التظاهرات ضد الفيلم المسيء للاسلام تصعّب موقف أوباما

تشكل مسألة حرية التعبير التي أثارها الفيلم المسيء للاسلام الاشكالية الأساسية في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ يختلف العالم الاسلامي والغرب حول تحديدها، ما يشكل تحديًا للرئيس الأميركي باراك أوباما الذي انتهج منذ بداية عهده سياسة تدافع عن الديمقراطية.


لندن: يُراد بانطلاق أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تلتئم سنويا أن يكون احتفاء بالقيم المشتركة بين دول العالم. ولكن اجتماع الجمعية العامة هذا العام يكشف بدلا من ذلك عن البون الشاسع بين المنظورين الغربي والاسلامي بشأن حرية التعبير. واعتبر محللون أن هذا يشكل تحديا غير متوقع للرئيس الأميركي باراك اوباما حين يلقي كلمته الثلاثاء.

وكانت وفود دول إسلامية كبرى وصلت إلى الأمم المتحدة وفي جعبتها مطالب بفرض قيود على كل ما يسيء للدين الاسلامي ونبيّه quot;محمدquot; مدفوعين بمشاعر الغضب التي أثارها في عموم العالم الاسلامي شريط فيديو بدائي، معاد للاسلام أُنتج في ولاية كاليفورنيا.
ويقول القادة الغربيون إنهم لن يتنازلوا بشأن حرية التعبير ولكن هذا الاختلاف أخذ يسمم الأجواء في ملتقى، كان دبلوماسيون يأملون في أن يسفر عن تعاون جديد للتعاطي مع الأزمة السورية وبرنامج ايران النووي والتحديات التي تواجه حكومات منتخبة حديثا بعد عام على سقوط أنظمة استبدادية في ثورات الربيع العربي.

وتأتي المطالبة بتقييد مظاهر العداء للإسلام باسم حرية التعبير من جهات مهمة بينها منظمة التعاون الاسلامي ومن قادة ذوي توجهات متباينة مثل رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان والرئيس المصري محمد مرسي والرئيس الايراني محمود احمدي نجاد.

وأعلن إردوغان الذي يعتبره أوباما حليفا أساسيا أن على جميع الدول الاسلامية السبع والخمسين، أن تتكلم بصوت قوي واحد، ودعا إلى تطبيق أنظمة قانونية دولية ضد الاعتداء على مقدسات الشعوب. ويرى هؤلاء القادة أن ما يُبث من مواد معادية للإسلام هو ترويج للكراهية يجب منعه في أنحاء العالم كافة. ومن المتوقع ان يطالبوا بمثل هذه الأنظمة الدولية حين تبدأ مناقشات الجمعية العامة للأمم المتحدة الثلاثاء.

ونقلت صحيفة لوس أنجيليس تايمز عن الباحث في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي ستيوارت باتريك، أن هذا السجال quot;يكشف عن وجود صدع هائل في الفلسفات السياسية قد لا يكون قابلا للرأبquot;.
وتضع هذه الخلافات أوباما في موقف صعب خلال الأسابيع الأخيرة من السباق الرئاسي. ويقول مراقبون ان اوباما سيدافع بقوة عن حرية التعبير بلا قيود ولكن عليه أن يبدي حذرا في إدانة الفيلم المعادي للإسلام كي لا تبدو نبرته إعتذارية تستنزل عليه انتقادات سياسية من خصومه.

وكان البيت الأبيض يأمل في أن يغتنم أوباما مناسبة كلمته في دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام كي يُري العالم كيف ان دعم ادارته للحركات الديمقراطية في الربيع العربي وتواصله مع العالم الاسلامي، أسهما في تحسين سمعة الولايات المتحدة دوليا، بعد عقد من الحرب مع دول مسلمة. ولكنه بدلاً من ذلك يواجه تذكيرا ليس مرغوبا بالتظاهرات المناوئة للولايات المتحدة في نحو 20 بلدا واقتحام القنصلية الأميركية في بنغازي ومقتل سفيرها كريستوفر ستيفنز وثلاثة أميركيين آخرين.

ومن المتوقع أن ينفخ هذا السجال حياة جديدة في مساعي منظمة التعاون الاسلامي لإقناع مجلس الأمم المتحدة لحقوق الانسان بإصدار قرار يعتبر القوانين التي تكافح الكفر مسألة تتعلق بحقوق انسانية عامة بعد 12 عاما من المحاولات الفاشلة لحمل المجلس على اصدار مثل هذا القرار. ويرى محللون أن التحرك لإصدار قرار كهذا حتى إذا لم يتكلل بالنجاح سيكون انتكاسة للسياسة الأميركية على عدة مستويات.

فهو يمكن أن يضفي شرعية على الجهود التي تُبذل في مناطق من العالم الإسلامي لتشريع قوانين صارمة ضد الاساءة إلى الاسلام، يمكن ان تستهدف سياسيين معتدلين وتبيح التضييق على الأقليات والديانات الأخرى. كما أنها يمكن أن تزيد من صعوبة عمل المبشرين والمنظمات غير الحكومية الغربية، التي تدعو إلى الديمقراطية، بحسب هؤلاء المحللين. وفي هذا الشأن، قال الباحث باتريك لصحيفة لوس انجيليس تايمز quot;إن هذا يمكن ان يبرر شن حملات على الأقليات الدينية وإنه يمتد إلى القيم الأميركية نفسها... وكان مسؤولون أميركيون أبدوا في السابق قلقا بالغا من اتساع نطاق هذا التوجهquot;.

ويجرم القانون في باكستان الإساءة إلى النبي محمد أو القرآن او الاسلام، وهو قانون يقول منتقدوه انه يمكن ان يُستخدم لتصفية حسابات مع الخصوم أو اضطهاد الأقليات.
وفي مصر قال مسيحيون أقباط إنهم قلقون لأن فيلم quot;براءة المسلمينquot; يمكن أن يطلق موجة من أعمال العنف ضد المسيحيين. ويُشار إلى أن اثنين ممن شاركوا في انتاج الفيلم مغتربان مسيحيان مصريان، يرتبطان باتجاهات مسيحية محافظة.

وتعكس المطالبة بتقييد الكلام الذي يحرض على الكراهية، في جانب منها، حقائق سياسية جديدة ظهرت بالإرتباط مع الربيع العربي.

ففي بلدان مثل مصر وتونس، أخذت أحزاب إسلامية كانت ممنوعة سابقا، تتنافس علنا للفوز بأصوات الناخبين وتسلم مقاليد السلطة. ويعمل زعماء هذه الأحزاب لمحاصرة منافسين سياسيين معتدلين، يشعرون بتعرضهم إلى ضغوط لدفعهم إلى التراجع عن تمسكهم بحرية التعبير في غمرة الغضب الجماهيري العارم، بحسب المحللين، مشيرين إلى ان الرئيس مرسي كان بطيئا في رده عندما اندلعت الاحتجاجات على الفيلم المسيء، وأن يومين مرّا على اقتحام السفارة الأميركية في القاهرة قبل أن يدين الهجوم.

وانضم رشاد الغنوشي، زعيم حزب حركة النهضة الاسلامية في تونس إلى الدعوات المطالبة بتجريم الاساءة إلى المسلمين ودينهم، وقدم حزبه مشروع قانون في البرلمان التونسي يحظر مثل هذا السلوك.
وفي النهاية القصوى دعا زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله إلى ضوابط دولية تمنع الاساءة للاسلام والمسيحية واليهودية ايضا. واعتبر مراقبون آراءه مؤشرا إلى الشعبية التي تحظى بها القضية، لأن نصر الله نادرا ما يبدي اهتماما بالدبلوماسية الدولية.

وفي نيويورك قال الرئيس الايراني أحمدي نجاد للصحافيين إن وجود اسرائيل مرحلة عابرة في تاريخ المنطقة الطويل، وإنها زائلة في نهاية المطاف لأنها بلا جذور بين الحضارات العريقة للشرق الأوسط.
في هذه الأثناء أعلن المبعوث الخاص للأمم المتحدة والجامعة العربية الأخضر الابراهيمي ان الوضع في سوريا خطير وهو يزداد تفاقما، وأن الأزمة السورية تشكل تهديدا للمنطقة وللسلام والأمن في العالم.