أدت الهجمات الإسرائيلية المتكررة على قطاع غزة إلى إصابة الكثير من المواطنين باعاقات متنوعة،لكنّ اصحابها ما زالوا يتمسكون في الحياة ويأملون في تحقيق احلامهم.


غزة: كباقي البشر في العالم، يحلم الفلسطينيون بحياة هادئة بعيدة عن أي الهموم والمشاكل. وفي قطاع غزة المحاصر، هناك فئة لا تلقى الاهتمام اللازم رغم أنها في أمس الحاجة لمد يد العون والمساعدة، هي فئة من الفئات الضعيفة التي تحتاج إلى رعاية خاصة، فكون الألم قد انتهى لا يعني غياب الوجع العاطفي والروحي. quot;إيلافquot; تنقلت بين أروقة مستشفى الوفاء وتعرفت على الحالات المتنوعة ورصدت بالقلم والصورة حكاية الإرادة والإصرار والطموح..

تتنوع الإصابات جراء الحوادث، وكذلك الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين، مما خلف آلاف من ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين ينتظرون حياة مجهولة المعالم.

بعض الإصابات تعدت مرحلة اليأس، لكن الإرادة ظلت حاضرة دومًا في وجدان الفلسطيني الذي حول إصابته في كثير من الأحيان إلى منحة ومعها كسر كل حواجز الخوف واليأس اللذين يتسللان إلى الإنسان المريض.
quot;إيلافquot; عاشت لحظات الصيام ولحظات الألم والإرادة مع ذوي الاحتياجات الخاصة في غزة.

الصواريخ الإسرائيلية سبب إعاقته...

أصيب في القصف الإسرائيلي الذي استهدف أحد المواقع القريبة من بيته الآمن، لم يتخيل أهل الطفل الزعلان أنه سيظل مقعدًا لمدى الحياة، بين الغيبوبة والعودة إلى الحياة قصة كانت عنوانها اليأس الذي تحول بفضل الطاقم المشرف على الحالة إلى أمل من أجل إكمال مسيرة الحياة.

نظرًا لعدم تمكن يوسف الزعلان من الحديث توجهت مراسلة quot;إيلافquot; إلى الدكتور الذي يقوم بمعالجة الطفل.

الطبيب خميس الاسي، رئيس طاقم التأهيل الطبي في مستشفى الوفاء، يتحدث عن حالة الطفل، قائلاً: quot;الطفل يوسف دخل إلى المستشفى وكان يعاني من نقص في الأوكسجين مع الاختناق، ويعاني من الغيبوبة، حينما نقل إلى المستشفى تم عمل إنعاش للقلب والرئتين، ووضعه على جهاز التنفس الصناعيquot;.

ونظرًا لحالته الميئوس منها، تم وضع خطة متكاملة من قبل الفريق المشرف وتنفيذها من أجل إعادة بصيص الحياة للطفل. مشددًا على أن الطفل كان يعاني من نقص واضح في الوزن، مع سوء في التغذية، بالإضافة إلى ضمور في العضلات.

ويواصل الطبيب: quot;دخل الطفل المستشفى، وهو يعاني من غيبوبة عميقة وكان يتشنج بين اللحظة والأخرى. لكن مع تنفيذ الخطة العلاجية تم التحكم والتخلص من التشنجات العصبية، وكذلك تقوية العضلات والمفاصل، كما تم إعطاؤه المضادات الحيوية من أجل القضاء على الالتهاباتquot;.

وينوه الاسي إلى أن الطفل أظهر تحسناً واضحاً في النواحي الادراكية، بعد أن قام الأطباء المشرفون عليه باستخدام جميع أساليب الاستثارة الحسية فأصبح يتعرف على الوجوه ويبتسم، ويأكل عن طريق الفم، لكنه سيبقى يعاني من الشلل وربما عدم المقدرة على الكلام طوال حياته.

سقط عليه احد الأنفاق التي يعمل فيها..

محمد النجار
بابتسامته التي لم تفارق وجهه، وبحديثه الهادئ، وحبه للحياة تحدث الشاب محمد النجار 30 سنة عن الأسباب التي أدت إلى إصابته، يقول: quot;كنت أعمل في منطقة الأنفاق الحدودية مع مصر، وهي التي تدخل المواد الغذائية وكل ما يحتاجه الفلسطينيون بسبب إغلاق المعابر،الذي سببه الحصار الإسرائيلي على غزةquot;.

ويتابع: quot;انهار علي أحد الأنفاق الذي يبلغ طوله 12متراً، لم أغب بالطبع عن الوعي لكنني أحسست أن قدميّ لم تعد تتحركان، إلى أن جاء الإسعاف وقام بنقلي على الفور إلى إحدى المستشفيات، ومباشرة تم إجراء عملية سريعة لي لثبيت الكسور في منطقة العمود الفقري.

وبابتسامة مضيئة يواصل حديثه: quot;لم أتخيل أنني سأعود الى الحياة والمشي على قدميّ، صحيح أنني الآن أعاني من بعض الإعاقة، لكن بعد العلاج سأتمكن من الخروج ومتابعة حياتي كما كانت قبل الإصابة، كما أن المرض لا يثني الإنسان عن الصيام في رمضانquot;.

الطبيب حسن صرصور، طبيب عام ومشرف على حالة محمد النجار، يقول: quot;دخل محمد المستشفى وهو يعاني من إصابة في العمود الفقري أدت إلى كسر في الفقرات الصدرية، وكذلك إصابة في الحبل الشوكي، وكذلك عدة كسور في الضلوع، نتج عنها شلل سفليquot;.

محمد النجار على سرير المرض
في البداية كان المريض لا يستطيع المشي ولا الوقوف وكانت حركة الأرجل والأطراف السفلية ضعيفة جدًا، لكنه بعد أن خضع لبرنامج العلاج الطبيعي والوظيفي المكثف أظهر تحسنًا واضحًا للغاية، فهو مريض عنده من الإرادة ما يكفي لأن يتغلب على أي نوع من الفتور واليأس.

ويتابع حديثه بأن البداية كانت بتدريبه على الجلوس على الكرسي المتحرك ثم محاولة توقيفه على جهاز التوقيف، ومع الأيام أصبح يعتمد على نفسه، فهو لم يكن يستطيع أن يحرك أيًا من أطرافه العلوية أو السفلية، لكنه بعد أن خضع للعلاج والإشراف عاد إلى الحياة بفضل إرادته القوية وصبره على الوجع.

أتمنى أن أكمل دراستي لأصبح طبيبًا أعالج المعاقين...

أما الفتى quot;أحمدquot; الذي يعاني من إعاقة دائمة فتحدث والدموع تفيض من عينيه عن حلم كان يراوده لكن الإصابة منعته من كثير من الأشياء.

ويقول: quot;كنت دومًا ألعب بالكرة في الحارة، وفي أحد الأيام وبينما كنا نلعب أنا وأصدقائي تم قصف الملعب الذي نلعب فيه، أحسست أن قدمي قد قطعت وأنني لا أستطيع الوقوفquot;.

ويواصل وقد استذكر تلك اللحظات بدمعة ما فارقت عينيه quot;غبت عن الوعي لمدة ثلاثة أسابيع كما اخبرني والدي وبعد أن استيقظت من الغيبوبة تبينت أنني سأظل مقعدًا فأنا أصبحت معاقاً وقد بترت إحدى قدميّ.

وبلغته البسيطة وابتسامته الهادئة يواصل: quot;حرمت من لعب كرة القدم بسبب إعاقتي، أحب فريق برشلونة وأتابعه دوماً، وكلما جاء أحد أصدقائي ليلعب معي أجيبه، بأنني الآن معاق، ولا أستطيع وأبدأ بالبكاءquot;.

ويضيف: quot;أحلم أن اكبر، وأن أتابع تعليمي وألتحق بكلية الطب، لأدرس العلاج الطبيعي كي أساعد المعاقين على مواصلة حياتهمquot;.

وبشغف وإرادة قوية، يتابع: quot;أقرأ القرآن يوميًا، وأصوم رمضان حاليًا مع أن الطبيب أجاز لي الإفطار، لكنني هذا العام أشعر بالأمل وأدعو الله دومًا بأن يشفيني من إعاقتي لكي أعود الى اللعب مع أصدقائيquot;.

صغير على الإعاقة..

أما الطفل أحمد بربخ البالغ سنة ونصف، والذي لم ترحمه قسوة الحياة وأبت أن تهديه وعائلته بعض الجراح لتحوله إلى طفل غير قادر على المشي أو الحركة وهو في بداية حياته.

الطفل احمد
حادث طرق خطير أودى بحياة بعض من أفراد عائلته، قدر الله قد نفذ ليعيش الطفل الصغير بعد ذلك الحادث، لكن بإصابة خطيرة كانت ستنهي حياته لولا قدرة الله وفضل الأطباء الذين كسروا القواعد وأعادوا البسمة للعائلة المجروحة بعد الحادث الذي ألم بهم.

التقت مراسلة quot;إيلافquot; بالطبيب خميس، مرة جديدة لتتعرف عن قرب عن حالة الطفل بربخ، ويقول: quot;دخل الطفل أحمد، وهو يعاني من نزيف تحت الأم الجافية، وكذلك كسر في عظمة الترقوة اليمنى بالإضافة إلى ضعف واضح في العضلاتquot;.

لكن الأمل بالحياة كان حاضرًا دومًا عند الأطباء المشرفين فقمنا بوضع الخطط لتقييم حالة الطفل وعلى إثرها قمنا بتدريب الطفل على الزحف وأعدنا إلى الطفل الصغير قدرته على الزحف، كذلك المشي بمساعدة شخص.

منوهًا أن الطفل عندما دخل إلى مستشفى الوفاء كان يصدر بعض الأصوات، لكنه أصبح بعد ذلك ينطق بالعديد من الكلمات الواضحة.

من الجدير بالذكر أن إحصائيات مركز الميزان لحقوق الإنسان تظهر أن الهجوم الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة خلف المئات من الإعاقات ليرتفع عدد المعاقين في فلسطين بمختلف الإصابات إلى 70 ألف شخص.

وهؤلاء بحسب العديد من المؤسسات والتقارير يعانون من الفقر والبطالة، والكثير منهم محروم من الوظائف والحياة الطبيعية.