جاء القرار الذي اتخذته الإكوادور أخيراً، وأعلنت بموجبه عن موافقتها على منح اللجوء السياسي لمؤسس موقع ويكيليكس، جوليان أسانج، اللاجئ منذ شهرين إلى سفارتها في لندن، ليثير زوبعة من الأقاويل في مختلف الأوساط الدبلوماسية والسياسية.


وزير خارجية الإكوادور ريكاردو باتينيو

أشرف أبوجلالة من القاهرة: أشارت مجلة التايم الأميركية إلى أن تلك الخطوة جاءت لتعيد إلى الأذهان ذلك المصطلح الذي يطلق عليه اسمquot; دبلوماسية السفينة المدفعيةquot;، وهو المرتبط بما أطلق عليه quot;أزمة فنزويلا عام 1902quot;، حين قامت سفن حربية بريطانية وأوروبية بمحاصرة وقصف الموانئ الفنزويلية لإجبارها على دفع الديون الأجنبية.

وأكدت التايم كذلك أن تلك الواقعة كانت مثالاً كلاسيكياً على ذلك النوع من الدبلوماسية، وعلى مثل هذه الأمور، التي يميل سكان أميركا اللاتينية إلى تذكرها، بالنظر إلى التدخل الأجنبي القبيح، الذي غالباً ما كانوا يتعرّضون له على مدار عقود من الزمان.

من الجدير ذكره أن أسانج يتواجد في سفارة الإكوادور في العاصمة البريطانية لندن طوال جزء كبير من فصل الصيف الجاري، وذلك لكي لا يتم ترحيله، ليس فقط إلى السويد، بل ربما كذلك إلى الولايات المتحدة، حيث قد يخضع للمحاكمة بتهمة التجسس.

ولفتت المجلة في هذا الصدد إلى أن الرئيس الإكوادوري، رافائيل كوريا، قد سبق أن أبدى إعجابه بأسانج لكشفه عن آلاف البرقيات الدبلوماسية الأميركية السرية، والتي ارتكز كوريا على إحداها كذريعة لإخراج السفير الأميركي من البلاد في العام الماضي.

وفور إصدار كوريا قراراً بمنح أسانج حق اللجوء السياسي، أقدمت السلطات البريطانية المحبطة على تذكير الإكوادور، بصورة كتابية، بأن القانون البريطاني يمكنه أن يرفع الحصانة الدبلوماسية عن أي من السفارات إذا ثبتت استضافتها لأحد الهاربين.

لكن ذلك فتح الباب أمام الإكوادور لكي تتهم الجانب البريطاني بأنه يهدد بنسف السفارة، متذكرين في ذلك تداعيات الأزمة الفنزويلية عام 1902، إذا لم تقم بتسليم أسانج.

كما جاء ذلك ليمنح كوريا، الذي يواجه اتهامات بتقديمه ملاذاً لأسانج لصرف الانتباه عن حملته القمعية على حرية التعبير في بلاده، ما يكفي من اليد الطولى دبلوماسياً للمضي قدماً ومنح مؤسس ويكيليكس حق اللجوء السياسي أول أمس الخميس.

جوليان أسانج

وترك كوريا تدوينة على موقع تويتر قال فيها quot;لن يخيفنا أحدquot;. ورأت التايم أنه نجح في إثارة شبح quot;دبلوماسية السفينة المدفعيةquot; وفي تحويل الموضوع من قضية ترحيل إلى مواجهة بطولية بين ضحية ظلم تتسم بجرأتها وبين سلطة إمبريالية.

ومضت المجلة تقول إن تلك الواقعة جاءت لتشير كذلك إلى الطريقة التي مازالت تتواجد من خلالها الحكومات شاردة الذهن في العالم المتقدم حين تتعامل مع المناطق النامية، مثل أميركا اللاتينية. وهو ما يكون صحيحاً على وجه الخصوص في دول، مثل الإكوادور وفنزويلا، حيث يميل القادة إلى استغلال الشعور الوطني بالإيذاء.

أعقبت التايم بلفتها إلى أن إدارة أوباما لا تبلي بلاءً حسناً على الدوام حين يتعلق الأمر بقضايا في أميركا الجنوبية. وربما كان آخر القرارات الدالة على ذلك نقلها عمليات مكافحة المخدرات الأميركية في أميركا الجنوبية من الإكوادور إلى قواعد في كولومبيا، من دون أن تستشير باقي حكومات الدول الموجودة في القارة بخصوص احتمالية أن تنطوي المهمة في كولومبيا كذلك على مكافحة التمرد، حتى خارج حدود كولومبيا.

وختمت المجلة الأميركية بقولها إنه من غير الوارد أن يقهر كوريا لندن في نهاية المطاف، خاصة وأن أسانج مازال يواجه احتمالية إلقاء القبض عليه إذا غادر السفارة. لكنه قد نجح في الوقت الراهن، على الأقل، في إعطاء البريطانيين درساً في التاريخ.