تغادر التلميذة الباكستانية المستشفى البريطاني، حيث تلقت العلاج بعد تعرضها لمحاولة قتل بالرصاص، بينما يستمر المتطرفون الباكستانيون في حملتهم القاتلة محولين بنادقهم نحو العاملين الصحيين وأساتذة المدارس.
لميس فرحات من بيروت: بعد علاج استمر شهرين ونصف الشهر، غادرت الناشطة الباكستانية ملالا يوسفزاي، التي اعتدى عليها عناصر من حركة طالبان، المستشفى وانضمت إلى ذويها في بريطانيا.
وتستعد ملالا، التي نددت عبر تدويناتها بانتهاك حركة طالبان باكستان حقوق الفتيات وحرمانهن من التعليم، لمتابعة دراستها في المنزل الموقت لعائلتها في بريطانيا.
الوضع التعليمي والاجتماعي في باكستان لم يتحسن، خصوصًا بالنسبة إلى المعلمين والعاملين في مجال الصحة في قرية شير أفضال بندا، حيث يواجه هؤلاء مخاطر عدة، ويتربص بهم الموت في رحلتهم اليومية إلى العمل.
الموت في رحلة روتينية
في صباح كل يوم، تتوجه حافلة صغيرة تابعة لجمعية quot;دعم وحلول العاملquot; الخيرية إلى تقاطع على طريق رئيسي في البلدة، حيث يتجمع عاملون في مجال الصحة وأساتذة مدارس استعدادًا لنقلهم إلى مراكز عملهم.
تحولت هذه الرحلة الروتينية إلى سباق مع الموت، إذ تعرضت الحافلة إلى كمين مسلح أدى إلى مقتل تسعة اشخاص.
يقول زين الهادي: quot;كانت نائلة تتوجه إلى عملها يوميًا ولم تكن تعلم أن الخطر يتربص بهاquot;، متحدثًا عن زوجته نائلة (28 عامًا)، التي كانت تقود فريقًا لتقديم الرعاية الصحية الأساسية لنحو ألفي شخص، يعيشون في بيوت طينية في قرية تقليدية في محافظة خيبر بختون خوا الباكستانية.
يروي الزوج المفجوع أنه تحدث إلى نائلة بعد ظهر يوم الثلاثاء، عندما اتصلت به لتؤكد أنها ستصل في الوقت المعتاد، وطلبت منه اصطحابها إلى المنزل.
بعد ثلاثين دقيقة فقط، كانت نائلة وستة أشخاص آخرين، معظمهم من النساء المحجبات، في عداد الأموات، بعد أن قتلهم مسلحون مجهولون استهدفوا حافلتهم.
كان الحادث المروع إنذارًا جديدًا للنشطاء في باكستان ليكونوا أكثر حذرًا تجاه الوحشية المتزايدة التي تستهدف المدنيين.
بلا رحمة
مثل أجزاء أخرى كثيرة من البلاد حيث تعيش جماعة البشتون، كان لمقاطعة سوابي نصيبها من المعاناة بسبب التشدد. أحد ضحايا الحافلة التي استهدفها المتطرفون ممرض يدعى أمجاد علي، نقل مقر إقامته من كراتشي عائدًا إلى منزل عائلته في البلدة، خوفًا على سلامته في المدينة الساحلية التي مزقتها الصراعات.
لكن التطرف كان في انتظاره على طريق العودة، إذ ترصده المسلحون وأطلقوا عليه النار فأصيب برصاصة في صدره، لكنه نجا منها بأعجوبة.
نجا ثلاثة أشخاص من الموت، يقولون إن المسلحين لم يظهروا شعورًا بالرحمة سوى تجاه طفل في الرابعة من عمره، وهو ابن نائلة التي توسلت أن يرحموا ابنها، فأخرجوه من الحافلة قبل أن يطلقوا النار على الركاب.
وطلب المسلحون الهواتف النقالة من الركاب، لكنهم أطلقوا النار من خلال نوافذ الحافلة قبل أن يتسلموا الأجهزة.
تلقى أقارب النساء الست والرجل مكالمات هاتفية تفيدهم بأن زوجاتهم وبناتهم أُصبن بجروح خطيرة، ويجب أن يحضروا على الفور. وحتى اليوم، ما زال الجميع في حال من الصدمة الكبيرة.
استهداف غير متوقع
يقول عمارة خان: quot;عندما قتل مسلحو طالبان الفريق الطبي الذي كان يقوم بتطعيم الأطفال ضد الشلل، شعرت أن ابنتي ستكون مستهدفة بدورهاquot;. وخان هو والد شورات (28 عامًا) التي تدرّس في المدرسة القديمة في شير افضال بندا.
أضاف: quot;على الرغم من شعوري بالخطر الذي يهدد حياة ابنتي، لم أتمكن من إرغامها على ترك وظيفتها، وهي المعيل الوحيد لأسرتهاquot;.
quot;ما الذي تحاول تحقيقه؟ لا أعرفquot;. هذا ما قاله حسين والي، والد راحيلا (25 عامًا)، المدرّسة التي كانت تستقل الحافلة مع زميلاتها، مشيرًا إلى أن أحدًا لم يتوقع استهداف النساء والمدرسين والعاملين في مجال الصحة.
يوم الجمعة، زعمت الشرطة أن أحد الجناة فجّر نفسه بعد محاولة لإلقاء القبض عليه. يأتي الحادث الذي وقع في سوابي بعد مقتل تسعة أشخاص يعملون في فرق تدعمها الامم المتحدة لمكافحة شلل الأطفال خلال سلسلة من الهجمات في الشهر الماضي.
... أنت هدف!
كانت الشابة الباكستانية ملالا يوسفزاي (15 عامًا) ضحية اعتداء في 9 تشرين الأول (أكتوبر) نفذته عناصر طالبان، ردًا على نضال الشابة لفتح أبواب الدراسة للفتيات.
قال رحيم الله يوسفزاي، الصحافي في بيشاور: quot;الامور تتغيّر، فما يحدث اليوم لم يكن له مثيل في السابقquot;، مشيرًا إلى أن المتطرفين يستهدفون المساجد والجنازات والقبور والمعلمين والعاملين في مجال الصحة.
يقول يوسفزاي إن النشطاء في باكستان والعاملين في المنظمات الخيرية أصبحوا أهدافًا للعنف المسلح: quot;إن كنت تعمل لدى منظمة غير حكومية، فهذا يعني أنك تحصل على التمويل من الغرب، وأنك تحاول تغيير التقاليد والعادات المحلية، أي أنت علماني، وبالتالي أنت هدف لهمquot;.
يتحدى سكان شير أفضال بندا التطرف، ويقولون إنهم يريدون إعادة فتح المدرسة في أقرب وقت ممكن. ويدرس جاويد أختار، المدير التنفيذي لجمعية quot;دعم وحلول العاملquot; الخيرية، إمكانية تعيين حراس لحماية موظفيه. ومثل معظم العمال في المجال الإنساني، يكره أختار فكرة استخدام البنادق، لكنه لا يرى بديلًا.
يقول: quot;ملالا على قيد الحياة، لقد نجت من الموت وهذه هزيمة كبيرة للمتطرفين، لكنهم يريدون الانتقام الآن، ويريدون قتل المزيد من مثيلات ملالاquot;.
التعليقات