تصدرت مسألة انقطاع المياه الصالحة للشرب في غالبية المناطق التونسية أولوية الملفات المطروحة خلال هذه الفترة، حيث تعيش معظم المحافظات والمدن إضطرابًا في توزيع مياه الشرب، خاصة الجهات الداخلية والقرى والارياف، التي احتج اهاليهاورفعوا شعارات لوم، تندد بالحكومة، معتبرين المسألة مسيسة، وضربًا من ضروب التهميش.


غلق الطريق الفاصلة بين منطقة دشرة نبر والكاف من قبل الأهالي احتجاجًا على انقطاع المياه الصالحة للشرب

زمردة دلهومي محمدي من تونس: دفع هذا الوضع المضطرب بوزير الزراعة محمد بن سالم الى اقالة 3 مدراء مركزيين في الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، محمّلاً الشركة مسؤولية الاضطرابات في تزويد الماء التي شهدها العديد من مناطق البلاد خلال الأيام الماضية.

واكد الوزير أن الصوناد أخلت بواجباتها، وفاقت تجاوزات مركزياتها الثلاث كل الحدود، وذكر في هذا السياق أن قاضي التّحقيق في المكتب السابع عشر في المحكمة الابتدائية في تونس انطلق أخيرًا في التحقيق في الاضطرابات الحاصلة في توزيع المياه نتيجة انقطاع التيّار الكهربائي في عدد من مناطق الجمهورية، وذلك بطلب من الإدعاء العام في محكمة الاستئناف في تونس.

من جهتها، عزت اللجنة الفنية المكلفة بإجراء تحقيق حول ظروف وأسباب الاضطرابات الحاصلة في تزويد العديد من المناطق بالماء الصالح للشرب، الأسباب، إلى وجود عدد من الاختلالات. وتتمثل أبرزها في غياب خطة تدخل ناجعة لدى الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه في الأزمات، مثل انقطاع التيار الكهربائي، بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة، والزيادة غير العادية في استهلاك الماء الصالح للشرب، وكذلك نقص التنسيق بينها وبين الشركة التونسية للكهرباء والغاز لتفادي قطع التيار الكهربائي عن المنشآت الحيوية، وتتمثل الاختلالات الأخرى في غياب برنامج مجابهة الحاجيات الإضافية من مياه الشرب المتوقعة خلال صيف 2012، وخاصة بعد التطورات غير العادية التي شهدتها البلاد إثر الثورة. إلى ذلك تم التنبيه الى وجود تأخير في إتمام دراسة وإنجاز جملة من المشاريع البنيوية لتدعيم منظومة جلب وتوزيع المياه في مناطق الوطن القبلي والساحل وصفاقس quot;جنوب تونسquot;.

التفاوت الجهوي
كشف الخبير الدولي الدكتور حسان الموري، الذي أجرى دراسات ميدانية حول المياه، غطت جهات عدة، في تصريح خص به ايلاف أن انقطاع الماء في تونس والتزود به مسيّس، بينما تخضع القرى والجهات الداخلية والفقيرة لمنطق التفاوت الجهوي.

وبيّن أن الحكومة تنظر إلى عدد من الجهات والقرى على أنها وجهات غير منتجة أو اقل انتاجًا، فكرست سياسة اللامساواة في التزود بالماء الصالح للشرب على مستوى الكمية والنوعية، حيث تتجاوز الملوحة اكثر من 2.5 ع/ل في بعض القرى، اضافة الى تركيبتها الكيميائية المضرة، حيث ترتفع فيها نسب الحديد والنيترات، مما يجعل الماءغير صالح للشرب، كما يسجل التفاوت الجهوي في تسعير المياه والربط الخاص والمباشر لسكان الارياف في الشبكة المالية، فالتسعيرة في القرى والارياف تتجاوز بكثير اسعار المدن، فيبلغ سعر المتر المكعب بين 350 ميليم و1 دينار.

أزمة موارد مائية
اوضح الخبير أن تونس مجبرة في 2020 على تقسيط الماء، فتونس بلد يعرف أزمة موارد مائية ومشاكل في التصرف الرشيد وسوء في التحكم في الموارد، تعود الأسباب الرئيسة لانقطاع الماء عن عدد من الجهات الى الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه في جهة أنها لا تقوم بصيانة محركات الضخ ولا بصيانة شبكة التوزيع والتزود، هذا مع انعدام منظومة احتياط عبر محركات ومولدات الاحتياط وضعف في استشراف المستقبل.

وارجع اسباب انقطاع الماء الى الجمعيات المائية في الارياف المكلفة تأمين الماء الصالح للشرب، فهي تعيش حالة افلاس، ويعود ذلك الى تسييس هذه الجمعيات بشكل مطلق، حيث عمد النظام السابق الى تعيين رؤساء الجمعيات والفاعلين في الجمعية من بين الموالين للنظام السابق، ومن هناك انطلقت ازمة ثقة بين السكان والجمعية، مما ادخل هذه المجمعات في أزمة هيكلية ومالية استجوبت تدخل الدولة، واصبحت تعوّل على وزارة الزراعة والمندوبيات الراجعة لها، لكن بقيت هذه الطريقة غير ناجعة نظرًا إلى الكلفة الكبيرة للماء، وخاصة في اوقات الذروة.

مقاومة العطش
واكد الخبير أن تدخل الدولة في الارياف فني وضعيف، نتيجة للدخول في خصخصة التصرف عبر الجمعيات من جهة وارتفاع تكاليف تحلية المياه وتكاليف الربط المباشر بالصوناد، فتونس اليوم تعيش ازمة عطش، خاصة في الجهات الداخلية، مما فتح المجال امام الوسطاء والسماسرة من خلال بيع الماء عبر صهاريج مجرورة بكلفة عالية فيبلغ 5 مsup3; اكثر من 30 دينار في القصرين وسيدي بوزيد وقفصة والمهدية القيروان وتطاوين المهدية.

فتونس بلد يفتقر للماء، فالمعدل العام 1000 مsup3; للساكن الواحد، بينما معدل الماء في تونس بين 350 و400 مsup3; للساكن، هذا ما حتم بلورة سياسة مائية منذ الستينات من خلال بناء السدود للتحكم في مياه السيلان في بلد لا يزخر بمخزون كبير من الماء، من ذلك سوء التصرف والافراط في الاستغلال في قطاعات الزراعة 86 % والصناعة، فاللتر الواحد من كوكا كولا يكلف البلاد 150 لتر ماء، بينما تكلفتها 1ل جعة بين 10 و15 لتر ماء.

ودعا حسان الموري الى التدخل بسرعة من خلال بناء خزنات تقليدية في القرى والمدن واطلاق حملة وطنية لاعادة تهيئة شبكات تزويد الماء الصالح للشرب، وتأهيل المجامع المائية لتأمين الماء الصالح للشرب، حسب ما جاءت به الاستراتيجية الوطنية لتزويد المناطق الريفية بالماء وايجاد ممولين لدعم شبكة السدود والآبار لاستعمال المياه المستعملة المعالجة في الزراعة.