السيجارة الالكترونية ممنوعة في معظم الدول العربية، ويغرّم من يروّجها. بعضهم يعتبر السبب وجيهًا، بينما يدحضه آخرون بجرة قلم. هذا الجدل يتجاوز المناظرة العلمية البحتة، ليدخل في الحيز الاقتصادي. فهل تخفي المنظمات الطبية بعض الحقائق العلمية بشأن أفضلية السجائر الالكترونية مقارنةً بالسجائر العادية؟
دبي: عندما ابتكر صيدلي صيني طَموحٌ السيجارة الالكترونية في العام 2003، لم يدرِ بخلده أن اختراعه سيلقى هذا النجاح العالمي بتفضيل ألوف مؤلفة سيجارة إلكترونية على السيجارة العادية. ولم يتخيّل أبدًا أن يصبح منتجه حديث الساعة في الأوساط الطبية، ينقسم حوله العلماء.
الكثير من الجدل يدور حول فائدة السيجارة الإلكترونية |
والسيجارة الالكترونية لفافة رفيعة على شكل سيجارة عادية، تحتوي على قطعة لاصقة ملامسة للفم تُثبّت فيها عبوة صغيرة مملوءة بسائل النيكوتين، تختلف كثافته بحسب الرغبة، ومادة البروبيلين غيليكول، وهي مُضاف غذائي يُستعمل في تقطيع التبغ لحبس الرطوبة.
تعمل اللفافة بالبطارية لتوفر جرعات مستنشقة من النيكوتين بتوصيل بخار سائل النيكوتين، ولكن من دون 4800 عنصر من الكيماويات تكوّن التبغ والقطران وأول أكسيد الكربون.
حل للإقلاع عن التدخين
يلجأ العديد من المدخنين إلى السيجارة الإلكترونية بديلًا عن التبغ، لأسباب تختلف باختلاف أصحابها. رامز أربعيني مقيم في دبي، حصل على السيجارة الإلكترونية عبر السوق السوداء منذ سنتين تقريبًا، وقد اختارها لأنه يرغب في التمتع بالتدخين وتقليص أضراره. يقول: quot;تشير بعض الدراسات إلى أنها ضارة بالصحة لكنني أتساءل: هل يفوق ضرر مكوناتها ضرر آلاف المكونات التي تحتويها السجائر العادية، والتي أثبتت الدراسات أنها مسؤولة عن عدة أمراض خطيرة؟ لا أعتقد ذلكquot;.
يشير رامز إلى أن العديد يستعملون السجائر الالكترونية كخطوة تساعد على هجر التدخين بصفة نهائية، إذ يقدم هذا المنتج نسخة خالية تمامًا من النيكوتين، quot;فيُحافظ المدخن على عادة الامساك بالسيجارة بين أصابعه من دون استنشاق النيكوتين، المادة المسببة للإدمانquot;.
إنها تبغ!
وعلى الرغم من انتشار السجائر الالكترونية في كل أنحاء العالم، إلا أنها ضلّت عصيّةً على الترويج داخل الخليج العربي، إذ لا تتوفر فيه إلا في السوق السوداء.
في هذا الصدد، التقت إيلاف الدكتورة وداد الميدور، رئيسة فريق مكافحة التبغ في وزارة الصحة الإماراتية، فأكدت وجود قرار لمنع دخول السيجارة الالكترونية إلى الدولة، إلى جانب قرار المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون بضرورة حظْر تداولها تمامًا في دول مجلس التعاون.
تفسر الميدور هذا القرار قائلةً: quot;لم تثبت الدراسات سلامة استخدام هذا المنتج حتى الآن، ولم تساند منظمة الصحة العالمية هذا النوع من السجائر، بل اعتبرته منتجًا من منتجات التبغ وطالبت بمعاملته بالمثل في كل توصياتهاquot;.
تضيف: quot;إن الإدعاء بأن السجائر الالكترونية تستخدم لعلاج الإدمان على التدخين تضليل، إذ لا يمكن قياس كمية النيكوتين التي تدخل الرئتين عبر هذا المنتج، وبالتالي ليس هناك مقياس للكمية المستنشقة من قبل المدخن. وعندما تزيد نسبة النيكوتين المستنشق عن حد معين فإن نسبة الإدمان تزيد. وعملية الإدمان عملية مركبة تشمل إدمان مادة معينة يرافقها سلوك سلبي. وهذا المنتج لم يقطع ذلك السلوك، ما يتعارض مع علاج الإدمانquot;.
وتذكر الميدور أن خطورة استخدام هذا المنتج تكمن أيضاً في أنه يساعد على انتشار استخدام التبغ بين فئة صغار السن والمراهقين بسبب عدم وجود رائحة الدخان في الفم، ما يشجع على تدخينه، كما قد يستخدم هذا المنتج لأغراض أخرى كالإدمان على المخدرات من خلال استبدال عبوة النيكوتين بمادة إدمانية أخرىquot;.
لا دليل
من جانب آخر، وفي تصريح خاص لـ quot;يلافquot;، يقول البروفيسور مايكل سيجل، الأستاذ في كلية الصحة العامة في جامعة بوسطن الأميركية: quot;الفرق الرئيس بين السجائر الكلاسيكية والسجائر الالكترونية أن هذه الأخيرة لا تحتوي على التبغ ولا تعمل بمبدأ الاحتراق. وهذا الفرق لافت للنظر، إذ يمنع استنشاق النيكوتين جنبًا إلى جنب مع عشرات الآلاف من المواد الكيميائية الأخرى، بما في ذلك أكثر من 60 مادةً مسرطنةquot;.
ويضيف: quot;الدراسات التي أجريت على السيجارة الالكترونية لا تقدم أي دليل علمي على أنها تسبب السرطان، بل هناك أدلة قوية على أن مستويات النيتروسامينيز موجودة بنسبة مضاعفة في التبغ العادي، مقارنة بتلك التي نجدها في السجائر الالكترونيةquot;.
تشويه للحقائق
هل السيجارة العادية تضر اكثر من نظيرتها الإلكترونية؟ |
ويعرّج البروفيسور على مسألة في غاية الأهمية، تتمثل في وجود منافسة شرسة بين الشركات الطبية الصيدلية من جهة وشركات السجائر الالكترونية من جهة أخرى، في عرض أدوية الإقلاع عن التدخين المعتمدة على النيكوتين. يقول: quot;من الطبيعي أن تمثل السيجارة الالكترونية تهديدًا مباشرًا لأرباح الشركات الطبية. وأعتقد أن المنظمات التي تمولها شركات الأدوية العملاقة تخفي بعض الحقائق العلمية بشأن أفضلية السجائر الالكترونية مقارنةً بالسجائر العاديةquot;.
ويشير البروفيسور إلى وجود تشويه كبير للحقائق من قبل شركات الأدوية الكبرى، لافتًا إلى أن واجب المستهلكين النظر إلى ما وراء الدراسات الطبية لهذه الشركات والتساؤل حول الرهانات المالية التي تختبئ وراء ذلك.
وبخصوص المنع الذي تواجهه السيجارة الالكترونية في بعض الأسواق، يعلّق سيجل قائلًا: quot;ثمة سوء فهم كبير يحفّ بالمسألة، فمن الواضح جدًا الأفضلية النسبية لمنتجات السجائر الالكترونية على نظيرتها الكلاسيكية من الناحية الصحية، وعلى المؤسسات الصحية العالمية التسليم بهذه البداهة العلمية الواضحة، بدل التمسك بإيديولوجيا دغمائيةquot;. ويرى أن حياة الملايين من البشر قد تكون في مأمن إذا ما تمت مقاربة الأمور من هذه الزاوية.
التعليقات