رسم بياني يظهر نتائج استفتاء إيلاف

بدأت الظاهرة في مصر أولاً بعد نجاح ثورة 25 يناير في إسقاط نظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك، وانتقلت العدوى سريعاً إلى جارتها الغربية ليبيا، بعد الإطاحة بنظام حكم معمر القذافي وقتله والتمثيل بجثته، وأثارت الظاهرة فزعاً كبيراً لدى المصريين والليبيين على حد سواء، لاسيما الصوفيين والأشراف منهم، خاصة في ظلاستئساد التيار السلفي في كلا البلدين.


القاهرة: إنها ظاهرة هدم الأضرحة والمقامات، التي انطلقت في مصر مع صعود التيار السلفي، وتوحشت في ليبيا، لدرجة أن السلفيين هدموا أضرحة تمثل قيمة تاريخية وأثرية مهمة، وأبدت منظمات دولية انزعاجها من الظاهرة، ومنها منظمتا اليونسكو وهيومان رايتس ووتش، كما أزعجت الظاهرة قراء quot;إيلافquot; أيضاً، الذين رأوا فيها بداية هجمة على التراث الإنساني في دول الربيع العربي.

إنزعاج قرّاء quot;إيلافquot;

عند استفحال الظاهرة، قررت quot;إيلافquot; أن تستفتي فيها القراء، وطرحت عليهم السؤال التالي: quot;بعد مسلسل هدم الأضرحة في ليبيا ومصر، هل تخشى على التراث والآثار من المد السلفي في المنطقة؟quot;، وخيّرتهم بـ quot;نعمquot; وquot;كلاquot;.
طوال الأيام الستة الأولى من عمر الإستفتاء، كان المؤشر في ارتفاع كبير باتجاه quot;نعمquot;، حيث كان قراء quot;إيلافquot; يشعرون بالخطورة على التراث العربي والإسلامي من السلفيين، ووصل إلى حاجز الـ 76% خلال الأيام الثلاثة الأولى، لكنه ما لبث أن انخفض لصالح quot;كلاquot; في الأيام الثلاثة التالية، حتى وصل إلى نحو 53%، ولكن في اليوم السابع والأخير من عمر الإستفتاء، وهو أمس الأحد، 10 أيلول (سبتمبر) 2012، تحول المؤشر باتجاه quot;كلاquot; ليستمر انحفاض الإحساس بالخطورة على التراث الإنساني لدى القرّاء، ليصل إلى حاجز 50.42%، بينما 49.58% من القراء لا تعتريهم أية مشاعر قلق تجاه ذلك التراث، ويعتقدون أنه في أمان من بطش المتطرفين.

وانتهى الإستفتاء الذي شارك فيه 6554 قارئاً إلى أن غالبية طفيفة منهم تقدر بـ3128 قارئاً، بمعدل 47,73 % يشعرون بالقلق على التراث والآثار في دول الربيع العربي، بينما 52,27 % منهم مطمئنون على أن يد السلفيين لا تشكل خطراً على ما تركه الأجداد منذ مئات أو آلاف السنين.

الآثار الفرعونية

القلق على التراث الثقافي من الهجمة السلفية في دول الربيع العربي، وخاصة مصر وليبيا، لا يساور قراء quot;إيلافquot; فقط، بل يسيطر على علماء الآثار أيضاً والسياسيين والمعنيين بالأمر، فضلاً عن الصوفيين والأشراف والمعتدلين من علماء الإسلام، وقال الدكتور علي مأمون، أستاذ الآثار الفرعونية في جامعة القاهرة لـquot;إيلافquot; إن القلق على التراث والآثار في مصر وليبيا امتد إلى منظمة اليونسكو ومنظمة هيومان رايتس ووتش، بالإضافة إلى المهتمين بهذا الشأن داخلياً وخارجياً، مشيراً إلى أن هناك أزمة حقيقة تحتاج إلى موقف حازم من جانب الحكومة في مصر وليبيا. وأبدى قلقه من تخطي السلفيين مسألة الأضرحة إلى الآثار الفرعونية، لاسيما أن هناك من يعتبرها تماثيل يطوف حولها الناس، كما أنها تقترن لديهم بسياحة العري والخلاعة، ونبه إلى أن السلفيين يحرمون فن التماثيل والنحت، وليس أدل على ذلك من تغطية تمثال في مدينة الإسكندرية، وتحريم سياحة الآثار الفرعونية، ومحاولة استبدالها بما يسمونه quot;السياحة الإسلامية وسياحة المساجدquot;، أي أن تقتصر السياحة على زيارة المساجد التاريخية فقط.

قلق اليونسكو

منظمة اليونسكو أعربت عن قلقها الشديد من مسلسل هدم الأضرحة، ووجهت رئيسة منظمة التربية والثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة quot;اليونسكوquot; ايرينا بوكوفا نداء للوقف الفوري لأعمال تدمير المواقع الصوفية في ليبيا، بعد تدمير ضريح صوفي يعود للقرن الخامس عشر الميلادي. وقالت بوكوفا في بيان لها، إنه لا يمكن القبول بتدمير مواقع ذات أهمية دينية وثقافية، ودعت السلطات الليبية والمجتمع المدني إلى تحمل مسؤولياتها لحماية التراث الثقافي والمواقع ذات الأهمية الدينية من أجل الأجيال المقبلة.

جاء تدخل اليونسكو بعد هدم السلفيين ضريح الشعاب الدهماني في طرابلس، وتفجير ضريح العالم الصوفي عبدالسلام الأسمر في زليتن، وتدمير مكتبة وجامعة الشيخ الأسمر ونهب محتوياتهما.

غضب مصري

في مصر، أجمع الأزهر ودار الإفتاء ومشيخة الطرق الصوفية ونقابة الأشراف على حرمة سلوك هدم الأضرحة أو التعرض للتراث الثقافي، ووصفت نقابة الأشراف في بيان لها، ما يحدث بـquot;الأفعال الشيطانية والممارسات التخريبيةquot;، بل وذهبت إلى نعت من قاموا بهذه الأفعال بـquot;شُذّاذ الآفاق وكلاب النار في اعتدائهم الأثيم على ضريح سيدي الإمام العارف عبد السلام الأسمر الحسني المالكي؛ سليل بيت النبوةquot;. واعتبرتها مشيخة الطرق الصوفية quot;أفعالا شيطانيةquot;، وحذرت في بيان لها، quot;المسلمين من هذا الفكر المنحرف الذي دأب على انتهاك حرمات الأولياء والصالحين وآل البيت الطاهرين، متهماً علماء الأمة وصالحيها وسوادها الأعظم وسلفها وخلفها بالشرك والكفر إلا من كان على مثل باطله ومشربه الفاسد، من غير أن يبالي أصحابه بأمة ولا وحدة ولا وطنية، أو يرقبوا في مؤمن إلاًّ ولا ذمةquot;.

خوارج هذا العصر

ووصف الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية مرتكبي عمليات التدمير بـquot;خوارج هذا العصر، الذين يسعون في الأرض فسادا، وتهديما لبيوت الله ومقدسات المسلمين، وانتهاكا لحرمات أولياء الله، وتحريقا للتراث الإسلامي ومخطوطاته، ومحاولة لإسقاط أهل ليبيا في الفتن الطائفية والحروب الأهليةquot;، ودعا quot;كل مسلم بالتصدي لها قولا وفعلا، داعيا المسؤولين الليبيين إلى تطبيق حد الحرابة عليهم، باعتبارهم دعاة للضلالة ولتكفير المسلمين، جعلوا من ألسنتهم وقودا لتأجيج نار الفتن، والقيام بممارسات إجرامية جاهلية لا يرضى عنها الله تعالي ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولا أحد من العالمينquot;.

متظاهرون أمام ضريح الشعاب الدهماني في طرابلس بعد تدميره

فيما قال الدكتور حسن الشافعي مستشار شيخ الأزهر، لـquot;إيلافquot; إن نبش قبور المسلمين والعبث برفات أصحابها محرم، مشيراً إلى أن الإعتداء على الأضرحة أو الآثار إثم عظيم، لاسيما أن المولى سبحانه وتعالى نهى عن الإفساد في الأرض وقتل الحرث والنسل أو قطع الأشجار أو تدمير الممتلكات العامة أو الخاصة أوقات الحروب مع العدو. ولفت إلى أن الإتحاد العالمي لعلماء الصوفية والأزهر يستنكران هذه الأفعال التي ما أنزل الله بها من سلطان، داعياً السلطات في مصر وليبيا أو أية دولة تقع فيها مثل تلك الإنتهاكات إلى التعامل بحزم مع مرتكبيها، لأنهم مجرمون في عرف القانون وآثمون بنصوص الشريعة الإسلامية، ويجب تطبيق القانون عليهم.

أسلوب غير حضاري

لكن كيف يرى السلفيون هذه الظاهرة؟ ولماذا يعيثون في الأرض فساداً على وصف مفتي مصر؟ ويرد النائب في مجلس الشعب المنحل، والقيادي السلفي محمد المنشد بالقول لـquot;إيلافquot; إن هذا الأسلوب غير حضاري، مشيراً إلى أن قيادات وعقلاء السلفية يرفضون هذه الطريقة في التعامل مع ما حرم الله. وأضاف أن الإسلام حرم بناء الأضرحة بنصوص صريحة، ولاسيما إذا كانت في المساجد ويتخذها الناس للطواف حولها أو التبرك بها كما يحدث الآن، وتابع: لكن داء المفاسد مقدم على جلب المصالحquot;، وأوضح أن أسلوب هدم الأضرحة بهذه الطريقة غير حضاري ويثير الفتن بين المسلمين، وبالتالي لا يجوز مطلقاً، وينبغي محاسبة من يرتكب تلك الأفعال، لاسيما أن المطلوب في المرحلة الراهنة تثقيف الناس وبيان حرمة ما يرتكبونه من أفعال الطواف أو التبرك أو طلب الشفاعة من أصحاب الأضرحة الذين يحتاجون للدعاء وليس إلى التمسح بأضرحتهم وطلب شفاعتهم.

الهدم بالقانون

وأضاف المنشد أن السلفيين إذا رأوا في الأضرحة منكراً يجب تغييره باليد، فعليهم أن يلجأوا للقانون ويقدموا مشروع قانون في البرلمان لنقل الأضرحة بعيداً عن المساجد وتكون في وسط المقابر، وتجريم التبرك بها أو إتيان أفعال تخرج مرتاديها من الملة.
وحول القلق على الآثار من بطش السلفيين، قال المنشد إن الآثار الفرعونية أو التي تعود إلى عصور سحيقة لا تمثل انتهاكاً لشرائع الله، مشيراً إلى أن الناس تزورها ليس للتبرك، بل من أجل الموعظة والتدبر في أمور الأمم السابقة، والمولى سبحانه وتعالى دعا المسلمين للتفكير في أحوال من سبقوهم وأخذ العبرة والعظة منهم.