لا تقتصر أهوال الحرب السورية على المدافع والرصاص، إذ يتنكر الموت بأشكال عديدة غير البارود، سواء بالأمراض التي تتغذى على الجثث وتنهش أجساد الأطفال أو الفيروسات التي تنتشر في ظل غياب الرعاية الصحية.

سوريا التي تئن تحت الحديد والنار تشهد ظروفًا صحية صعبة وخطيرة، فحالات شلل الأطفال في البلاد تدق ناقوس الخطر، والفيروسات بما فيها الطفيليات آكلة اللحم التي تتغذى على ضحايا الحرب الأهلية المستعرة. وبعد غياب طويل، عاد شلل الأطفال إلى سوريا، في حين أن الأمراض الخطيرة الأخرى في ازدياد، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية التي سجلت أول ظهور مشتبه به لشلل الأطفال في البلاد منذ 14 عامًا، ما يجدد التحذيرات من انهيار الرعاية الصحية. ويقول الأطباء في سوريا إنهم لاحظوا ارتفاعًا في حالات التيفوئيد والتهاب الكبد، والطفيليات آكلة اللحم، إلى جانب داء الليشمانيا، ويلقون باللوم جزئيًا على عدم القدرة على إدارة برنامج التلقيح السليم وسوء الأحوال المعيشية التي تصعب فرص الحصول على الرعاية الصحية اللازمة.
ظهور الشلل
نقلت صحيفة تليغراف البريطانية عن الطبيب أوليفر روزنباور، من المبادرة العالمية لمنظمة الصحة العالمية لمكافحة شلل الأطفال، قوله إن نحو 22 طفلًا في محافظة دير الزور بشمال شرق سوريا يعانون من أعراض شبيهة جدًا بمرض شلل الأطفال. أضاف: quot;لا نزال بحاجة للتأكيد النهائي من المختبر، لكن جميع المؤشرات تدل على شلل الأطفالquot;.
ووباء شلل الأطفال مرض شديد العدوى، يغزو الجهاز العصبي ويمكن أن يسبب الشلل في غضون ساعات، وهو ينتشر في البلدان المنكوبة في جميع أنحاء العالم، حيث يؤدي إلى إصابة مئات الآلاف من الأطفال والبالغين بعجز دائم. برامج التلقيح خفضت هذه الحالات بشكل كبير، في حين تهدف منظمة الصحة العالمية إلى استئصال هذا المرض بشكل نهائي. وانخفض عدد هذه الحالات في القرن الماضي في جميع أنحاء العالم من 350 ألف حالة في العام 1988 إلى 223 في العام الماضي، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.
عودة تفشي هذا الوباء في دير الزور هو الأول منذ العام 1999 في سوريا، ويشير روزنباور إلى أن المنظمة قلقة من عودة هذا المرض إلى البلاد. وأضاف: quot;طالما هناك شلل أطفال في مكان واحد، فهذا يعني أن الدول في جميع أنحاء العالم معرضة للخطر، وهذه مأساة كبيرة لأنه لا يوجد علاج لهذا المرض، والسبيل الوحيد للتصدي له هو من خلال اللقاحاتquot;.
أمراض متفشية
اشارت تليغراف إلى أنه يكاد يكون من المستحيل على الأطباء تنفيذ حملة لقاحات ضد هذا الوباء، لا سيما في دير الزور، وأجزاء أخرى من البلاد التي تتعرض للقصف المستمر والغارات الجوية، أو في ظل غياب القانون وانتشار عمليات الخطف.
وخلصت دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية في وقت سابق من هذا العام أن ما لا يقل عن 35 بالمئة من المستشفيات العامة في البلاد تضررت أو دمرت في الصراع، وأنه في بعض المناطق أدى القصف إلى فرار ما يصل إلى 70 بالمئة من العاملين في مجال الصحة.
وفي الأشهر الأخيرة، وضعت منظمة الصحة العالمية نظام الاستجابة للإنذار المبكر، المصمم لتحديد احتمال تفشي الأمراض الخطيرة في سوريا، وفقًا لطارق جساريفيك، المتحدث باسم المنظمة. قال: quot;لدينا 291 مقدم الخدمات الصحية العامة في المناطق الحكومية، وتلك التي تسيطر عليها المعارضة، من أجل الإبلاغ عن أي اشتباه بهذا الوباء، وحتى الآن كشف الخبراء عن إصابات التهاب الكبد، وداء الليشمانيا والتيفوئيد والحصبةquot;.
انتشار الليشمانيا
أما في مدينة حلب التي مزقتها الحرب، أدت حرارة الصيف جنبًا إلى جنب مع الشوارع المليئة بالقمامة التي تفوح منها روائح كريهة إلى انتشار داء الليشمانيا بشكل رهيب. وسجل الأطباء عشرات آلاف الحالات من أمراض المناطق المدارية، التي تنتقل بواسطة ذباب الرمال، وتسبب تقرحات جلدية تشبه الجذام.
يشار إلى أن النزوح الجماعي للمدنيين السوريين الفارين من الحرب يزيد من مخاطر الإصابة بالأمراض، على الرغم من أنه يتم استئصالها من خلال التطعيم ما أن يصل هؤلاء إلى الدول المجاورة.
وأشار علاء كاربينكو، مسؤول اتصالات مع منظمة أطباء بلا حدود، إلى أن المنظمة قد سجلت حالات داء الليشمانيا لدى سوريين في لبنان في حين أن مرض الحصبة الذي بدأ في شمال سوريا يظهر الآن بين اللاجئين في لبنان.