أعلن في الفاتيكان أن خادم البابا الشخصي باولو غابرييل سيواجه المحاكمة عن سرقته مخصصات للبابا، بينها وثائق سريّة، يقول إنها laquo;تثبت تفشي الفساد في الكنيسةraquo;. وهذه هي الحلقة الأخيرة في سلسلة من الأحداث التي ظلت تعصف بالفاتيكان في الآونة الأخيرة.


باولو غابرييل مع بابا الفاتيكان في إحدى جولاته

صلاح أحمد: بعد فترة من غياب اليقين حول مصيره، قرر قاض إيطالي وجوب مثول باولو غابرييل (46 عامًا)، وهو الخادم الشخصي لبابا بنديكتوس السادس عشر، أمام المحكمة للنظر في اتهامات تفيد أنه laquo;سرق وسرّب وثائق رسمية من خزائن الفاتيكانraquo;.

جاء القرار في ما يبدو بعدما عزف البابا عن التدخل لمصلحته بالعفو العلني عنه. وكما قال محاميه في الشهر الماضي فإن مثوله أمام المحكمة سيستدعي أن يدفع غابرييل بالقول إنه فعل ذلك laquo;بدافع الحب للبابا وسعيًا إلى مساعدته في تنظيف الكنيسة الكاثوليكية من الأوساخ التي علقت بها في الآونة الأخيرةraquo;.

يذكر أن هذا الرجل، وهو أب لثلاثة أبناء، أمضى ست سنوات في وظيفته خادمًا شخصيًا للبابا. وهو أحد ثمانية أشخاص يشكلّون الدائرة الداخلية اللصيقة ببنديكتوس، وتتألف من أربعة أشخاص من غير رجال الدين، وأربع راهبات. ولهذا قال مصدر فاتيكاني لدى اعتقاله إن البابا laquo;يشعر بأقصى درجات الحزن والأسى لاعتقال الرجل الذي ظل يلازمه كالظل طوال تلك السنواتraquo;.

وكان غابرييل قد قضى 60 يومًا في الحبس في زنزانة خاصة تحت حراسة مشددة في سجن الفاتيكان الخالي معظم الأحيان، وأطلق سراحه منها في أواخر الشهر الماضي، ولكن فقط إلى الإقامة المنزلية الجبرية. تأتى كل هذا الوضع بعدما سرق خطابات وأوراقًا من شقق تابعة للبابا، تلقي الضوء على laquo;الفساد المالي داخل الفاتيكان، وخاصة مصرفهraquo;.

هكذا فستوجّه إلى غابرييل رسميًا تهمة laquo;السرقة الخطرةraquo;، التي تحمل عقوبة تصل إلى 6 سنوات سجناً إذا أُدين بها. لكنّ آخرين يقولون إن العقوبة قد تصل إلى 30 عامًا، لأن حيازة مستندات الفاتيكان السرية تعادل انتهاك أمن الدولة.

ووفقًا لصحيفة laquo;ديلي تليغرافraquo; البريطانية فقد اتضح أيضًا أن كلوديو شياربليتي، وهو خبير في تكنولوجيا المعلومات في الفاتيكان، ولم يرد اسمه في هذا الإطار من قبل، تلقى رسميًا الاتهام بالمساعدة على تسريب الوثائق المسروقة. لكن هذا الاتهام ليس في خطورة ذلك الذي يواجهه غابرييل وإن كان خطرًا بحد ذاته.

وعُلم أيضًا أن بين المسروق صكًا نقديًا بقيمة 100 ألف يورو يعود إلى البابا، واستردته السلطات من شقة غابرييل. هذا إضافة إلى قطعة من الذهب، وترجمة أنجزها أنيبالي كارو، يعود تاريخها إلى العام 1581، لقصيدة الشاعر الروماني القديم فيرجيل laquo;الإنيادraquo;، وكلاهما قُدّم هدية للبابا في وقت ما.

خلال جلسات استجوابه، أصرّ غابرييل على أنه كان ينوي إعادة المسروق إلى صاحبه. وقال إنه كتب رسالة إلى البابا، يعرب فيها عن عميق أسفه إزاء ما أُجبر على القيام به. وأضاف إنه لم ينتفع من تصرفه بأي أموال أو غيرها، وأن منطلقه كان الحرص على مساعدة البابا على laquo;تنظيف الدارraquo;.

وقال: laquo;رأيت الشر والفساد في كل مكان في الكنيسة، لذا فقد سعيت إلى وقف انتشارهما. وصلت إلى نقطة اللاعودة، ولذا قررت أن يخرج كل هذا الأمر إلى العلن. وهذا هو السبب الذي حدا بي لتسريب الوثائق إلى وسائل الإعلام. كانت هذه هي قناعتي، ولم يكن أمامي من سبيل غير الطريق الذي سرت عليهraquo;.

قضية غابرييل الأخيرة ضمن سلسلة أحداث هزّت الفاتيكان

وكان محاميه كارلو فوسكو، قد قال إن موكله laquo;تصرف منفردًا، ولم يكن بالتالي جزءًا من مؤامرة جماعية على الفاتيكان، وتنازعًا على السلطة داخلهraquo; (لتحديد خليفة لبنديكتوس السادس كما أشاع عدد من المراقبين). وقال هؤلاء الأخيرون إن كل هذا يتم في إطار رد الفعل إزاء اتهامات بالفساد في أروقة الفاتيكان الإدارية، وخصوصًا داخل مصرفه المعروف رسميًا باسم laquo;معهد أعمال الدينraquo;.

وأوضح فوسكو أن موكله تصرف laquo;بدافع ذاتي ينطلق بدوره من احترامه العميق وحبّه للباباraquo;، وlaquo; أنه كان يسعى إلى مساعدة مخدّمه في مهمته التي ألقى بها على عاتقهraquo; (تنظيف أروقة الكنيسة من طيف عريض من التجاوزات الأخلاقية التي ظلت تعصف بها).

وكانت جندرمة الفاتيكان (الشرطة) قد ألقت القبض على غابرييل (46 عامًا) في 23 مايو/أيار الماضي في أعقاب تحقيق حول تسريب أطلق عليه اسم laquo;فاتيليكسraquo;، (وهي تلاعب لفظي على اسم الموقع الإلكتروني الشهير laquo;ويكيليكسraquo;)، لأنه يتعلق بوثائق كنسية تصنّف laquo;سرّيةraquo;. وجاء اعتقال غابرييل بعد تحقيقات مفصلة، قامت بها لجنة خاصة شكلها في إبريل/نيسان البابا نفسه من ثلاثة كرادلة على أعلى المستويات لتحديد مصدر التسريبات التي عادت على الفاتيكان بحرج عميق.

ورغم أن البابا لم يتدخل للعفو عن غابرييل حتى الآن، فقد ألمح الناطق باسمه، فريديريكو لومباردي، في مؤتمر صحافي في الفاتيكان يوم الاثنين إلى أنه لا يستبعد هذا الأمر. وتبعًا للمراقبين فربما كانت هذه خطوة باتجاه العفو عنه في وقت قريب، وفي هذه الحالة فستسقط الحاجة إلى مثوله أمام المحكمة.