد وهي المحدد الرئيسي في أي معادلة مستقبلية يجب أن تحسن التعامل مع حركة quot;نداء تونسquot; ولا تسمح أن تتحول العلاقة معها إلى حالة من العداء حتى لا نصل إلى وضع خطير في البلاد قد يؤدي إلى فشل تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس، وهذان اتجاهان متوازيان يجب أن يسيرا جنبًا إلى جنبquot;.

متابعة التطورات

حول مدى قدرة quot;نداء تونسquot; على التأثير في نتائج الانتخابات القادمة، قال المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي:quot; الانتخابات القادمة لا يمكن الحديث عنها بشكل قطعي أو بشكل قريب من الواقع إلا قبل تنظيمها بشهرين على الأقل أي أننا يجب أن نتابع التطورات التي ستحدث على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية عشية الانتخابات لنحكم على قدرة الأحزاب على المنافسةquot;.

في تونس يدور الحديث الآن عن رموز من النظام السابق ممن احتوتهم quot;حركة نداء تونسquot; التي يتزعمها الباجي قائد السبسي، وهنا يقول الجورشي:quot; هذه فرضية لا يمكن أن نتحكم فيها في المطلق وتكفي الإشارة إلى ما جرى في مصر حيث تحصل أحد رموز النظام السابق على نصف عدد الأصوات وهذا يدل على أنّ تقييم ردود فعل الشعوب لا تقاس بشكل رياضي، ولذلك تبقى كل الاحتمالات واردةquot;.

هل ولدت الحركة ميّتة فعلاً؟

هناك من يعتبر أنّ quot;حركة نداء تونسquot; ولدت ميّتة على اعتبار الرموز التي ضمتها، والتي تثير قلق قطاع واسع من التونسيين.

المحلل السياسي صلاح الدين الجروشي يعتبر أنّ الهيئة التأسيسية لحركة نداء تونس لا تتضمن شخصيات من النظام السابق، وهذا يعود إلى إدراك الباجي قائد السبسي ومن معه بحساسية هذه المسألة لكن quot;يجب أن ننتظر لكي نعرف ما هي القيادات والكوادر الوسطى على مستوى الجهات، وما هي نوعية هذه الشخصيات وكيف سيتعامل معها المواطنون في داخل الجمهوريةquot;.

من جانبه، يقول الاعلاميّ زياد الهاني:quot; أنا شخصيًا أفضل نظامًا لتجربة الحكم في الهند مع الفارق في المقامات والتوجهات، حيث نجد حزب المؤتمر الوطني الهندي و حزب باهاراتا جناتا الهندوسي ولكن توجد قوة استقرار قادرة على الحكم دورة أو دورتين إلى جانب قوة أخرى قادرة هي الأخرى على الحكم والاستقرار لفترة زمنية معينة أفضل من أن يكونهناكحزب واحد مهيمن مثلما حصل في تونس ومصر وسوريا والعراق، بقطع النظر على طبيعة النظام السياسي والحزب المهيمن الذي يعود بالبلاد إلى الاستبداد وهذه طبيعة الأشياءquot;.

زياد الهاني يؤكد كذلك على أنّ تونس تحتاج إلى حزبين وسطيين قادرين على التداول على الحكم والاشتراك فيه مثلما هو الحال في فرنسا والولايات المتحدة الأميركية.

النجاح بشروط

حول مدى التأثير على نتائج الانتخابات القادمة، يقول زياد الهاني:quot; هناك حالتان، الحالة الأولى إذا فسح أمام هذه الحركة المجال للعمل بشكل طبيعي وفي هذه الحالة يكون محددًا في النتائج، فإما أن تكون شريكة في الحكم في إطار ائتلاف أو تكون بديلاً قويًا إذا حازت حركة النهضة الأغلبية للتداول على الحكم، وفي الحالة الثانية إذا تمّ منع هذه الحركة من العمل بشكل طبيعي من خلال سياسات الإقصاء مثلا، فسيؤثر ذلك على المسار الانتقالي الديمقراطي وسيكون مهددًا خاصة وأنه يخطئ من يتصور أنّ الإقصاء سيقبل في تونس ونعرف جيدًا انعكاساته على الصعيد الدولي، وكذلك على الصعيد الحقوقي دوليًا، والأطراف الأساسية ترفض اليوم هذا الإقصاء وهي تتطلب كثيرًا من الحكمة والانفتاح على الآخر والتعاطي معه وليس إقصاءه، ومن سيقوم اليوم بالاقصاء يكون على يقين بأنه سيكون ضحية لهquot;.

وأضاف:quot; أنا مع إقصاء كل من يثبت تورطه في الفساد من خلال حكم قضائي وذلك يكون باعتماد مقاييس معينة لاختيار الأشخاص الذين كانوا يقومون بوظائف معينة، وهؤلاء يحالون على القضاء الذي يحدّد فسادهم، وبالتالي منعهم من المشاركة السياسية أو تتم تبرئتهم من المشاركة في الفساد والاستبدادquot;.