العراقيون يطالبون باحترام حرياتهم الشخصية

أثار اقتحام رجال الشرطة لمحال الخمور والنوادي الاجتماعية والحانات في العراق، سخط العراقيين من مختلف الفئات الاجتماعية، وقرر الشباب التعبير عن غضبهم في وقفة احتجاجية يوم الجمعة في ساحة التحرير في بغداد.


بغداد: انشغلت الأوساط الثقافية والشعبية منذ صباح يوم الأربعاء الباكر بالأخبار التي حملت الاعلان عن مداهمات تمت ليلا للنوادي الاجتماعية والحانات ومحال بيع الخمور وتم تحطيمها وإغلاقها بالقوة، كما تعرض عدد من مرتاديها للضرب، فيما كشفت لجنة الأوقاف والشؤون الدينية البرلمانية، في اليوم ذاته، عن مقترح قانون لمكافحة الخمور، مؤكدة أنها ستستضيف الوزارات المعنية لصياغته، في حين دعا شباب إلى وقفة يوم الجمعة المقبل في ساحة التحرير وسط بغداد، للتعبير عن مطالبهم باحترام الحريات، واستنكارهم للهجومات غير المبررة على النوادي الاجتماعية.

عبر العديد من المثقفين العراقيين عن سخريتهم وتنديدهم بالاجراءات التي اتخذت ضد النوادي الاجتماعية والحانات ومحال بيع المشروبات الروحية، مطلقين وصف (غزوة الثلاثاء الظافرة) على تلك الاقتحامات، مشيرين إلى ان هذه الاجراءات تعسفية وغير صحيحة، لأن الدستور العراقي كفل الحريات الشخصية، ولم يسمح بالاعتداء على أي إنسان لاي سبب كان، اذ ان القضية ليست قضية حانات او خمور بل هي قضية إهانة للدستور العراقي ومن صوّت عليه.

وأوضحوا ساخرين وساخطين: quot;ان قواتنا الباسلة هجمت على البارات ومحال بيع الخمور، ربما للقضاء على آخر معاقل القاعدة، أو للردّ على موجة الاغتيالات التي تجتاح العراق طولاً وعرضاً، كسروا محتويات هذه المحال وأهانوا الروّاد وضربوهم وصادروا هواتفهم، كانوا باسلين ربما للتعويض عن تقاعسهم وتخاذلهم أمام الإرهاب من خلال الاستقواء على شبان مسالمين لم يحملوا يوماً سلاحاً ولم يهددوا أحداًquot;. واكّد البعض على ضرورة تنظيم عمل النوادي الاجتماعية والبارات ومراعاة أماكن وجودها، بينما أيد البعض هذه الاجراءات كونها تأتي لاجتثاث (ام الخبائث) ولكون البلد دولة اسلامية.

وقد كشفت لجنة الأوقاف والشؤون الدينية البرلمانية عن مقترح قانون لمكافحة الخمور، مؤكدة أنها ستستضيف الوزارات المعنية لصياغة المقترح، وقال رئيس اللجنة علي العلاق: quot;هناك مقترح قانون لمكافحة الخمور، ما زال في دراسته الأولية، واللجنة ستستضيف الوزارات المعنية، كالصحة والسياحة والثقافة لصياغة المسودة ،حيث ستشارك فيها عدة لجان كالأوقاف والشؤون الدينية والثقافة والصحةquot;.

وذكرت مصادر أن لواء بغداد التابع لمجلس الوزراء هو من أغلق النوادي الليلية ومحال بيع المشروبات الروحية في منطقة الكرادة وشارع ابو نؤاس، وحي الوزيرية. وان اللواء الذي قام بعملية الغلق هو تابع لرئاسة الوزراء وهي المرة الاولى التي ينفذ بها مثل هكذا واجبات لانه مختص بملاحقة العناصر المسلحة فقط ويتخذ من المنطقة الخضراء مقرا له.

فيما قال عضو اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بغداد عيسى الفريجي، إن عملية الغلق استندت إلى شكاوى مقدمة من بعض المناطق التي تم فتح المحال فيها من دون تراخيص وإجازات من الحكومة. وأضاف: ان هذه المحال انتشرت بصورة عشوائية داخل المناطق السكنية وبالقرب من دور العبادة من دوان إجازات رسمية، مضيفاً ان المجتمع العراقي ذو قيم وأخلاق تنافي جميع هذه الأماكن لاسيما وانها لا تلتزم بالقوانين والشروط التي تمنح على أساسها الحكومة التراخيص والاجازات لفتح هذه الاماكن على حد قوله.

وقال مواطنون عاديون انهم قد لا يشربون ولكنهم يرون ان النوادي الاجتماعية أفضل الف مرة من أن يحمل الشخص مشروبه ويمضي به إلى البيت ليشرب امام اطفاله او أفراد اسرته، وعليه لا بد من تنظيم عمل الحانات ومحال بيع الخمور خاصة في المناطق السكنية التي تشكو من وجودها، وطالب البعض ان تكون للشباب الغاضب والرافض للانتهاكات الحريات وقفة في ساحة التحرير يوم الجمعة.

وقال أسعد شاهين: أدعو الشباب الغاضب أن يجتمع مرة أخرى في ساحة التحرير للتنديد بالاجراءات الحكومية التي تنتهك الحريات وتصادرها وتمارس عملية التضييق عليها لاسباب غير معروفة، وإن واجبنا أن نقف وقفة واحدة ونصرخ بصوت واحد ضد الممارسات السلبية ونهتف للحرية التي صوتنا عليها في الدستور، وليذهب كل من يريد مصادرة الحريات إلى الجحيم .

وأضاف: لا أرى ضرورة لهذه الاقتحامات والاهانات التي يتعرض لها الشباب من مرتادي النوادي الليلية او البارات، وأعتقد ان الدستور كفل الحرية الشخصية للناس، ومن غير المسموح لأي كان باهانة أي إنسان عراقي، اما الشرب فمن الممكن اعتقال أي مسيء من الذين يشربون الخمرة، لا ان يساء استخدام القانون، ثم إن اكثر أفراد القوات الأمنية يرتادون هذه البارات والنوادي.

أما سامي كاظم فقال: هذا استفزاز ما بعده استفزاز لمشاعر الشباب الذين يجدون في هذه النوادي او البارات ملاذا للراحة والاستراحة بعد ان اصبحت بغداد خالية من هذه الاماكن، وانا اعتقد أنها تتعلق بالحرية الشخصية، لا اعتقد ان الحكومة تستطيع بأفعالها هذه أن تمنع الشباب من شرب الخمر بل انها تزيدهم اصرار كما انها تدفع بالآخرين إلى الشرب كنوع من التحدي للسلطات، يا أخي هناك جامع وهناك بار، فمن يريد أن يذهب للجامع لا يمنعه شارب الخمر، وعلى كل إنسان ان يحترم الحرية الممنوحة له، بشرط ان لا يعتدي على الآخرين، وأنا أرى أن مرتادي البارات من اكثر الناس طيبة، وانهم مسالمون إلى أبعد الحدود، ثم إن على القوات الأمنية ان تذهب لردع الإرهاب بدل ان تستفز الشباب الامنين.

فيما قال الكاتب محمد غازي الأخرس ساخطا: quot;شوفوا المفاجآة، لأول مرة في العراق تقدر تعرف من الأخطر، الكاتم أم بطل البيرة، طلع بطل البيرة أخطر كثيرا من المسدس الكاتم. ولهذا السبب هجم الجماعة على البارات ..quot;

أما الكاتب أحمد عبد الحسين فقد علق أولا بالقول (ارفع كأسك .. أنت عراقيّ!)، ثم قال: الحملة الإيمانية التي أطلقتها الحكومة ذكرت العراقيين بحملة الحاج صدام حسين في التسعينات، لكنّ الدوافع مختلفة طبعاً، سيعترض الأخوة الدولتقانونجيون بالقول: إنكم تدافعون عن السكارى ونشر الرذيلة في المجتمع، وهم يدركون أن المسألة أبعد بكثير من قنينة عرق وصحن مزة، الأمر يتعلق بهوية بلد، ما نحن؟ ما العراق؟ هل هو دولة دينية؟ إذا كان الأمر كذلك فليعلنها الحاجّ الجديد صراحة ويريح ويستريح، ليقم بإلغاء الدستور ويضع آخر مكانه quot;يمكنه الاستعانة بالدستور الإيراني موقتاًquot; ويمكنه أيضاً أن يكيّف القوانين حسب هواه وهوى بطانته الأتقياء والعسكر الذين تذكروا اليوم أنهم مسلمون بعد عقود من السكر والعربدة، فالقانون مطاط كما قال الحجي صدام سابقاً، مقولة يتصرف الحُجاج الجدد اليوم بمقتضاها وإن لم يقولوها صراحة.

اقتحام وتدمير محال الخمور في بغداد

وأضاف : يقال ـ وأنا أصدّق ذلك ـ إن القرار انطلق من إيران أو بضغط إيرانيّ، فجارتنا المسلمة تريد منذ زمن بعيد للعراق أن يكون سوقاً للحشيشة، وقد صبرت الجمهورية الإسلامية طويلاً على مزاج العراقيين المستعصي الكاره الدخان المقدس، فللعراقيين مزاج صعب، يكرهون التحشيش ولهم علاقة وثيقة مع السوائل التي كانوا أول من قدمها لآلهتهم لأنهم أول من صنعها، أجدادنا هم من صنعوا البيرة والعرق، ولا يمكن لنا أن نتقبّل هذا المزاج الفارسيّ المتولّه بالحشيشة والترياق، فلهم في ذلك أدبيات وأعراف صار لها منحى دينيّ صوفيّ، يراد للعراق أن يكون سوقاً لبضاعة جيراننا من الحشيشة، فكان لا بدّ من انطلاق حملة إيمانية تقضي على العرق quot;كم هو طريف أن كلمة عرق فيها ثلثا كلمة عراقquot;، وهكذا انطلقت الحملة.

وختم بالقول: هذه الحملة الإيمانية سيتذكرها العراقيون بعد سنوات باستهزاء يليق بها وبأصحابها، كما نستذكر اليوم الحملة الإيمانية للزاهد المتقي صاحب الحفرة، حتى من كان مثلي لا يفكر كثيراً بالشرب سيشرب اليوم، وسيكون شربه كسراً لقانون دولة القانون. بصحتكم!

فيما قال الشاعر علي وجيه: المسألة ليست مسألة خمر ! أشعرُ بالإحباط بعد غلق النوادي الليلية والبارات رغم أننّي لا أشرب، المسألة أنّ تصرّفات العسكر ومَنْ تبعهم تقفُ بالضدّ من جميع محاولات بناء مجتمع مدنيّ يشربُ فيه مَنْ شاء أنْ يشرب، ويصلّي به مَنْ كان يُصلّي وفق مبدأ: quot;حريّتكَ تنتهي حيثُ تبدأ حريّةُ الآخرين، علم الإجتماع يقول: امنع الإختلاط، فينتشرُ الشذوذُ واللواط، امنعْ الخمرة وسيبحثُ الآخرون عن رديفاتها، والحمد لله فإنّهم في هذه الحال سيحّولون - لا إراديّاً - بيوتَ الشاربين إلى بارات، وتخيّلوا ما هو الجيل الذي سيخرجُ من هذه البيوت، وأيّ صورةٍ تبقى للأب أمام طفله ! سيبحثُ الشباب عن الحشيشة في ظلّ وجود أفغانستان وايران، وعن الحبوب المُهلْوِسة في وجود نقاط حدوديّة ضعيفة، وعَن شمّ السيكوتين، المسألةُ ليستْ خمراً؛ المسألة حريّة شخصيّة يجري اغتيالها يوميّاً .

أما حميد قاسم فقال: يعني ما الداعي للقصة كلها؟ من الذي جيّش الجيش او الشرطة وأدخلهم انذار وارسلهم بالليل يغزون النوادي الاجتماعية فيغلقون البعض مثل اتحاد الادباء، ويحطمون البعض الآخر ولايحترمون خصوصية من يرتاده مثلما فعلوا بنادي المشرق الذي يرتاده الأخوة المسيحيون، ويطلقون النار في أعلى رؤوس رواد نادٍ آخر هو نادي السينمائيين، فضلا عما فعلوه من عنتريات في النادي الثقافي الآثوري؟؟!! ما السالفة وما هذه العنتريات ومَن هو القائد الشجاع الذي فكر بالقرار واصدره ليدوس ببسطاله على الدستور الذي صوت عليه العراقيون بدمائهم. الدستور الذي أوصله لمنصبه ونجماته اللامعة على كتفه العريض؟

وأضاف: القضية ليست قضية بارات وعرق مثلما يريدون ان يقولوا، القضية اكبر من ذلك، القضية اهانة للدستور وللحريات العامة التي نص عليها، إهانة للدولة كلها، لسلطتها التشريعية ولسلطتها القضائية ولسلطتها التنفيذية ايضا، ماهي الرسالة التي أراد من أصدر فرمانه بغزوة الثلاثاء الميمونة؟ ان المصفحات والسيارات المسلحة قادرة على مداهمة اي مكان تشاء وإهانة من تشاء وقتما تشاء وإن القانون ممسحة لبساطيل العسكر .

وتتعرض محال بيع المشروبات الكحولية وأصحابها إلى عمليات تصفية وتفجير منظمة في العديد من المناطق العراقية وبينها العاصمة بغداد منذ العام 2003، وقد سجلت العشرات من تلك الهجمات في العراق لاسيما مدينتي البصرة وبغداد، وهذه هي المرة الأولى التي تهاجم فيها قوات أمنية النوادي الاجتماعية والمواقع التي تباع فيها المشروبات الكحولية.

يذكر أن مجلس محافظة بغداد قام في (26 تشرين الثاني 2010)، بإغلاق جميع النوادي الليلية ومحال بيع المشروبات الكحولية في بغداد بحجة أنها لا تملك إجازة بممارسة المهنة، فيما رد مئات المثقفين العراقيين على القرار المذكور باعتصام في شارع المتنبي وسط العاصمة العراقية، كما وقع أكثر من ألفي شخص بياناً يطالب السلطات الثلاث بإلغاء القرار الذي اعتبروه محاولة لإعادة الحياة إلى الوراء عبر تطبيق قرارات النظام السابق.