علم تنظيم القاعدةالأبيض بخلاف اللون الأسود المألوف
يعرض علم لتنظيم القاعدة يخالف عن غيره بكونه من اللون الأبيض على خلاف العلم الأسود، ولكنه يعرض علنا في محافظة ادلب السورية، على حاجز تفتيش طيار، ما يشير الى وجود عناصر من التنظيم عاملين في المنطقة.

لندن: كان علم تنظيم القاعدة مغروسا في برميل مطلي بألوان الثورة السورية وسط الطريق على حاجز تفتيش طيار بين بلدتي بنش وتفتناز في محافظة ادلب، ولم يكن هناك أحد على حاجز التفتيش إزاء حرارة الجو في ساعة الظهيرة وهبوط النشاط الذي يسببه أحيانا صيام رمضان.

ولكن المفاجئ هو عرض علم تنظيم القاعدة بهذه العلنية أمام مرأى الجميع. وكان العلم أبيض بخلاف اللون الأسود المألوف، ونقشت عليه عبارة quot;لا اله إلا اللهquot; فوق شعار النبي محمد الدائري. ولكن الدلالات واحدة اياً يكن لون العلم، وهي أن عناصر من تنظيم القاعدة أو مؤيديه ينشطون في هذه المنطقة من سوريا.

وراجت تكهنات واسعة عما إذا كان متطرفون إسلاميون حققوا موطئ قدم في ساحة القتال الفوضوية التي آلت اليها سوريا اليوم. ويؤكد مراقبون وجود عناصر من تنظيم القاعدة، ولكنه وجود محدود ينبغي ألا يُضخم ولكن إذا خرج النزاع عن نطاق السيطرة فان دورهم يمكن ان يتعاظم بسرعة.

وكانت جماعة جبهة النصرة لأهل الشام أعلنت عن نفسها في مطلع العام قائلة إن هدفها إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، ومنذ ذلك الحين، تبنت الجماعة العديد من عمليات التفجير، بما في ذلك هجوم انتحاري مزدوج بسيارتين مفخختين في حلب استهدف مقرات أمنية في شباط (فبراير) وأسفر عن مقتل 28 شخصا.

ولا يُعرف الكثير عن جبهة النصرة التي يقودها شخص يستخدم الإسم الحركي ابو محمد الجولاني. ويقول البعض إن الجماعة من صنع النظام لتأكيد ادعاء الأسد بأنه يقاتل إرهابيين فيما يذهب البعض الآخر إلى أنه فرع لجماعة دولة العراق الإسلامية التي تنتمي إلى تنظيم القاعدة.

وقال مقاتل في جبهة النصرة لمجلة تايم إنها لا هذا ولا ذاك بل quot;نحن مجرد اشخاص نتبع ديننا ونطيعهquot;، كما أكد الشاب الذي قدم نفسه باسم ابراهيم. وأضاف quot;انا مجاهد ولكن ليس القاعدة. فالجهاد ليس القاعدةquot;.

وقالت مجلة تايم إن تأمين مقابلة مع عضو في جبهة النصرة استغرق أسبوعين، مشيرة إلى أن هذه اول مرة يتحدث فيها عنصر من عناصرها لوسائل الاعلام. ورفض آخرون أعلى مستوى في الجماعة، الحديث للمجلة ولكنهم سمحوا بمقابلة المقاتل ابراهيم البالغ من العمر 21 عاما.
وبحسب مجلة تايم فان لجبهة النصرة وجود في ست بلدات على الأقل في محافظة ادلب ومناطق اخرى من سوريا، بما في ذلك مظاهر نشاط متميز في العاصمة دمشق.

وقال ابراهيم إنه انضم إلى جبهة النصرة منذ ثمانية أشهر وجنَّده ابن عمه عمار قائد العمليات العسكرية لوحدته والمحارب المخضرم الذي قاتل مع رفاق له في الدين ضد الغزاة الأميركيين في العراق. ورفض عمار نفسه الحديث لمجلة تايم.

ولا يبدو الشاب ابراهيم بملابسه الرياضية ذات المظهر البريء شخصا خطيرا مثل بعض رفاقه الآخرين بدشاديشهم القصيرة ولحاهم الطويلة. وبالاضافة إلى تعريف ابراهيم بنفسه عنصرا في جبهة النصرة، أكد عدة مقاتلين في الجيش السوري الحر انه ينتمي إلى quot;جماعة متطرفةquot;.

وقال ابراهيم quot;ان اختصاصنا هو المتفجرات، أو العبوات الناسفةquot;. وليلة حديث ابراهيم لمجلة تايم، كان العديد من عناصر جبهة النصرة في حقل بعيد يختبرون قذيفة صنعوها بمساعدة مقاتلين سوريين تمرسوا في حرب العراق.

وكانت القذيفة شحنة مبطنة بالنحاس قادرة على اختراق الدروع. وعندما تشتعل الشحنة ترتفع حرارة النحاس بما يكفي لاختراق درع دبابة. وقال ابراهيم quot;انها فكرة بسيطة جدا ولكنها تعمل بنجاحquot; مضيفا إن القذيفة من صنع فرع الهندسة في جبهة النصرة. وقال ان هناك quot;فرعا للقتل ، وانا في فرع القتل والكيمياءquot; موضحا أن الفرع الكيمياوي مسؤول عن الحصول على أسمدة ومكونات أخرى لصنع العبوات الناسفة.

وقال ابراهيم إن وحدته تضم 60 رجلا، ومقرها مبنى إعتيادي يرفع أعلاما بيضاء نُقشت عليها عبارة quot;لا أله إلا الله محمد رسول اللهquot; على النقيض من الاعلام السوداء والعبارة نفسها مكتوبة بالأبيض. وقال الخطاط المحلي المتعاطف مع الجماعة إنه قرر تغيير الألوان quot;لكي لا يظن الناس أن لدينا القاعدة هناquot;.

وقال سوريون من سكان المنطقة إن أعضاء جبهة النصرة يعملون بصمت ولا يختلطون بالآخرين، ونادرا ما يغادرون مقرهم إلا للتوجه إلى أرض المعركة. وأكد ابراهيم quot;ان الشباب يفضلون البقاء في الظل، غير مرئيينquot;. وأتاح هذا الوجود غير المعلن لبعض أعضاء الجبهة أن يمروا عبر حواجز التفتيش بسهولة وخاصة في دمشق وحولها وفي مدينة حلب التي تشهد مواجهات عنيفة بما في ذلك قصف جوي.

وتسري قواعد العمل السري على العضوية أيضا، إذ يقول ابراهيم quot;نحن لا نقبل أشخاصا لا نعرفهم ولسنا بحاجة إلى أجانبquot; رغم اعترافه بأن في مجموعته جهاديين أجانب من الكويت وليبيا وكازخستان.
أكد ابراهيم انه يقاتل لأنه يريد quot;العيش بحريةquot; وفكرته عن الحرية هي دولة اسلامية متحررة من ظلم الأقلية العلوية التي ينتمي اليها الأسد، من وجهة نظره التي عبر عنها بالقول quot;ان العلويين يستطيعون أن يفعلوا ما يشاؤون ونحن لا كلمة لنا. ولهذا السبب نقاتل لأنهم يضطهدوننا، فنحن لا شيء بالنسبة لهم، هم الرأس ونحن لا شيءquot;.

وفي بلدة أخرى شمالي ادلب، قال جهادي آخر ينتمي إلى جماعة مختلفة انه يشارك ابراهيم هدفه في إقامة دولة اسلامية. وهذا الجهادي هو ابو زيد (25 عاما) خريج كلية الشريعة الذي يقود احدى كتائب quot;احرار الشامquot; السلفية.

وقال ابو زيد انه ليس هناك سبب لقلق الأقليات من الدولة الاسلامية القادمة رغم الطابع الطائفي المتزايد لبعض أعمال العنف التي تمزق سوريا. وأوضح ابو زيد فكرته لمجلة تايم بالقول quot;لنعتبر ان سوريا تصبح دولة غير اسلامية ، دولة مدنية. ما هو دور العلويين فيها؟ ما هو موقع المسيحي أو المسلم فيها؟ انهم جميعا تحت حكم القانون، والشيء نفسه سيحدث في دولة اسلامية. فنحن نستبدل قانونا بآخرquot;.

وتابع ابو زيد أن جماعة أحرار الشام بدأت تشكيل كتائب quot;بعد الثورة المصريةquot; وقبل 15 آذار (مارس) 2011 عندما اندلعت الانتفاضة السورية باحتجاجات في مدينة درعا الجنوبية. وأعلنت الجماعة وجودها منذ قرابة ستة اشهر، بحسب أبو زيد الذي نفى وجود أجانب رغم ان مراسل مجلة تايم شاهد رجلا في مجمَّع الجماعة بقسمات تشير إلى أنه من آسيا الوسطى. وقال ابو زيد دون مبرر مقنع ان والدة الرجل قد تكون من آسيا الوسطى مؤكدا quot;نحن لا ينقصنا الرجال بحيث نحتاج إلى أجانبquot;.

واياً يكن ما يقوله أبو زيد فإن أجانب يتدفقون على سوريا، بحسب مجلة تايم ناقلة عن مهرب سوري في بلدة حدودية قرب تركيا إنه نقل عبر الحدود 17 تونسيا الليلة السابقة على حديثه لمراسل المجلة. وأضاف أنه لم ير العديد من الأجانب قبل التونسيين الذين كانوا صفقة متميزة في نشاطه، وقال المهرب quot;قبل ذلك، كان يأتي اشخاص جدد كل يوم، من المغرب وليبيا واماكن اخرىquot;. وأشار مراسل مجلة تايم إلى أنه خلال ساعات انتظاره لعبور الحدود عائدا إلى تركيا شاهد quot;12 عربيا على الأقل كان من الواضح انهم ليسوا سوريين وقال المهرب انهم اجانبquot;.

ولا يُعرف حجم جبهة النصرة واحرار الشام بسبب طبيعتهما السرية ولكن من الواضح ان نشاطاتهما تزداد علنية. وتشارك كلا الجماعتين في عمليات مع وحدات الجيش السوري الحر رغم أن قادة الجيش السوري الحر الميدانيين ينظرون بعين الريبة إلى الجماعتين ويحسدونهما على التمويل الكبير الذي تلقياه من الخليج، بحسب مجلة تايم مشيرة إلى شعار خُط على جدار في احدى بلدات محافظة ادلب يقول quot;أين كان الاسلاميون عندما بدأت الثورة؟quot; وخُط الرد تحته بعبارة quot;في السجنquot;.

وقال ابو محمد، القائد المحلي للجيش السوري الحر الذي تضم وحدته 25 مقاتلا انه تعامل مع جبهة النصرة لأنه يحتاج quot;إلى متفجراتهم وطلقاتهم وغير ذلك... وهم لديهم خبرة يمكن ان أستفيد منها، ويمكن أن أقدم لهم أيضا مساعدة، معلومات تفيدهمquot;.

وتابع ابو محمد أنه يفضل جبهة النصرة على جماعة أحرار الشام quot;الأكثر استعراضيةquot; موضحا أنه إذا طلب نصيحة من جماعة أحرار الشام يعطونه كاميرا لتصوير عملية تفجير ثم يدعون انهم منفذوها. ولكنه ليس شديد التحمس لجبهة النصرة ايضا مؤكدا quot;انا من اولئك الأشخاص الذين يخافون التطرف وقلتُ لجبهة النصرة quot;ان من الجائز ان نشهر ذات يوم السلاح بوجه بعضنا البعض بسبب انشطتكمquot; وإذا كانوا يعتزمون ان يفعلوا بنا ما فعلوه في العراق فإن هذا خطأquot;.

وكان تنظيم القاعدة في العراق، فرض تأويلا متزمتا للشريعة الاسلامية على بلدات عراقية ادعى التنظيم انها طلبت حمايته في محافظة الأنبار ومناطق سنية أخرى من العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003. واستعدى تنظيم القاعدة أهالي هذه المناطق عليه وطردوا عناصره بتشيكل quot;مجالس الصحوةquot;.

وكانت جبهة النصرة رفعت قبل أسابيع علمها في إحدى بلدات محافظة إدلب خلال تظاهرة خرجت بعد صلاة الجمعة. واشتبكت مجموعة من الأهالي بالأيدي مع عناصر الجبهة قبل أن يُنزل العلم.

واصطدمت جماعة أحرار الشام أيضا ببعض الأهالي. وقال الناشط المعارض محمد (20 عاما) إن جماعة أحرار الشام خطفت رجلا يبيع الخمور ودمرت بضاعته quot;وقلنا لهم quot;افرجوا عنه وإلا سنحتج ضدكم وننسى مقاتلة النظام لمقاتلتكمquot;quot;. وأُفرج عن الرجل وتوصل الطرفان إلى حل وسط يجيز للرجل بيع الكحول ولكن ليس للمقاتلين.
وقال محمد quot;وافقنا على ذلك لا لأسباب دينية بل لأنه حل منطقي استراتيجياquot;. وأضاف محمد أن عناصر الجماعة يحتاجون إلى حماية اجتماعية quot;وقلنا لهم quot;إذا جاء الجيش إلى البلدة من سيفتح لكم ابواب بيوتهم؟ البعض قد يبلغ الجيش عنكمquot;. فأخافهم ذلكquot;.
وأعرب معارضون آخرون عن مقتهم لوجود أجانب بينهم. وقال أحمد ابن العشرينات أيضا أنه صادف ليبيين يتدربون على أطراف بلدته. وكان يحمل معه كاميرا لكنه لم يصورهم. ورغم ذلك ثارت ثائرة الليبيين وهددوا بتحطيم كامرته، وقال أحمد لمجلة تايم انه اخبرهم quot;هذا بلدي ، وتستطيعون ان تتركوا اسلحتكم وتعودا إلى بلدكمquot;. وأكد احمد quot;انهم لا يساعدوننا ونحن لا نحتاج اليهمquot;.

ولكن هناك من يرحب بمعونة الجهاديين والاسلاميين والاجانب إزاء استمرار النزاع منذ 17 شهرا. وقالت امرأة في الستينات قدمت نفسها باسم عيوش quot;لا يهمني حتى إذا تدخل الشيطان. فأنا لا أريد ان يقول لي أحد ان أُغطي وجهي، ولكننا نريد نهاية لهذا الوضع. كفىquot;. ويقول آخرون ان هناك سببا لظهور الاسلاميين في منتصف النزاع وليس في بدايته، فان تخلف المجتمع الدولي عن التحرك بشكل حاسم أوجد ظروفا استغلها الاسلاميون.

ويؤكد ابو زيد القائد العسكري في جماعة احرار الشام، أن تجربة العراق مع المسلحين الاسلاميين لن تتكرر في سوريا ولكنه حذر تنظيمات معارضة أخرى منخرطة في الثورة من محاولة تهميش جماعته. وقال quot;نحن جزء من هذا المجمتع، جزء من الثورة، جزء من الكفاح المسلح ولا يمكن رفض قطاع من المجتمعquot;.

وقال ابراهيم عضو جبهة النصرة إنه ليس هناك سبب لخوف السكان من سوريين متدينين محافظين مسلحين لأن 17 شهرا من النزاع أحالت سوريا مجتمعا ممزقا. واعترف بأن quot;الناس يخافون من الجبهة علما بأننا لم نؤذ احدا. فنحن منظمون ولدينا هيكل قيادة متسلسل في حين أن الجيش السوري الحر ليس لديه ذلك ولعل هذا هو السبب في وجود جبهة النصرةquot;.