عبور حواجز التفتيش في حلب ليس بالمهمة السهلة. ومع تغيّر خطوط الجبهة يزداد الشبه بين مظهر مقاتلي المعارضة المسلحة وقوات الجيش النظامي. فهم يرتدون ملابس عسكرية واحدة، والمرء يشعر بالخوف سواء مرّ بهؤلاء أو أولئك.


الالتباس بات سهلاً بين جيش النظام والجيش السوري الحر مع تشابه اللباس

إعداد عبد الاله مجيد: أخيرًا اعلنت القنوات التلفزيونية الرسمية quot;تحرير حي صلاح الدين في حلب من العناصر الارهابيةquot;، على حد وصفها. واغتنم بعض المواطنين فرصة توقف القتال للبحث عن أحباء فُقدوا أو زيارة شققهم. وكان مقاتلو المعارضة المسلحة يدققون في هوياتهم، ويقتادون البعض لاستجوابهم، ولكنهم كانوا في الغالب يحاولون ثنيهم عن دخول ساحة القتال بسياراتهم.

وذات يوم عندما خفت حدة القتال بعد الظهر، وقف مراسل صحيفة الغارديان مع مجموعة من المقاتلين على أحد هذه الحواجز، حيث وصل شاب متورد الوجه يرتدي قميصًا ابيض نظيفًا بأكمام قصيرة وسروالاً أسود. جاء به الى النقيب ابو محمد مقاتل، قال إنه يعتقد أن اثنين من اقرباء هذا الشاب يعملان مع النظام.

استجوب النقيب الشاب صاحب الوجه المتورد بأدب حتى بات واضحًا أنه ظن خطأ أن ابا محمد ورجاله الذين يرتدون بدلات عسكرية هم جنود نظاميون.

وقرر النقيب أن يجاريه في وهمه، وسأله إن كان هناك مقاتلون من الجيش السوري الحر في المنطقة التي يريد العبور اليها. وأجاب الشاب: quot;هناك سيدي، وإذا كان لديك ما يكفي من الرجال، أستطيع أن أرشدك اليهم. واستطيع أن أؤكد أنني اعرف اماكنهمquot;.
نادى النقيب ابو محمد احد رجاله، قائلاً إنهم عثروا على quot;مواطن شريفquot; يمكن أن يساعدهم. وكان هذا المقاتل ايضًا يرتدي بدلة عسكرية، ولكن له لحية كثة، وعلى كمه شعار الجيش السوري الحر.

جفل الفتى وسأل quot;هل انتم ثوار سيدي؟quot;. اجاب المقاتل: quot;كلا ، كلا ، نحن نرتدي ملابس شبيهة بملابسهم لاختراقهمquot;. قال الشاب: quot;سيدي أُريد الانضمام اليكم ومساعدتكم على مقاتلتهمquot;. quot;عظيم. سنأخذ اسمك، وندربك لمدة اسبوعين، ويمكن أن نمنحك رتبة ملازمquot;.

وبدأ المقاتل الآخر يصور الشاب بهاتفه متظاهرًا بأنه يفعل ذلك للقناة التلفزيونية الرسمية. ومثل تلميذ يقف امام معلمه راح الشاب يردد لغة النظام الخطابية قائلاً quot;إن العناصر الارهابية هم الآن في المدرسة، وعددهم 56. سيدي أن 11 منهم فقط سوريون، وهؤلاء الارهابيون يرتكبون نشاطات ارهابية تروع الأبرياء. دخلوا بيتي، وأخذوا تلفزيوننا، وحاولوا أن يغتصبوا أمي. إنهم سائبون يسرقون البيوت ويغتصبون الصبيان والفتياتquot;.

انتهت المزحة عندما وجّه المقاتل صاحب الهاتف الخلوي لطمة قوية الى رقبة الشاب. وتجمد الفتى عندما ادرك هول المأزق الذي أوقع نفسه فيه. وتجمع مقاتلون آخرون. وحاول الفتى أن يغيّر قصته، ثم عاد وتراجع عنها ثانية، مدركًا أنه في ورطة كبيرة.

تدخل النقيب ابو محمد، وقاد الفتى الى حافلة قريبة، حيث طلب من احد المقاتلين حراسته. لكنّ لفيفًا من المقاتلين تجمعوا حول الحافلة، وانهالت لطمة أخرى على وجهه. كان واضحاً أن الفتى أُصيب بصدمة وارتباك، ولم يعرف من هم الذين وقع في قبضتهم. وكان يتذبذب بين التنديد بالجيش واستنكار الجيش السوري الحر.

اربعة رجال انزلوا الشاب من الحافلة، ولكن ابو محمد أكد عليهم بألا يضربوه. واقتاده الرجال الى مكتب يستخدمونه مهجعًا. وطغى الرعب للمرة الأولى على سحنة الشاب. ثم اقتاده اربعة مقاتلين الى غرفة اصغر، واغلقوا الباب وراءهم. وساد هدوء مقلق بين الرجال.

في البداية أركعوا المشتبه فيه، الذي بدأ يتوسل quot;سيدي، سيدي، كان خطأ مني. أرجوك سيديquot;. كان صوته مرتجفًا. وراح الرجال يعملون بصمت. وبدا أن كل واحد منهم يعرف تماماً ما يفعله. أمروا المشتبه فيه أن ينبطح على بطنه، ثم وضع احد المقاتلين قدمه على عموده الفقري، وسحب ذراعيه الى الوراء حتى بدأ يصرخ.

وركع مقاتلان آخران قرب قدميه وحشرا ساقيه بين بندقية الكلاشنكوف وحزامها الذي أخذا يبرمانه حول ساقيه لتقييدها بشدة. وثبت مقاتل رابع منكب الشاب على الأرض بقدمه واضعًا رأس حربته على مؤخرة عنقه.

ونبش مقاتل خامس محتويات دولاب الى أن عثر على سلك كهربائي، وجلس يبرمه ويلفه، الى أن اصبح السلك هراوة. وجلس مقاتل شاب سادس بيده قلم وورقة لتسجيل ملاحظات.

quot;سيدي ، سيدي ، انه خطأ ، حسبتكم جنوداً!quot; ، قال الشاب. quot;قل لنا من هم الشبيحة الذين تعرفهمquot; سأل الرجل الذي يصوب حربته على عنق الفتى.

quot;سيدي ، لا اعرف. انا مواطن اعتياديquot;. كان صوته ذا نبرة عالية يملؤه الرعب.

سحب الرجل الواقف على عموده الفقري ذراع الشاب، فيما راح الرجال الواقفون عند قدميه يضيقون حزام البندقية الذي يقيد ساقيه. صرخ الشاب.

quot;سأحكي ، سأحكيquot; ، قال الشاب لاهثًا.

اعطى الشاب اسماء عدة لمقاتلين سجلها صاحب القلم والورقة. وطلبوا اسماء أخرى فأعطاهم اسماء اخرى.

quot;أنت تكذب الآنquot;.

quot;سيدي ، أنا لا أكذبquot;.

وكان كل سؤال يطرحه المحقق يقترن بسحب ذراع الشاب وتشديد القيد على ساقيه وزيادة الضغط على الحربة المسلطة على رقبته. ثم رفع المقاتلون قدمي الشاب، ورفع مقاتل آخر السلك الكهربائي عاليًا، وهوى به على قدمي الشاب العاريتين. واصبحت صرخاته أشبه بالنحيب.

كان العرق يتصبب من وجوه معذبيه وهم منحنون يؤدون عملهم. وصرخ المقاتل صاحب السلك quot;هذا لكي تتذكرquot;.

quot;كفى ، سأعطيكم كل الأسماء التي تريدونهاquot;.

وعندما رفع المقاتل الشاب صاحب الورقة والقلم رأسه قائلا إن المشتبه فيه يكرر الأسماء نفسها، قفز الرجل الواقف على عموده الفقري وهبط على كلية الشاب. وبدأ يبكي، فبدأوا جولة أخرى من الضرب.

quot;لماذا لا تقول لنا ما نريد؟quot;

ولكن لم يكن هناك شيء يقوله يمكن أن يوقف الرجال الذين حوله.

وعندما انتهت محنة الشاب لذلك اليوم كانت الشمس تغرب.
وقال ابو محمد إنه متأكد من أن الشاب مخبول.

بعد ثلاثة ايام التقى مراسل صحيفة الغارديان احد معذبي الشاب، الذي لاح على وجهه تعبير عن الأسى. وقال quot;إن جميع الأسماء التي اعطاها لنا اسماء كاذبة لأشخاص لا وجود لهم. والآن اخذه الاسلاميون، وهم يحققون معه، ولا يسمحون لأحد برؤيتهquot;.