مسلمون في الهند يحتجون ضد الفيلم المسيء

اندلاع أعمال العنف احتجاجًا على quot;براءة المسلمينquot; يدل على اتجاه واضح: ما أن تمكنت الدول المسلمة من الحصول على المزيد من الحريات السياسية حتى برزت مشاعر الغضب المناهضة للولايات المتحدة إلى السطح.


لم تكن صرخات quot;الموت لأميركا!quot; في جامعة كابول في أفغانستان في نهاية هذا الاسبوع علامة جيدة لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والعالم الاسلامي الأوسع. وضربت موجة العنف المناهضة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط في أفغانستان فقام عدد من المحتجين برشق مجمع حلف الشمال الأطلسي quot;الناتوquot; في كابول بالحجارة، وقتل ستة جنود من حلف شمال الاطلسي، بما في ذلك أربعة أميركيين، يوم السبت على يد جنود افغان.

في هذا السياق، اعتبرت صحيفة quot;كريستيان ساينس مونيتورquot; أن أعمال العنف هذه هي دليل على أن مشاعر الإحباط المكبوتة وجدت فجأة متنفساً من خلال صعود الحرية السياسية في المنطقة - ومن المرجح أن تستهدف الولايات المتحدة لبعض الوقت في المستقبل.

واعتبرت الصحيفة أنه في حين تساعد الولايات المتحدة على إنشاء دولة ديمقراطية في أفغانستان والعراق، ساهمت في ثورات الربيع العربي في العام الماضي التي أدت إلى استبدال اليد الحديدية في مصر وتونس وليبيا بحكومات ضعيفة وما زالت طور النمو، وبالتالي فإنها ما زالت متعاطفة مع انعدام الثقة الشعبية بأميركا.

القادة الجدد يقودون بلادهم بعيدًا عن الولايات المتحدة

إحراق العلم الأميركي في معظم الدول الإسلامية وهنا في إندونيسيا

ويقول جيمس فيليبس، وهو خبير شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة التراث في واشنطن إن quot;أحد الدروس المستقاة هنا هو أنه عندما تساعد على اسقاط الأنظمة الاستبدادية والقمعية مثل طالبان في أفغانستان أو معمر القذافي في ليبيا، فهذا لا يعني بالضرورة انه سيكون لديك علاقات أفضل مع هذه الدولquot;، مضيفاً: quot;تشير الأدلة إلى أن القادة الجدد عازمون على قيادة بلدانهم بعيداً عن الولايات المتحدة وبعيداً عن القيم الغربيةquot;.

والاحتجاجات التي أثارها فيلم quot;براءة المسلمينquot; - الاميركي الصنع - الذي عرض على شبكة الإنترنت ويسيء إلى سمعة النبي محمد والإسلام، انتشرت أيضاً في باكستان، الفيلبين، أستراليا، وإندونيسيا وغيرها من الدول مؤججةً مشاعر الاستياء ضد الولايات المتحدة.

احتجاجات بدأت سلمية!

وبدأت الاحتجاجات السلمية يوم الجمعة بشكل سلمي إلى حد كبير في أفغانستان ثم ازدادت حدة يومي الاحد والاثنين عندما استهدفت الحشود معسكر حلف شمال الاطلسي في كابول ورفع طلاب جامعة هرات لافتات تطالب بمعاقبة صناع الفيديو.

وأشارت الصحيفة إلى وجود دلائل على أن المتطرفين الإسلاميين استفادوا من الغضب الشعبي ضد الولايات المتحدة لتعزيز مكانتهم الخاصة، وقد لاقت دعواتهم ترحيباً لدى بعض السكان. وفي لبنان، دعا أمين عام حزب الله حسن نصر الله الى احتجاجات سلمية ضد الولايات المتحدة، وردد الآلاف في ضاحية بيروت الجنوبية هتافات quot;أميركا اسمعينا، لا تهيني نبيناquot;.

ويوم السبت، دعا تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية إلى مزيد من الهجمات على البعثات الديبلوماسية الاميركية، كما حدث الأسبوع الماضي في بنغازي الليبية. ويقول فيليبسquot;سبب الاحتجاجات ليس الفيلم نفسه وحسب، بل أيضاً الجماعات الاسلامية التي لها مصلحة في إذكاء الصراع وتغذية ردود الفعلquot;.

شعبية خجولة

وتشير استطلاعات الرأي العام إلى أن الولايات المتحدة ما زالت لا تحظى بشعبية عالية في معظم أنحاء العالم الإسلامي، لأسباب تتراوح بين الدعم الأميركي للحكام الاستبداديين في السابق، والدعم الأميركي القوي لإسرائيل، اذ يعتبر العديد من المسلمين أن واشنطن لم تحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.

ونتيجة لذلك، فإنه يبدو من المعقول أن يتجلى هذا الاستياء في بلدان مثل مصر وتونس وأفغانستان، حيث أصبحت القدرة على التعبير السياسي أوسع في الآونة الأخيرة.

لكن هذه المشاعر ليست شاملة للجميع، إذ سارع القادة الجدد في ليبيا إلى إدانة الهجوم على القنصلية الأميركية، وزار عدد من المواطنين بنغازي لتقديم التعازي بالسفير الأميركي القتيل الذي اعتبروه quot;صديق ليبياquot;.

لكن فيليبس يقول إن الولايات المتحدة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار رد الرئيس المصري محمد مرسي الذي كان صامتاً على الاحتجاجات التي تستهدف المصالح الأميركية في مصر، إلى أن تحدث الرئيس باراك أوباما في نقاش شديد اللهجة عن واجبات مرسي الدولية، ومن ضمنها حماية البعثات الدبلوماسية.

ويقول فيليبس: quot;بعد وقت قصير أدار مرسي ظهره إلى الولايات المتحدة ولم يقدم اي تعليق أو خطوة تجاه الاحتجاجات المعادية لأميركاquot;، مضيفاً أن quot;مرسي لا يرى في مصلحته أو مصلحة جماعة الإخوان المسلمين أن يتخذ خطوة ضد الاحتجاجاتquot;.

تناقض الهجمات والربيع العربي

من جانبها تتحدث صحيفة quot;فورين بوليسيquot; الأميركية عن تناقضات الهجمات على السفارات الاميركية والربيع العربي، وتتساءل كيف يمكن المقارنة بين مفهوم الثورات العربية ومظاهر الاحتجاجات امام السفارات الاجنبية، وكيف حاصرت الجماهير الغاضبة الاسبوع الماضي السفارات الاميركية في كل من مصر وليبيا واليمن وتونس؟

ولا تمثل مهاجمة السفارات الوجه الحقيقي للانتفاضات العربية، ولا تعني أن الآمال للتغيير نحو الديمقراطية قد فشلت. لكن الازمة لم تنته بعد، فهناك اعداد قليلة من المتظاهرين الذين يواصلون تأجيج المشاعر الغاضبة المشتعلة في انحاء العالم، فيما يعمد السياسيون المتشائمون إلى دق طبول الغضب لإحياء فرصهم الضعيفة.

وتشير الصحيفة إلى الفرق الهائل بين أحداث العام 2006 والعام 2012 من حيث تجاوب السياسيين العرب والاميركيين مع سرعة الغضب. ففي هذا الاسبوع، قامت مجموعة كبيرة من الزعماء البارزين والمواطنين العاديين بالتنديد علناً بالهجمات التي تعرضت لها السفارات الاميركية.

وكانت معظم الاحتجاجات في البداية صغيرة الحجم، وباءت في معظم الاماكن بالفشل، وسبب ذلك جزئياً هو أن القوات الاسلامية الرئيسية قررت ان مصالحها تقضي بكبح جماح تصاعدها. وأكثر من ذلك، فهناك عدد مهم من الاصوات العربية التي اعربت عن سخطها من تنفيذ تظاهرات نتيجة فيلم تافه بدلاً من التنديد بالمذابح في سوريا أو تحديات التغيير المهمة في بلدانهم. والمثير للاهتمام أن اياً من هذا الوعي لم يكن موجوداً أو لم يتجلي في العام 2006.

وهذا لا يعني القول انه لم تكن هناك مشاعر متدفقة مؤيدة للجماهير الغاضبة التي كانت تنادي بـquot;الموت لأميركاquot;، فالسياسة الخارجية الاميركية لا تزال مستهجنة مثلما كانت في الماضي، ومشاعر الغضب بشأن الفيلم السخيف تبدو واسعة الانتشار.

الرسوم الدانماركية والفيلم

والمقارنة بين الرسوم الكاريكاتورية الدانماركية تساعد في بيان الفرق بين ما يمكن أن يكون فريداً في حد ذاته بالنسبة للانتفاضات العربية أو لسياسات إدارة الرئيس الأميركي باراك اوباما. وظهرت هذه الرسوم في عهد بوش، الذي كان يشن الحرب العالمية الشاملة على الارهاب في ذلك الوقت، ولا يزال تحتل العراق ويبعث رسائل قوية وحازمة في الإطار العسكري.

وبدأت انطلاقة الاسبوع الماضي المفاجأة كما بدأت أحداث الرسوم الدانماركية، لكنها ما لبثت أن اتخذت مسارات مختلفة. غير أن ما يثير الاهتمام هو ما حدث بعد ذلك، إذ برزت الاعتذارات والتنديدات بالهجمات من قادة منتخبين، ومظاهرات شعبية في عدد من الدول العربية ضد العنف.

واعتبرت الـ quot;فورين بوليسيquot; أن أعمال القتل في ليبيا لم تكشف عن معاداة الاميركيين الدفينة فحسب، وانما عن القصور المستمر في إمكانيات الدولة. وإذا تبين أن السفير الأميركي في بنغازي قتل في هجوم مخطط للقاعدة انتقاماً من مقتل quot;ابو يحيي الليبيquot;، فإن هذه النظرة تجد مكانة أكثر قوة.

الردود المناسبة... بالإتفاق

ولم يلبث المسؤولون الاميركيون والليبيون ان اتفقوا سريعاً على ان الرد المناسب هو تعاون أوثق لنزع سلاح الميلشيات وبناء دولة ذات فاعلية وإكمال عملية الانتقال نحو الديمقراطية.

ولم يقتصر هذا الرد في ليبيا فحسب، فقد صدر من منظمات غير حكومية وجماعات النشطاء في اليمن رغم العداء القوي تجاه السياسة الخارجية الاميركية والعداء الشعبي لنشر قوات المارينز لحماية السفارة.

وتعهدت الحكومة التونسية باتخاذ إجراءات مشددة ضد قادة الهجوم على السفارة في تونس. كما تبين أن الاحتجاجات في معظم الدول العربية كانت صغيرة وهامشية، وشارك فيها بضع مئات هنا وهناك وليس مئات الالاف. ولم تتحقق الاحتجاجات الواسعة التي كانت متوقعة يوم الجمعة، وما ان حل اليوم التالي حتى تضاءلت موجة العنف وعاد اله\وء إلى الشوارع. حتى يوسف القرضاوي، الذين قام بدور رئيسي في تأجيج الغضب تجاه الرسوم الدانماركية، ندد بالهجمات ضد السفارات.

واعتبرت الصحيفة أن أشد التحديات كانت في مصر، إذ أن السلفيين كانوا أول من نظم الاحتجاجات المنددة بعد بث مقطع من الفيلم على غحدى محطاتهم التلفزيونية. لكن الأعداد القليلة من المشاركين في اشتباكات العنف خارج السفارة في الأيام التالية كانوا في الغالب شباناً ليس لديهم عقيدة واضحة إلا كراهية الشرطة وهم ليسوا إسلاميين ولا نشطاء من ميدان التحرير، إنما فوضويون كانت لهم اليد الطولى في اشتباكات الأشهر الأخيرة من العام 2011.

ورأت الـ quot;فورين بوليسيquot; أن عدم وجود أي رغبة في مصر لمساندة الولايات المتحدة خلال الازمة، جعلها مناقضة للتعاطف الشعبي المتدفق من ليبيا الى اليمن. ولم تكن هناك كلمة رثاء للضحايا الاميركيين في القاهرة، إلا أن الرئيس محمد مرسي اعتذر فوراً عن اعمال العنف بعد أن قال أوباما إن مصر quot;ليست حليفة ولا عدوةquot;.