أتت سياسة التشدد والصرامة، التي تعاملت بها السلطات الكويتية مع فئة المقيمينغير محددي الجنسية (البدون)، أكلها، إذ كشف آلاف منهم عن جنسياتهم الحقيقية، بعدما أيقنوا أن إنتظار الجنسية الكويتية بالحيلة لم يعد مجديًا.


عامر الحنتولي: تحقق الحكومة الكويتية منذ أشهر إنتصارات سياسية معنوية ومادية في موضوع فئة المقيمين بصورة غير شرعية، وهم من أصطلح على تسميتهم بفئة quot;البدونquot; في الداخل الكويتي، آخرها الإنتصار الحكومي على خصوم سياسيين داخليًا وخارجيًا كانوا يرهقون الحكومة بتفاعلات دولية مستمرة لموضوع البدون.

فقد بادر نحو 6 آلاف فرد من هذه الفئة التي تقدرها أوساط كويتية بنحو 150 ألفًا إلى إظهار جنسياتهم الحقيقية التي أخفوها منذ عقود، على أمل أن تمل السلطات فتبادر إلى تجنيس جميع أفراد هذه الفئة بالجنسية الكويتية.

ويبدو أن صرامة التعليمات الخاصة بالتعاطي مع هذه الفئة قد دفعت الآلاف لإخفاء وثائق الجنسية الحقيقية، وهي مختلفة بين إيرانية وفلسطينية وعراقية ويمنية، إلى بعض الجنسيات الخليجية الأخرى.

براهين حكومية

بحسب تقديرات حكومية وإنطباع أوساط سياسية وإعلامية كويتية مُواكبة لقضية البدون، فإن الآلاف ممن لا يمتلكون إحصاء عام 1965 سيبادرون إلى الإعلان عن جنسياتهم الحقيقية، إذ كانت المؤسسات السيادية الكويتية تقول في تقاريرها أمام الهيئات والمنظمات الدولية إن جزءًا كبيرًا من البدون يمارسون إحتيالًا ثابتًا في مسألة المزاعم في عدم إمتلاكهم وثائق تخص جنسياتهم الحقيقية.

وتبدو الحكومة الكويتية اليوم تملك براهين على أن ما قدمته من معلومات في السنوات الأخيرة لم يكن مزاعم حكومية، وأن أعداد البدون الذين سيبادرون إلى كشف جنسياتهم الحقيقية قد تكون ضخمة في المرحلة المقبلة.

تقول مها الشمري، وهي أحد البدون ممن يصرون على أن عائلاتهم لا تُخفي أي وثائق سفر على الإطلاق، لـquot;إيلافquot;: quot;لا أعرف ولا والدي كذلك وطنًا غير الكويت، ونحن بالكاد حصلنا قبل نحو عام على بطاقة حكومية تعطينا حق الحصول على شهادات الزواج والولادة، وتطعيم أطفالنا في المراكز الصحية الحكومية، إذ كنا قبل ذلك نعيش مأساة إنسانية حقيقية، وسط تراخٍ رسمي يبدو متعمدًا لمنع حل هذه الأزمة الإنسانيةquot;.

وتؤكد الشمري أن السلطة لا تمتلك مشروعًا للحل، وتنظر إلى جميع البدون على أنهم يمارسون الإحتيال عبر إخفاء جنسياتهم الحقيقية، والحصول على الجنسية الكويتية، متسائلة عما إذا كان معقولًا لمن يمتلك جنسية غير الكويتية أن يحتمل كل هذا العقاب الجماعي، ولا يُخرج جنسيته الأصلية.

إحصاء 1965

قبل سنوات، فرزت حكومة الكويت عشرات آلاف البدون إلى فئتين، إستنادًا إلى قرار مركزي للحكومة بالإحصاء السكاني عام 1965 كمعيار أساسي للتقييم.

فمن كان يقيم على أرض الكويت وقت إجراء هذا الإحصاء، وكان مشمولاً فيه، ثم إستمر في إقامته بعد هذا العام يعتبر مستحقًا ومن يتبعه من الأصول للجنسية الكويتية، بينما على من لا يملك هذا الإحصاء المسارعة إلى تصحيح أوضاعه، وصحيح القانون، في إشارة ضمنية إلى ضرورة إخراج الجنسية الأصلية، لمعاملته كمقيم بصورة شرعية على أراضي الكويت، لكن المأزق الحقيقي قد تمثل في أن السلطات الكويتية قامت بتعويم لاحق لهذه القضية، عبر الإستنكاف عن تسريع وتيرة تجنيس المستحقين، إضافة إلى عدم تصديها لمن لم يصححوا وضعهم القانوني، ما أبقى القضية معلقة على وقع معاناة إنسانية.

ويقول حمد سالم إنه ممن يحملون إحصاء عام 1965، وإن قرارًا صدر في العام 1999 بتجنيس 2000 مستحق للجنسية كل عام، quot;إلا أن ما حصل أن دفعة واحدة جرى تجنيسها، فيما خضعت دفعات أخرى للتعطيل، واللعب والتزوير، إذ أن قرار تجنيس 2000 السنوي بدلًا من أن يكون خاصًا بالبدون، أصبح مدخلًا لتجنيس أبناء جنسيات أخرى، الأمر الذي دفع البرلمان إلى إيقاف القرار، ما فاقم المعاناة الإنسانية، وترك دليلًا دامغًا على أن السلطة غير جادة في موضوع الحل، ولو طبق قرار تجنيس 2000 شخص منذ العام 1999 لكنا أمام الإنتهاء من ملفات 50 ألفاً من البدون على الأقل.

مسار جديد للحل

ورغم دخول قضية نحو 150 ألفًا من بدون الكويت دوامات وخضات عدة في العقدين الأخيرين، على وقع قرارات ومراسيم بقيت حبرًا على ورق، فإن الثابت حتى الآن أن الحكومة الكويتية، وخلافًا للتخبط السياسي المتكرر في السنوات الماضية، باتت تمتلك رؤية وحلًا عبر تفعيل نصوص قانونية تخص فئة البدون، تمهيدًا لحل هذه القضية نهائيًا.

وذلك يتم عبر وضع مسارات جديدة لحل هذه القضية بالغة التعقيد، والتي بدأت تحرج الكويت في المؤسسات الدولية، خصوصًا أن العديد من النخب المثقفة داخل فئة البدون أجرت إتصالات مؤثرة مع فعاليات دولية معنية بحقوق الإنسان، وهو الذي أوجد نوعًا من الضغط الدولي على الحكومة الكويتية، لوضع خطة عمل تنهي هذه المأساة الإنسانية.