مع ارتفاع الأصوات المطالبة بإلغاء الاحتفالات في ثورة يوليو،يزداد الجدل في مصر بين مؤيد ومعارض لهذه الخطوة،فهناك من يرى ان هذه الثورة اسهمت في تعزيز الإستبداد،في حين يعتقد آخرون أنها انطلقت في الأصل من أجل القضاء على الفساد والرجعية.


حتى عام وسبعة أشهر خلت، كان حدث ثورة 23 يوليو بالإضافة إلى حرب أكتوبر المجيدة من العام 1973، هي ثاني إثنين من الأحداث الهامة التي ينظر إليها المصريون بكثير من الفخر والإعتزاز، ولكن جاءت ثورة 25 يناير لتصبح ثالث الثلاثة، بل تكاد تكون الحدث الأهم والأبرز لأجيال الشباب التي لم تعاصر الحدثين الأوليين، وليس لديها معلومات عنهما إلا من خلال الأفلام السينمائية مثل quot;رد قلبيquot;، quot;القاهرة 30quot;، إضافة إلى quot;الرصاصة لا تزال في جيبيquot;، وquot;أغنية على الممرquot;.

قيادات ثورة يوليو

ويأتي احتفال المصريين بالذكرى الستين لثورة 23 يوليو هذا العام، وسط دعوات أطلقها بعض شباب الثورة والتيارات السياسية، لاسيما جماعة الإخوان المسلمين، لإلغاء الإحتفالات بتلك الثورة، على اعتبار أنها انقلاب عسكري، وأن ثورة يناير، قامت ضد حكم العسكر الذي أصلت له ثورة يوليو. وأنها أسست دولة الاعتقالات والمحاكمات العسكرية والطوارئ.

إنقلاب عسكري

جاءت الدعوة لإلغاء الإحتفال بالذكرى الستين لثورة يوليو من خلال المهندس أحمد ماهر مؤسس حركة 6 أبريل، وقال في تغريدة له على موقع تويتر: quot;لو حد عايز ينزل يوم 23 يوليو يبقى يطالب بإنهاء حكم العسكر، مش ينزل يحتفل بثورة العسكر واستمرار حكم العسكرquot;.

ورد عليه الدكتور مصطفى النجار أحد شباب الثورة والنائب في مجلس الشعب المنحل، قائلاً: quot;أنا لا أقبل الحديث عن إلغاء ذكرى ثورة يوليو، فمن العار أن نلغي تاريخ الوطن مهما كانت السلبيات في بعض أحداثه، تعقلوا يا شباب الثورة كفانا عداء للمجتمعquot;. وأضاف النجار: quot;يسيء للثورة كل من يريد أن يلغى التاريخ الذي لا يعجبه، الوطن أكبر من أهوائنا ووجهات نظرنا ونحن زائلون والوطن باقquot;.

عمل عسكري أيّده الشعب

فيما قال محمود عفيفي عضو المكتب السياسي لحركة 6 أبريل، إن مطالبة المهندس أحمد ماهر مؤسس الحركة بعدم الإحتفال بثورة يوليو يعبر عن وجهة نظره الشخصية، وليس وجهة نظر الحركة، وقال لـquot;إيلافquot; إن quot;ثورة 23 يوليو عمل عسكري أيّده الشعب المصري كلهquot;.

مشيراً إلى أن ثورة يوليو قامت من أجل تحقيق أهداف سامية، إستفاد منها المصريون جميعاً، بل كانت سبباً في تحرر العديد من الشعوب، وأضاف عفيفي أن ثورة يوليو إندلعت من أجل القضاء على الإستعمار والفساد، والتحرر وتحقيق العدالة الإجتماعية، ولفت إلى أن الثورة أنشأت مشروعات قومية رائعة مثل شركات الحديد والصلب والسد العالي وتأمين قناة السويس، إضافة إلى الإصلاح الزراعي وإنصاف الفلاح.

تقاعد دولة العسكر

غير أن عفيفي يرى أن ثورة 23 يوليو إنحرفت عن مسارها، وتحولت إلى ذريعة لحكم العسكر، منوهاً بأنها كرست للفساد خلال الثلاثين عاماً الماضية، وهي الفترة التي حكم فيها الرئيس السابق حسني مبارك البلاد.

وأكد عفيفي أن ثورة 25 يناير إندلعت من أجل القضاء على عسكرة الدولة، وإنهاء حكم العسكر الذي عرقل تقدم مصر وأن تكون في مصاف الدول الحديثة، مشيراً إلى أن ثورة 25 يناير لا تلغي ثورة يوليو، بل تجدد أهدافها، لاسيما في ظل اتفاق الثورتين حول مكافحة الفساد والحرية. ولفت عفيفي أنه آن الأوان لكي تتقاعد دولة العسكر، وتتسلم دولة المدنيين مهام الدولة الحديثة.

مراجعة المواقف

وحول مطالبة بعض التيارات السياسية والشخصيات ومنها جماعة الإخوان بعدم الإحتفال بثورة يوليو، قال عفيفي إن موقف الإخوان وهذه التيارات من ثورة يوليو ليس صحيحاً، مشيراً إلى أنهم إستفادوا منها باعتبارهم جزءا من الشعب المصري.

وأوضح عفيفي أن تعرض فصيل سياسي معين للقمع من مجلس قيادة الثورة خلال حقبة من تاريخ البلاد ليس دليلاً أن الثورة كلها سيئة أو أنها لم تأت بالخير، ولفت إلى أن الإخوان يجب عليهم مراجعة مواقفهم من ثورة يوليو، لأنها واحدة من أهم المحطات في تاريخ مصر الحديث.

دعمت حركات التحرر

وفي السياق ذاته، وصف أمين إسكندر أمين حزب الكرامة الناصري الداعين إلى عدم الإحتفال بثورة يوليو بquot;عدم فهم التاريخ جيداًquot;، وأضاف إسكندر لـquot;إيلافquot; إن ثورة يوليو إندلعت في فترة مفصلية من تاريخ المنطقة والعالم كله.

مشيراً إلى أنها دعمت حركات التحرر في أفريقيا والعالم، وقامت من أجل تحقيق العدالة الإجتماعية للمصريين، والقضاء على الفساد، ولفت إلى أنها أقامت نهضة شاملة في مصر في مجال الزراعة فاستصلحت عشرات الآلاف من الأفدنة، وقضت على الإقطاع ووزعت آلاف الأفدنة على الفلاحين الفقراء، وأنشأت آلاف المصانع الكبرى التي ما زالت عماد الإقتصاد المصري حتى الآن، معتبراً أن الدعوات لإلغاء الإحتفال بها بحجة إنهاء حكم العسكر تمثل دعوة لتزييف التاريخ.

وقال حافظ أبو سعدة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان إن ثورة يوليو ما زالت في وجدان المصريين ثورة تحررية من الاستعمار، مشيراً إلى أنها كانت سنداً لحركات التحرر في العالم العربي وأفريقيا، وأكد أن أحداً مهما كان وزنه لا يملك أن يحذف هذه الثورة من تاريخ مصر ووجدان المصريين.

مشروع وطني وقومي

هل تمحو ثورة 25 يناير ما قبلها؟

فيما وصف النائب أبو العز الحريري ثورة 23 يوليو بأنها كانت مشروعًا وطنيا ثبت أنه كان ضرورياً لتحويل مجرى التاريخ ليس في مصر فقط، بل في المنطقة بأسرها والعالم أيضاً، وقال الحريري إن ثورة يوليو لن تتقاعد بعد بلوغها سن الستين، مشيراً إلى أن قامت من أجل أهداف عالمية منها: التنمية والإستقلال الوطني والتحرر من الإستعمار والوحدة العربية، إضافة إلى محاربة الجهل والفقر والمرض.

ولفت إلى أن مشروع ثورة 23 يوليو ما زال قائماً وما زال المصريون بل والشعوب المضطهدة والمقهورة في حاجة إليه، وأوضح الحريري أن ثورة 25 يناير تتفق مع ثورة 23 يوليو في الأهداف وتجمعهما روح واحدة، هي روح التحرر والتطلع إلى الديمقراطية ومكافحة الرجعية والاستبداد في الوقت نفسه.

إساءة للثورتين

وفي ما يخص موقف الإخوان من ثورة يوليو، قال الحريري إن موقف الإخوان يتشابه إلى درجة التطابق مع موقف الغرب من الإسلام، وأوضح أن الدين الإسلامي دين تسامح وحب ويعلي من القيم الإنسانية، في حين أن سلوكيات المسلمين تسيء إليه، وتجعل الغرب ينفر منه كدين، مشيراً إلى أن موقف الإخوان من ثورة يوليو يرفضها وينفر منها، بسبب ممارسات خاطئة ارتكبها بعض قياداتها في فترة تاريخية معينة رداً على ممارسات أخرى للجماعة نفسها، وبالتالي لا يجب الحكم على الفكرة من سلوكيات أصحابها.

وحمل الحريري على الإخوان بشدة، قائلاً إن الإخوان كما أساؤوا للإسلام أساؤوا إلى ثورة يوليو و أساؤوا لثورة 25 يناير، واصفاً الجماعة بأنها quot;الجناح غير الرسمي للحزب الوطني المنحل في عهد مباركquot;، وذلك في معرض رده على سؤال حول موقف الجماعة من ثورة يوليو في ذكراها الستين.

وقال إن الإخوان حلفاء للإستعمار الأجنبي منذ الإنجليز الذين اندلعت ضدهم ثورة يوليو، وانتهاء بالأميركيين الذين اندلعت ثورة يناير ضد رجلهم في مصر، وأسقطته من الحكم وحرمت نجله من وراثته في الحكم، مشيرا إلى أنهم جزء من النظام الرجعي، الذي يناهض الديمقراطية والتحرر والتنمية الإنسانية، ويحرص على انتشار الجهل بين الشعوب العربية، وحسب وجهة نظر الحريري فإن الإخوان ليسوا مع ثورة يوليو وليسوا مع ثورة يناير، متهماً إياهم بالبحث عن المصالح فقط، وأنهم يعرفون من أين تؤكل الكتف.