بعد كل الجدل الذي أثير حول تلك العلاقة الخاصة التي كانت في أوجها في مطلع العام 2010 بين جمهورية إيران الشيعية المناهضة للولايات المتحدة من ناحية وبين تركيا العلمانية ذات الغالبية السنية المنتمية إلى عضوية حلف الناتو والمتطلعة إلى الالتحاق بالاتحاد الأوروبي من ناحية أخرى، حيث كانت تحتاج تركيا إيران كي تحصل على الوقود والأمان والنفوذ، بينما كانت تحتاجها إيران لمواجهة العزلة المتزايدة التي تتعرّض لها من قبل النظام الغربي، بدأت تثار تساؤلات الآن بخصوص الأمور التي طرأت على تلك العلاقة شديدة الخصوصية خاصة خلال الأشهر القليلة الماضية.


هذا ما أرجعته تقارير صحافية إلى موقف كل منهما من الأزمة في سوريا، حيث ذكرت صحيفة هفنغتون بوست الأميركية أن الخلافات المتنامية بينهما على ما يبدو بشأن سوريا ndash; والتي تفاقمت نتيجة الإحباطات من وتيرة وطريقة إدارة المفاوضات النووية ndash; لم تجمد فحسب أوجه التعاون بين تركيا وإيران بخصوص قضايا إقليمية بارزة، بل عملت في الوقت عينه أيضاً على وضع القوتين على مسار تصادمي.

وأوضحت الصحيفة أن الشراكة بين إيران وتركيا لم تكن مغازلة فارغة، خاصة منذ انتخاب حزب العدالة والتنمية الإسلامي في تركيا. كما إنها كانت علاقة مزدهرة ومتعددة الأوجه، حيث غطّت مجموعة من القضايا، التي تتراوح ما بين التجارة والأمور المالية والطاقة، وكذلك التبادلات الثقافية والتعاون السياسي والأمني، لاسيما بخصوص القضية النووية، وكذلك التسلح الكردي على الحدود المشتركة مع العراق.

وقد تورّطت الدولتان بخصوص القضية الكردية في سلسلة من العمليات الاستخباراتية والعسكرية المشتركة، والأكثر أهمية أن تركيا شاطرت اهتمام إيران المتعلق بتفادي مواجهة عسكرية محتملة أخرى في المنطقة بشأن برنامج طهران النووي.

مع هذا، لعبت الأمور الاقتصادية دوراً بارزاً في تعزيز العلاقات الثنائية، وخاصة أن إيران تحظى بأهمية بالنسبة إلى تركيا التي يواجه اقتصادها مخاوف حقيقية بشأن أمن الطاقة.

لكن بحلول منتصف 2011، بدأت العلاقات الثنائية تتخذ نقلة نوعية بصورة تدريجية. وبتعرّضها لضغوط غربية متزايدة، بدأت تركيا تندفع في إبعاد نفسها عن إيران، التي تتعرّض لحصار على نحو متزايد، بينما ثبت أن اللغز النووي مستعص للأبد.

هذا فضلاً عن موافقة إيران على وضع درع صاروخي دفاعي تابع لحلف الناتو، بهدف تحييد تهديدات إيران الباليستية، كما هو ظاهر، ومن ثم إبطال أهم جوانب الردع التكتيكي الإيراني في مواجهة الهجوم الإسرائيلي- الأميركي من الناحية العملية.

وهو ما ردّ عليه الجنرال أمير علي حاجي زاده، قائد قطاع الطيران في الحرس الثوري الإيراني، بقوله quot;إذا تعرّضنا لتهديدات، فإننا سنقوم بمهاجمة درع الدفاع الصاروخي التابع لحلف شمال الأطلسي في تركيا، ومن ثم سنهاجم الأهداف التاليةquot;.

ثم تلا ذلك حادث آخر، ألقت خلاله أجهزة الاستخبارات الأمنية الإيرانية موقتاً القبض على ثلاثة أكاديميين أتراك، ثم قامت باستجوابهم، بعدما وجّهت إليهم تهمًا بالتجسس.

وإثر ضغوط من جانب الولايات المتحدة، خفضت أنقرة وارداتها النفطية من إيران بنسبة تصل إلى 20 % وأبدت حماسة محدودة لكي تكون بمثابة وسيط مالي، لكي تنهي صفقات نفطية تجارية لإيران بمليارات الدولارات مع دول مثل الهند، لتساهم بذلك بصورة فعلية في ذلك الحصار الاقتصادي المفروض على إيران.

حتى جاءت الأزمة الأخيرة في سوريا، التي يفترض أنها المحور الاستراتيجي في العلاقات التركية الإيرانية، لتقصم ظهر بعير الصداقة، التي كانت قائمة بين إيران وتركيا.

بعدها بدأت بعض المناوشات تحدث في ما بين الطرفين، وهو ما أدى إلى تواصل توتر العلاقات بينهما بصورة تصاعدية. وختمت هفنغتون بوست حديثها بالقول إنه واستناداً إلى الطريقة التي سينتهي بها الصراع السوري، وكذلك الآلية التي سيسير وفقها برنامج إيران النووي، فإن المواجهة بينهما قد تدخل مرحلة جديدة بعد ما يقرب من عِقد على التقارب، حيث وجدا نفسيهما أخيراً على طرفي نقيض.