أطلق شباب حركة النهضة الاسلامية، التي يقود أمينها العام حمادي الجبالي الحكومة التونسية، حملة عبر شبكات التواصل الاجتماعي أطلق عليها اسم quot;إكبسquot; (أي quot;اضغطquot;) تطالب بتسريع محاسبة رموز النظام السابق وتفعيل قانون العزل السياسي لمنخرطي حزب التجمع الحاكم سابقاً.


تونس: تواجه الحكومة التونسية سيلا من الانتقادات من قبل معارضيها وحتى أنصارها تتعلق أساسا بكفاءة أعضائها في تسيير دواليب الدولة وسياساتهم الحكوميّة المتبعة.

وأطلق شباب حركة النهضة الاسلامية حملة عبر شبكات التواصل الاجتماعي أطلق عليها اسم quot;إكبسquot; تطالب بتسريع نسق محاسبة رموز النظام السابق وتفعيل قانون العزل السياسي لمنخرطي حزب التجمع الحاكم سابقاً.

وقال شباب quot;النهضةquot; في بيان اطلعت (إيلاف) على نسخة منه تم توجيه إلى الرؤساء الثلاث (رئيس الجمهورية ndash; رئيس الوزراء ndash; رئيس المجلس التأسيسي) أنه quot;لا يمكننا التغاضي عن تقصير الحكومة في اتخاذ قرارات تتماشى مع روح الثورة وأولويات المرحلة الراهنةquot;، معبّرين عن استيائهم من quot;عدم وضوح المسار الحكومي خاصة فيما يتعلق بملفات الإصلاح والمحاسبةquot; مما تسبب في أزمة ثقة quot;خانقةquot; بين الحكومة والشعب.

وتزامن اطلاق هذه الحملة مع دعوة جمعية quot;رجال الثورة بالكرمquot; إلى مسيرة سلمية تتجه نحو القصر الرئاسي بقرطاج للمطالبة بتصحيح المسار الثوريّ يوم الخميس الماضي شارك فيها بعض مئات من المتظاهرين.

في ذات السياق، يرى النائب المستقل بالمجلس الوطني التأسيسي محمد نجيب حسني في تصريحات لـ(إيلاف) أن الحكومة تعاني من quot;حالة تسيّب واضحة تتطلب اجراءات ملموسة لتجاوزهاquot;.

ويواصل حسني: quot;الحكومة الحالية تتسم باعتدال مبالغ فيه فيما يتعلق بتطبيق القانون مع المتجاوزين، في حين أن كل حكومة تحترم نفسها يجب أن تعمل على احترام القانون دون الاعتداء على حريات المواطنينquot;.

معلقة إشهارية لحملة quot;إكبسquot; التي أطلقها شباب حركة النهضة في تونس

ويبدو أن وزراء بالحكومة يتقاسمون ذات التقييم، إذ كتب وزير التشغيل عبد الوهاب معطر (من حزب quot;المؤتمر من أجل الجمهوريةquot;) على صفحته الخاصة على موقع فايسبوك: quot;يتملكني شعور بأن بلادي في حاجة اليوم إلى موجة ثورية لتجديد المد الشعبي الكفيل بتثبيت المسار الثوري في جميع مفرداته و إلحاق الهزيمة بقوى الردة التي أينعت رؤوسها و هذا لن يحصل إلا بتخلي الحكومة الشرعية عن سياسة اليد المرتعشة و الخطوات السلحفاتية و التسلح بالجرأة و المراهنة على الشعب المتمسك باستحقاقات ثورتهquot;.

مطالب لتحقيق أهداف ثورة 14 يناير

تهدف حملة quot;إكبسquot; حسب منظميها إلى quot;الضغط على الحكومة ودفعها نحو مزيد الالتزام بالمسار الثوري وعدم التساهل والتراخي كما هو الحال مع أعداء الثورة وقوى الردة، (...) والتعجيل باتخاذ القرارات الثورية الحاسمة التي من شأنها القطع مع قوى الفساد بالبلادquot;.

ويعتبر شباب quot;النهضةquot; أن سياسة التدرج في الاصلاح التي اتبعتها الحكومة منذ تشكيلها quot;أثبتت أنها لا تنفع مع جيوب الردة وبقايا النظامquot;.

ويقول مصعب بن عمار المتحدث باسم الحملة في مقابلة مع (إيلاف): quot;لقد ارتأينا أن يتحول النقد الذي كان داخليا إلى حملة منظمة وعلنية تهدف لانخراط أكبر عدد ممكن من شباب النهضة وشباب الثورة وأحرار تونس من أجل المطالبة بالتعجيل بتحقيق مطالب الثورةquot;.

وحسب بن عمّار، وهو أحد شباب حركة النهضة، توجد quot;نواحي تقصير وضعف في الآداءquot; لدى الحكومة، إلا أنه يرى أن جزءً هاما من التقييمات الصادرة عن المعارضة quot;مبنية على حسابات سياسية تستهدف الانتقاص من الجهد المبذول من قبل الحكومةquot; على حد قوله.

ويعتبر بن عمّار أن quot;وضع ما بعد الثورة أنتج طبقة سياسية لا يوجد فيها أي حزب لديه خبرة في الحكم، ولا يوجد فيها أي حزب يمتلك العدد الكافي من الكفاءات، أضف إلى ذلك الوضع الكارثي التي تسلمت فيه الحكومة السلطة بعد أن وضعت لها حكومة قايد السبسي السابقة أفخاخا أدت إلى تكبيل أيدي الحكومة الجديدة منذ اليوم الأولquot;.

ويضيف: quot;لا نعتقد أن أي حزب آخر سيكون أقدر وأكثر وفاء وسعيا لتحقيق مطالب الثورة من أحزاب الترويكا، غير أننا نرى أن الحكومة قادرة على أداء أفضل وهي مطالبة بإجراء تقييم داخلي لأداء الوزراء ومستشاريهم والقيام بالتحويرات اللازمة التي من شأنها إعطاء دفع جديد لعملهاquot;.

ويمكن تقسيم مطالب حملة quot;إكبسquot; التسعة إلى ثلاثة محاور أساسية حسب ما جاء بالبيان التأسيسي الذي اطلعت (إيلاف) على نسخة منه.

يتعلق المحور الأول بمنع المنخرطين بحزب التجمع الدستوري المنحلّ (الحزب الحاكم سابقا) من ممارسة النشاط السياسي لمدة لا تقلّ عن 10 سنوات وحل جميع الأحزاب التي كوّنها رموزه لاحقا، إلى جانب اتخاذ قرارات quot;ثورية وفوريةquot; لمحاسبة المتورطين في قضايا الفساد في قطاعات هامة كالقضاء والأمن والإعلام، والإسراع بإقرار قانون العدالة الانتقالية والكشف على ملفات البوليس السياسي، وتكوين لجنة مشتركة بين المدنيين والعسكريين مهمتها النظر في جرائم النظام السابق وإعادة النظر بجديّة في قضايا شهداء وجرحى الثورة.

أما الجزء الثاني فيتعلق بالتنمية الجهوية، إذا يطالب منظمو quot;إكبسquot; بالتعجيل في تنفيذ المشاريع بالمناطق المحرومة ومحاسبة المسؤولين على ذلك واتخاذ اجراءات قانونية لحماية المشاريع التنموية من التعطيلات الإدارية وquot;المحاولات المفتعلة لتعطيل عجلة التنمية.

أما المحور الثالث من المطالب، فيتعلق بضبط خارطة طريق واضحة للمحطات السياسية المقبلة للبلاد بما في ذلك ضبط موعد واضح للانتهاء من صياغة الدستور التونسي الجديد وإجراء الانتخابات القادمة.

في تعليقه على مطالب الحملة، قال النائب محمد نجيب حسني: quot;لا تهمني الجهة التي تقف وراء هذه المبادرة، لكنني أذكر حكومة quot;الترويكاquot; بما فعلته الحكومة الجورجية بعد الثورة هناك إذ تم ابعاد 30 ألف موظف و40 ألف شرطي عملوا مع النظام السابق في أسبوع واحد، فلا يمكن الحديث عن اجراء أيّ تغييرات بأدوات قديمةquot;.

أما عادل بن عبد الله، وهو كاتب وباحث جامعيّ، فيرى أن المطالب الأساسية للحملة والمتعلقة بقانون العزل السياسي لرموز حزب التجمع المنحلّ هي quot;استعادة لنفس خطاب حركة النهضة وحليفها المؤتمرquot;.

ويعتبر بن عبد الله أن هذا الخطاب يقوم على المغالطة لأنه يسكت عن الأهم وهو منع الاستعانة بالتجمعيين في المناصب السيادية بالدولة على كل الأصعدة المحلية والجهوية والوطنية الأمر الذي لم تقم به حركة النهضة quot;ولا يظهر أنها تفكر فيه أصلاquot;، على حد قوله.

وواصل بن عبد الله تعليقه على مطالب الحملة قائلا في تصريحات خاصة لـ(إيلاف): quot;إنّ الحديث عن العزل السياسي للتجمعيين دون قانون تكميلي يمنع توظيفهم في المناصب السياسية هو أمر لا معنى له أما بقية مطالب الحملة فهي مطالب الثورة التي عجزت الترويكا عن الوفاء بهاquot;.

حملة عفوية أم بتزكية من قيادات quot;النهضةquot;؟

لم تلق حملة quot;إكبسquot; الترحيب لدى كافة النشطاء التونسيين، إذ أطلق بعض المعارضين للحكومة حملة مضادة تحت عنوان quot;أرخف البنديرquot; (أي quot;كفّ عن التطبيلquot;) في حين اعتبر آخرون أن حملة quot;إكبسquot; تأتي لـquot;تلميع صورة حركة النهضة أمام أنصارهاquot; وفي سياق معركة سياسية مع حزب quot;نداء تونسquot; الذي أسسه رئيس الوزراء التونسي الأسبق الباجي قائد السبسي، والذي يرى مراقبون أنه قد يكون المنافس الجديّ لحركة النهضة في الانتخابات القادمة.
ويعتقد عادل بن عبد الله أن هذه الحملة quot;منحصرة في العالم الافتراضيquot; كما أنها ليست صادرة عن جهة رسمية بل عن شباب حركة النهضة quot;الذين لا يمثلون إلا أنفسهم من ناحية سياسية أو قانونيةquot;.

وأضاف بن عبد الله: quot;أظن أن هذه الحملة تأتي بتزكية من القيادات النهضوية للتخفيف من حدة الاحتقان التي تعاني منه هذه القيادات في علاقتها بانتظارات قواعدها، كما تأتي لإظهار نوع من الرغبة في اشراك القواعد في القرارات أو ايهامهم بتأثيرهم في اتخاذهاquot;.

ويواصل: quot;هذا أمر ثبت بألف دليل أنه لا حقيقة تحته، فالحركة تتخذ قراراتها بعيدا عن انتظارات قواعدها في أغلب المسائل التشريعية بالمجلس التأسيسي والتنفيذية بالحكومة وهو أمر لا يحتاج إلى أمثلة كثيرة وآخرها مسألة تضمين الشريعة في الدستور وموضوع تعيين محافظ البنك المركزيquot;.

من جهته، نفى المتحدث الرسمي باسم الحملة مصعب بن عمّار، وهو أحد شباب حركة النهضة، وجود أيّ تنسيق مع قيادات حزبه مؤكدا أن حملة quot;إكبسquot; جاءت quot;عفوية من قبل بعض الشبابquot; ولاقت تجاوبا لدى الجميع.

وأوضح بن عمّار أن الحوار الداخلي بين شباب quot;النهضةquot; القائم باستمرار منذ أشهر وتواصل عدد كبير منهم مع مواقع القرار في الحكومة وحركة النهضة ومتابعتهم اليومية للشأن السياسي ولأداء الحكومة سمح ببلورة تقييم عام مشترك بين عدد كبير من شباب quot;النهضةquot; داخل أطرهم التنظيمية انتهى بتنظيم حملة quot;إكبسquot;.

الحكومة في مواجهة مطالب أنصارها

يرى عادل بن عبد الله، الذي اعتبر الحملة مجرد quot;تغيير تكتيكيquot; في التعامل مع قواعد حركة النهضة لتحسيسها بأنها ذات تأثير في اتخاذ القرارات، وأن quot;الحكومة لن تنصت الاّ لما تعوّدت الانصات اليه فهي تعتمد على منطق النواة الصلبة المتحكمة في القرارات الحزبية والحكوميةquot;.

لكن منظمي الحملة أكدوا في بيانهم أن quot;الحملة ستستمر وستأخذ أشكالا مختلفة ومتصاعدة الوتيرة حتى تحقيق مطالبها المستجيبة لتطلعات الشعب التونسي الداعم للثورةquot;.

وصرّح مصعب بن عمار لـ(إيلاف) أن quot;الحملة ما زالت في بداياتها، ونفكر في طلب لقاءات مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس المجلس التأسيسي لإطلاعهم رسميا على بيان الحملة كما ستتم مراسلة أعضاء الحكومة والمستشارين الوزاريين وأعضاء مجلس الشورى لحركة النهضة لإبلاغهم، ونحن بصدد التفكير في مجموعة الأنشطة الأخرى لإبلاغ أصواتناquot;.