المحلل السياسي كاميران قرة داغي |
إيلاف حاورت كاميران قرة داغي، المتحدّث السابق باسم الرئيس العراقي جلال طالباني، حول كردستان العراق والعلاقة المتشنجة مع بغداد، فردّ ذلك إلى عدم الوضوح في الاتفاقات، وإلى اعدام الثقة بينهما.
بغداد: أكد كاميران قرة داغي، المحلل السياسي والمتحدث السابق باسم الرئيس العراقي جلال طالباني، أن اقليم كردستان يمارس حقه الدستوري في إدارة أموره، ويرفض وفقًا لذلك أن تتدخل الحكومة المركزية في شؤونه، مشيرًا إلى أن عامل الريبة وعدم الثقة بالآخر يكمن وراء التوتر بين بغداد وأربيل في ظل المعادلة السياسية القائمة.
وفي حوار شامل اجرته معه quot;ايلافquot;، قال قرة داغي إن الأكراد في العراق يتضامنون مع اشقائهم الأكراد في كل مكان، وإنهم يؤيدون مطالب الشعب الكردي في سوريا في الحصول على حقوقهم المشروعة.
إيلاف: يلف التشنج العلاقة بين حكومة كردستان والحكومة المركزية، يصل الأمر أحيانًا إلى القطيعة. هل هذا آني أم ناتج من تراكمات سابقة؟
قرة داغي: لم يصل الأمر إلى حد القطيعة، فخطوط الاتصال والحوار مفتوحة وإن لم تكن بصورة مباشرة. التشنج موجود والاتهامات المتبادلة تصل أحيانًا إلى حد التجريح، لكن أي أزمة بين الطرفين لم تؤدِ إلى مصارعة تنتهي بأن يطرح أحد المتصارعين خصمه أرضًا، بل يتم عادة احتواؤها في نهاية الأمر. هذه التشنجات نتيجة تراكمات مستمرة منذ تشكيل الحكومة الحالية، على أساس اتفاق أربيل، الذي بدأ حلًا وانتهى مشكلة في ذاته.
إيلاف: ما الاسباب الحقيقية وراء هذه الازمة؟
قرة داغي: إنه عامل الريبة وعدم الثقة بالآخر. فالاتفاقات غير واضحة، تصاغ بطريقة غامضة تسهل التأويل. ينطبق هذا على اتفاق أربيل الذي اسفر عن تشكيل الحكومة العراقية الحالية، إذ ظلت نقاطه الرئيسية حبرًا على ورق. ناهيك عن أن كثيرًا من الاتفاقات بين الأطراف تتم من دون نص مكتوب وموقع عليه أصلًا.
منطق الدويلة
إيلاف: هل تعتقد أن حكومة كردستان تعمل بمنطق دولة داخل دولة كما تتهم دائمًا ؟
قرة داغي: لا مفر من الاعتراف بأن إدارة إقليم كردستان أكفأ من الادارة العراقية المركزية. وفي حال الانفصال عن العراق، يمكن هذا الاقليم أن يتحول دولة متكاملة من دون صعوبات، مع التأكيد طبعًا أن لا نية انفصالية لدى الأكراد، وقد حسموا هذا الموضوع منذ الاطاحة بالنظام العراقي السابق في العام 2003، وقرروا المشاركة الفاعلة في النظام العراقي الجديد كطرف اساسي متساوٍ في العملية السياسية. أما اتهام حكومة كردستان بأنها تعمل كدولة داخل دولة فلا يصمد أمام الواقع. يمارس الاقليم حقه الدستوري في إدارة شؤونه ويرفض تدخل الحكومة المركزية في شؤونه التي يحددها الدستور. لكن طالما هناك خلاف قائم على تفسير مواد معينة في الدستور، فإن هذا الخلاف يتسع ليشمل الخلاف على حقوق الاقليم وحقوق المركز. يكفي ان نذكر مثالاً واحدًا يتعلق بالمادة 65 من الدستور التي تنص على تشكيل مجلس تشريعي يدعى المجلس الاتحادي يضم ممثلين عن الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقاليم. هذه المادة لم تطبق حتى الان. ظهور خلافات بين الاقاليم والمركز أمر طبيعي في ظل الانظمة الاتحادية، الأمر الذي يستدعي قرارًا من المحاكم الاتحادية العليا لحسم الخلافات. هذا غير قائم حتى الآن في العراق ومن هنا الاشكال في شأن ممارسات حكومة اقليم كردستان.
إيلاف: لماذا ترفض حكومة كردستان أن تتم التعاقدات النفطية بعلم الحكومة المركزية؟ هل ثمة قانون يجيز لها هذا ؟
قرة داغي: لا يوجد قانون أصلًا يجيز أو يمنع. فمشروع قانون النفط معلق منذ مدة طويلة، وحكومة إقليم كردستان تبرر موقفها بعدم وجود قانون، لذا تمتنع عن تقديم المعلومات المطلوبة عن التعاقدات النفطية، مستندة إلى المادتين 112 و113 إضافة إلى ما وصف بأنه quot;اتفاق جنتلمانquot; بين أربيل وبغداد للاستمرار في الترتيبات الحالية لحين إقرار قانون النفط.
إيلاف: ما الخطورة في تأميم نفط كردستان ؟
قرة داغي: ليس من صلاحية الحكومة المركزية تأميم نفظ كردستان أو النفط في أي مكان آخر في العراق. هذا شأن يتعلق بالمصلحة الوطنية، وينبغي التعامل معه في إطار الدستور والبرلمان.
انعدام ثقة
إيلاف: ما اخطر ما تواجهه العملية السياسية في العراق حاليًا؟
قرة داغي: ثمة جروح كثيرة في العراق، وادارة الدولة بعقلية المحاصصة الطائفية تشكل العقبة الرئيسية أمام إقامة دولة المؤسسات الدستورية. أخطر ما تواجهه العملية السياسية في رأيي هو انعدام الثقة بين اطراف هذه العملية، وفي حال استمرار هذه الحال فإن الاستقطاب السياسي يمكن أن يصل إلى نقطة يتعذر عندها الحوار. يفاقم ذلك المحاصصة الطائفية، التي وصفت طوال سنوات بالتوافق الوطني، حتى تبين أخيرًا أنه مصطلح أريد به تخدير الجمهور. فاذا اجتمع الاستقطابان، السياسي والطائفي،أصبح السلم الأهلي في خبر كان. وهذه المحاصصة أعجزت مجلس النواب عن أداء واجباته الدستورية، إذ أتت بنواب بلا كفاءة.
إيلاف: ما زال البعض يتحدث عن سحب الثقة من رئيس الوزراء لماذا؟
قرة داغي: المطالبة بسحب الثقة عن رئيس الوزراء حق دستوري. لكن التطورات الأخيرة تظهر أن هذه المطالبة لم تعد تحظى بالدعم الكافي لاقناع البرلمان بها. لكن هذا لم يمنع بعض الأطراف من التمسك بها من باب الاحتياط كما يقال.
إيلاف: يشيع البعض خبر تهيئة بديل عن الرئيس الطلباني.
قرة داغي: شخصيًا لا أعتقد أن هناك أي اتجاه في هذا الخصوص، لا من الطرف الكردي ولا من أي طرف عراقي آخر. أرجح أن يبقى الرئيس جلال طالباني في منصبه حتى نهاية ولايته.
من حل إلى أزمة
إيلاف: الاجتماع الوطني المزعم عقده برعاية طالباني، حلٌ أم أزمة جديدة ؟
قرة داغي: في رأيي أن أكثر ما يمكن توقعه هو منع الوضع السياسي المتدهور من المزيد من التدهور، والتوصل إلى نوع من المساومات التي من شأنها أن تحتوي التوترات من الآن وحتى الانتخابات المقبلة في كانون الثاني (يناير) 2014. قد ينطوي هذا على بذور تفجر أزمة جديدة، لأنّ التجارب المتتالية أظهرت أن أي حل تتوصل إليه الكتل يتحول بعد فترة إلى مشكلة، على حد تعبير النائب الدكتور محمود عثمان. هذا ما حدث بالنسبة إلى المادة 140 التي كان يفترض بها أن تكون حلًا لمشكلة المناطق المتنازع عليها، لكنها سرعان ما تحولت إلى مشكلة.
إيلاف: لماذا يرفض البعض الالتزام بالدستور؟
قرة داغي: نصوص كثيرة في الدستور كتبت لتشكل حلولًا موقتة، لحين الاتفاق على الحلول النهائية في البرلمان. فهناك أكثر من 50 مادة في الدستور تنتهي بعبارة quot;وينظم بقانونquot;. وطالما لم يتم الاتفاق على هذه القوانين، فإن كلّ طرف يفسر الدستور بما يخدم مصالحه. ولا أعتقد أن البعض فقط يرفض الالتزام بالدستور، فالجميع يرفضون ذلك نظرًا إلى عدم الاتفاق على قوانين ومراجع دستورية تقدم تفسيرًا محددًا لمواد الدستور المختلف عليها، ليلتزم بها الجميع.
إيلاف: لماذا يتعرض المالكي للهجوم من الكتل المختلفة، على الرغم من أنها شريكته في الحكومة؟
قرة داغي: لأنه رئيس الوزراء الذي يتمتع بأكبر السلطات والصلاحيات بموجب الدستور ولأنه القائد العام للقوات المسلحة واصبح منذ سنتين تقريبًا المسؤول الوحيد عن الأمن في العراق باخضاعه جميع المؤسسات العسكرية والأمنية والاستخباراتية لسلطته مباشرة. وهذا ما يضعف دور الأجهزة الأمنية. على كل حال، لن يستتب الأمن في ظل المحاصصة الطائفية واستمرار الخلافات الحادة بين الكتل المشاركة في العملية السياسية الأمر الذي يعززه عجز اجهزة فرض القانون عن السيطرة على الوضع الأمني.
إيلاف: هل لما يقدمه الأكراد للمعارضة السورية علاقة بإقامة إقليم كردي في سوريا؟
قرة داغي: لا جدال في أن الأكراد في العراق يتضامنون مع أشقائهم في كل مكان. وهم يؤيدون مطالب الشعب الكردي في سوريا بالحصول على حقوقه المشروعة. أما ما هي حدود هذه المطالب فهذا شأن يتعلق بتقديرات الأكراد السوريين أنفسهم.
التعليقات