ندد مواطنون ومثقفون عراقيون بالإجراءات التي قامت بها أمانة بغداد في شارع أبي نواس أرقى شوارع العاصمة وأجملها، حيث بادرت إلى إزالة المئات من الأشجار، في محاولة منها لإنشاء شارع للتزلج بالعربات الصغيرة، وعدّ هؤلاء الرافضون هذا الإجراء بأنه تدمير متعمد للشارع وجمالياته.


ناشطون يتصدون لإزالة اشجار شارع ابي نواس

عبد الجبار العتابي من بغداد: اعتبر الكثير من البغداديين ما تقوم به أمانة بغداد من تدمير للشارع، الذي يعدّ من أرقى شوارع مدينة بغداد، محاولة لاغتيال الشارع وتفريغه من محتواه الحقيقي، حيث يعد من أجمل المناطق السياحية في بغداد، ويرتاده الشباب على الغالب، ولايمكن لزائر لبغداد إلا أن يمر بالشارع، ويتناول الأكلة العراقية الشهيرة (السمك المسكوف)، حتى قل إن من يقصد بغداد ولم يمر بالشارع فكأنه لم يزر عاصمة العراق.

فالأمانة، كما أكد عدد من الناشطين في منظمات المجتمع المدني، تقوم بمشروع غريب جدًا لا يتلاءم مع الشارع، من خلال مد شارع موازٍ بعرض 17 مترًا.

وذكر شهود عيان أن الأمانة قامت باقتلاع أكثر من 290 شجرة لتنفيذ هذا المشروع، الذي قيل إنه سيكون ملعب تزلج للهواة، فيما يؤكد البعض أن الغرض الحقيقي هو تدمير الهوية الحقيقية للشارع، الذي يهاجمه البعض لأنه (ماجن وسكير) وأن الشارع يحمل هذه الصفات، لذلك يريدون أن يفرغوه من محتواه.

وشارع أبي نواس هو الآن أرقى شارع في بغداد، وفيه حدائق غناء، ويأتيه الناس من أرجاء العاصمة المختلفة، يقع على الضفة الشرقية جهة الرصافة من نهر دجلة ويسير معها، يمتد بين جسر الجمهورية (جسر الملكة عالية سابقًا) في منطقة الباب الشرقي ومرورًا بالجسر المعلق في منطقة الكرادة الشرقية، وصولاً إلى منطقة الجادرية، حيث جسر الجادرية الذي تحده من الجهة الأخرى جامعة بغداد.

وقد سمي هذا الشارع باسم الشاعر أبو نواس، الذي توفي في بغداد سنة 198هـ، ويشتهر بكونه قبلة لزائري بغداد على مدى تاريخها الحديث، حيث تكثر فيه المقاهي الجميلة التي يمتد السهر فيها إلى الصباح، كما تكثر فيه دكاكين بيع السمك المسكوف على الطريقة العراقية.

تظاهرة احتجاج
يقول الكاتب ستار محسن علي: كنت هناك أنا وعدد قليل ممّن لبّى دعوتنا إلى التظاهر ضد ما تفعله الأمانة، رأينا الأشجار وهي تقطع، لحظتها تمنيت أن يقطعوا ساقي ولا يقطعوا شجرة، فتحولت حدائق أبي نواس إلى مجزرة لأشجار أعمارها أضعاف أعمار الطغاة، ومن المؤسف أن تكون الطريقة التي تم تنفيذ المشروع بها طالت شجرات.. أعمارها كبيرة جدًا، وكان على القائمين على المشروع تجنب قطع الأشجار.

واضاف: التقينا مع رئيس مجلس محافظة بغداد - الرصافة وبعض اعضاء المجلس البلدي، وكان موقفهم ايجابيًا في التصدي لهذا المشروع، كما أن موقف وزارة البيئة كان ضد المشروع، حيث أن مسؤولاً فيها قال متأسفًا (إن الامانة حكومة مستقلة)، نددنا من خلال بيان موجّه الى السلطتين التشريعية والتنفيذية وطالبنا بوقف عمليات قطع الاشجار، كان عليهم الاستعانة بـالتراب المسمى (الزميج) الذي تم بيعه الى مقاول بـ (9) ملايين دينار، ونقله الى جرف النهر على امتداد المسافة، وتنفيذ الشارع، بحيث لا يؤثر على ما هو موجود اصلاً من اشجار.

وختم بالقول: نعم .. لم نستطع ايقاف العمل بالمشروع (التدميري) إلا اننا شكلنا مصدر قلق للمفسد، وسنواصل مطالبتنا بإيقافه وإعادة دراسته من قبل مختصين.

اما المواطن سعد كاظم محمد، من اهالي الكرادة فقال: اعتقد أن هذه خطوة اولى لالغاء الشارع تمامًا، وجعله طريقًا عاديًا، ليس فيه سوى بعض الاشجار، ويعبره الناس من دون أن يلفت انتباههم، يعتقد اهل الحل والربط ممن قادتهم المصادفة الى حكم العراق أن هذا الشارع ما هو الا مساحة للهو والعبث، لا يعرفون سوى أن ابا نواس شاعر خمار، وأن تمثاله وهو يحمل الكأس يثير غرائزهم أو يستفزهم، لذلك وجدوا أن عليهم حرق الشارع بما فيه، مثلما حرق رأس النظام السابق الاهوار، الاثنان سيان، فلا سياحة ولا مناطق مشجرة ولا محطات استراحة، واعتقد أننا لا نتفاجأ اذا ما علمنا انهم سيبنون جامعاً كبيرًا أو حسينية كبيرة فيه.

واضاف: أن كارثة ستحل على بغداد الرائعة، بغداد الجميلة بشارع ابي نواس، الممتد على مساحة واسعة، ما اجمله وما اقبح الذين يخربونه، وليقطع الله اليد التي تقطع شجرة منه.

اما الناشطة المدنية المهندسة شروق العبايجي فقالت: لنرفع صوتنا مساهمة في الاحتجاج على قطع الاشجار في بغداد، نصرخ بكلمات الإحتجاج، يقول كل واحد منا: أنا شجرة لا تقطعوني ...! أوقفوا تدمير بغدادنا، أوقفوا تدمير بغداد، وقد انشأنا صفحة على فايسبوك، هي ليست مجموعة تأسست للمزيد من الخطب والتعليقات والبكاء على الأطلال، إنها مجموعة عملية تمتلك رؤية واضحة واستراتيجية منفتحة على كل التطورات، نحن هنا لا نبحث عن مؤيدين، بل عن مشاركين، اصبحنا في ايام قليلة 582rlm; عضواً، ونحن متأكدون أن كل المثقفين معنا وكل اهل بغداد معنا.

صورة قديمة لشارع أبي نواس

واضافت: العالم يحتفل باسبوع الغابات، ويدعو الى زراعة المزيد من الاشجار في كل انحاء الارض، وامانة بغداد تجز اعناق مئات الاشجار المعمرة على حدائق ابي نواس لإنشاء ممرات للمشاة والدراجات، كأنما ضفتا دجلة اكتملتا بالمنتزهات والمشاريع المتطورة، وبقيت هذه البقعة الاخيرة ليطوروها على طريقتهم المتخلفة، قطع الاشجار المعمرة على ابي نواس... والله عيب.

من جانبه، قال سعد الشديدي: الجرافات تدمّر شارع أبي نواس، إنهم يقلعون أشجاره.. وقفت على ضفاف دجلة منذ عشرات السنين، ويجرفوّن معها أجمل ما في بغداد، شارع أبي نواس ينزف تحت جنازير الجرافات التي تحوّله الى مكان قاحل، إنهم يدمرون مدينتنا، هل ينتظرون من أهالي بغداد أن يصمتوا هذه المرّة أيضاً؟، هل ستستمر بغداد في نومها أم ستنهض لتدافع عن وجودها كمدينة؟، هناك من لن يصمت، كونوا معنا لندافع سوية عن عروس المدائن وحاضرة الدنيا، لندافع عن ذكرياتنا وأحلامنا في بغدادنا.

وقال مكسيم جبار: تواجدنا هذا اليوم في شارع أبي نواس كان لتأكيد موقفنا الذي يدعو الى الحفاظ على هوية بغداد وطابعها العمراني، والمشروع الذي يجري على قدم وساق في أبي نواس سيؤدي الى تغييرات جوهرية في طبيعة المكان وقطع عدد كبير من الاشجار المعمرة والمساحات الخضراء التي تشكلّ جزءاً مهماً من هوية الشارع المميزة التي تمنح فضاء ومتنفساً لأهلنا البغداديين.
واضاف: وجودنا كان للوقوف الى جانب أعضاء المجلس البلدي للمنطقة، الذين حذروا من الاستمرار في هذا المشروع. كان أعضاء المجلس البلدي معنا في الموقع، ومنحونا تصوراً كاملاً عن حلقات المشروع، التي تسير واحدة بعد الأخرى، ووثائق عن سير المشروع ووجهات نظرهم التي أوصلوها الى الجهات المختصة، سنستمر معًا في العمل الدؤوب من أجل الحفاظ على مدينتنا وهويتنا المدنية العراقية.