مع غلق الشرطة في تونس لعدد من المقاهي والمطاعم التي يؤُمّها مفطرون في أول ايام شهر رمضان، احتدم الخلاف بين شقّ يرى في قرار الاغلاق انتهاكًا للحريات الفردية، وشقّ آخر يرى فيه تماشيًا مع هوية تونس العربية الاسلامية التي ترفض المجاهرة بالافطار احترامًا لمشاعر المسلمين.


تونس: خلّف خبر قيام أعوان أمن بدورية لغلق عدد من المقاهي والمطاعم في جهة quot;حيّ النصرquot; الراقية القريبة من العاصمة التونسية أوّل أيام شهر رمضان، ضجة إعلامية في تونس.

واختلفت المواقف وردود الأفعال تجاه هذا الإجراء الذي حظي بمتابعة ونقاشات التونسيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي بين مدافع عن حقّ أصحاب المطاعم والمقاهي فتح محلاتهم في أوقات الصوم باعتبار ذلك يدخل في إطار الحريات الفردية، وبين من يرى أن هذه الخطوة تتماشى مع الهوية العربية الإسلامية للبلاد وضرورة احترام العادات الإسلامية.

وتداول نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات مصوّرة تضمنت شهادات لأصحاب مقاهي أكدوا خلالها أن أعوان أمن طالبوهم بغلق محلاتهم المفتوحة للمفطرين في اليوم الأول من شهر رمضان بدعوى مخالفة القانون.

وأشارت صحف تونسية إلى أن محافظ مدينة أريانة أصدر قرارًا بغلق بعض المقاهي والمطاعم في حيّ النصر، إلا أن الأخير فنّد هذا الخبر في تصريح لوكالة الأنباء التونسية الرسمية مؤكدًا أن ما قامت به الفرق الأمنية جاء تنفيذًا لقرار صادر عن وزارة الداخلية يقضي بعدم السماح ببيع المشروبات والمأكولات بصفة علنية وبالواجهات الأمامية للمحلات احترامًا لمشاعر المواطنين الصائمين في رمضان.

مطاعم ومقاهٍ عديدة في تونس لا تغلق ابوابها في رمضان

وأوضح المحافظ أن المحلات التي تم التنبيه عليها صدرت بشأنها قرارات غلق منذ سنة 2009 بسبب مخالفات مرتبطة بالمسائل الصحية وبالمساحات المسموح بها لتعاطي التجارة.

تطبيق للقانون أم اعتداء على الحريات الفردية؟

المتحدث باسم وزارة الداخلية خالد طروش قال في إفادته لـ(إيلاف) إن وزارة الداخلية تصدر نفس البرقية المتعلقة بأطر عمل المقاهي والأسواق ومراقبتها بداية كل شهر رمضان من كل سنة لتنظيم الحياة العامة.

وأوضح طروش أن القانون التونسي يخوّل لأصحاب المقاهي والمطاعم بالمناطق السياحية والمناطق التجارية العصرية فتح محلاتهم شرط عدم استغلال الواجهات الأمامية.

ويرى طروش أنه لا موجب لهذه الضجة، وتساءل عن سببها quot;رغم أن الاجراءات المعمول بها منذ سنوات طويلة لم تتغيّرquot;.

توضيحات الجهات المسؤولة لم تكن كافية لتقلّل من مخاوف بعض التونسيين الذين قاموا بنشر عريضة تستنكر ما اعتبروه تدهورًا لوضع الحريّات الفرديّة وحريّة المعتقد والفكر في تونس.

واعتبر الموقعون على العريضة أن quot;هذا الفرض لقاعدة الصيام على كل مواطن مهما كانت معتقداته وقناعاته الشخصيّة يعتبر خرقًا صارخًا لأهم مبادئ حقوق الإنسانquot;.

من جهتها، ترى نادية شعبان، النائب في المجلس الوطني التأسيسي عن الكتلة الديمقراطية المعارضة، في تصريح خاص لـ(إيلاف) أن إجراء الغلق الذي بادرت به قوات أمنية quot;ليس تطبيقًا للقانونquot; بما أن السلطات لم تنشر تفاصيل هذا القانون أمام الرأي العام.

واعتبرت شعبان أن هذا الاجراء quot;يضرّ بالمصالح الاقتصادية لأصحاب المقاهي والمطاعم التي تعرضت للغلقquot;.

ولا يشاطر جانب من التونسيين هذا الرأي، ويرون أن quot;فئة قليلة تريد فرض نمط عيشها على الأغلبيةquot;.

وانتقدت شعبان ما اعتبرته ازدواجية في معايير التعامل من طرف قوات الأمن التونسية مع الملفات المتعلقة بالحريات، إذ يتم غضّ النظر تجاه تجاوزات المجموعات السلفية مقابل المسّ بالحريات الفردية للمواطنين.

نادية شعبان قالت إن نوابًا في المجلس الوطني التأسيسي سيسائلون الحكومة حول تراجع وضع الحريّات في البلاد في الآونة الأخيرة، وأضافت :quot;لقد وصلنا إلى مرحلة لا يجب مواصلة الصمت فيهاquot;.

ودعا مبحرون على شبكة الانترنت إلى وقفة احتجاجية الأربعاء المقبل أمام مقرّ المجلس الوطني التأسيسي تحت عنوان: quot;الحكومة ليس لها حقّ التدخل في حياتي، من حقّي الصوم متى شئت والإفطار متى شئتquot;.

اجراء يتماشى مع هوية تونس

مستشار وزير الشؤون الدينية صادق العرفاوي يرى بدوره أن هذا الاجراء ليس فيه اخلال بحقوق الانسان أو الحريات الفردية.

وقال المستشار في مقابلة مع (إيلاف) إن وزارة الشؤون الدينية تساند هذا التوجه الذي يقضي بغلق المطاعم والمقاهي المفتوحة بالطريق العام أثناء فترة الصيام في شهر رمضان.

ووصف العرفاوي اجراء الغلق بـquot;العاديquot; مشددًا على أن تونس بلد عربي اسلامي دستوره القادم سينص على أن دين الدولة هو الاسلام، وأضاف: quot;في بعض الدول العربية الأخرى هناك عقوبات ردعية وسجنية بسبب المجاهرة بالإفطار فما بالك بفتح المقاهي والمطاعم أثناء فترة الصيامquot;.

في المقابل، شدد بعض النشطاء على أن كل القرارات يجب أن تتماشى مع الميثاق الدولي لحقوق الإنسان الذي يضمن حريّة المعتقد وعدم فرض أسلوب عيش معيّن على المواطنين.

إلا أن مستشار وزير الشؤون الدينية أكد في تصريحه لـ(إيلاف) أن quot;مقاربة حقوق الانسان ينبغي أن تستنبط من ديننا الاسلامي ومن هويتنا العربية الاسلامية وليس من منظومات غربية أخرىquot;.