يتناقص عدد المسيحيين في العراق يومًا بعد آخر بسبب أعمال العنف التي تشهدها البلاد، والتي يستهدف جزء منها المسيحيين بشكل خاص، ولا تلقى دعوات عدم مغادرة العراق آذاناً صاغية لدى الكثير من المسيحيين الذين حزموا حقائبهم بالفعل ويستعدون للمغادرة.

بغداد: ينتظر اوشاليم بنيامين الذي يمسك بالهاتف ويضع على ركبتيه حقيبة صور، أن يغادر العراق وهو يتأمل بعض ذكريات حياته التي كانت سعيدة مع ابناء الطائفة المسيحية التي يتناقص عدد افرادها يومًا بعد يوم.
وينتظر هذا المواطن البغدادي الذي يبلغ الرابعة والسبعين من عمره، اتصالاً هاتفيًا يفيده بأنه يستطيع الالتحاق بعائلته في الولايات المتحدة ويترك بدوره طائفته المسيحية التي يرقى وجودها في العراق الى ألفي عام وتناقص عدد افرادها الى النصف منذ الاجتياح الاميركي في 2003.
ودعا بطريرك بابل للكلدان مار لويس روفائيل الاول ساكو الذي سيشارك في لقاء بين مسؤولي كنائس الشرق الاوسط والبابا فرنسيس الخميس، المسيحيين الى ألا يهربوا وانتقد البلدان الغربية التي تعطيهم تأشيرات.
لكنّ عددًا منهم يقول إنهم باتوا مضطرين للهرب لأن اندلاع اعمال العنف في الوقت الراهن قضى على الامل في تثبيت الاستقرار بعد التحسن النسبي للوضع الامني ابتداء من 2008.
واكد بنيامين وهو متقاعد يتحمل مسؤولية فتاة مريضة في الثالثة والثلاثين من عمرها quot;لو كنت قادرًا لغادرت منذ اليومquot;.
ويتبين من صوره بالاسود والابيض أنه كان شاباً وسيمًا يعزف على الاكورديون، ومن هواة القفز العالي بالعصا. ولقد عمل موظفاً في الحكومة وتزوج وانشأ عائلة. لكن هذه الحياة السلمية قد ولت.
واذا كان مسيحيو العراق نادراً ما يتعرضون اليوم لأعمال عنف، كما كانوا في ذروة الازمة الطائفية في 2006/2007، الا أن الهجمات اليومية والقنابل جعلت حياتهم جحيماً.
وقال بنيامين الذي التقته وكالة فرانس برس في منزله بالدورة: quot;قبل ثلاثة ايام فجروا سيارة في الشارع. وهذا النوع من الحوادث يحملنا على المغادرةquot;.
ويبذل البطريرك ساكو قصارى جهده لمنع اغراءات الهجرة. وقال لوكالة فرانس برس: quot;هذه ارضنا. نحن هنا منذ الفي عام، لدينا تاريخنا وهويتناquot;.
واضاف: quot;نحن ايضاً مواطنون عراقيون، ولدينا دور للاضطلاع بهquot;، مشيرًا الى أنه يدعو رعيته الىquot;الصبر والحفاظ على الامل من اجل المستقبلquot;.
ويعرب بنيامين عن اعتقاده أن هذه الكلمات لا تنطوي على أي معنى. وقال quot;فليأتِ مكاننا ... وسيقرر عندئذ ما اذا كان يجب أن نهاجر أم لا، هو يعيش في مكان آمن، وليس كما نعيش نحن في الشوارعquot;.
واضاف هذا السبعيني: quot;عشنا اوقاتًا رائعة في العراق عندما كان الوضع الامني جيدًاquot;. وقال: quot;لكن هذه الايام الجميلة قد تلاشت في الوقت الراهن. نعيش في سجنquot;.
وكان اكثر من مليون مسيحي يعيشون في العراق قبل عشر سنوات، اما عددهم اليوم فيناهز 400 الف، كما يقول البطريرك ساكو.
وشهدت العاصمة التي كان عدد المسيحيين فيها 600 الف، هجرة حقيقية. ففي الدورة جنوب بغداد، تراجع عدد المسيحيين من 150 الفًا في 2003 الى الفين، كما يقول كاهن اشوري هو رئيس الشمامسة تيماتيوس ايشا.
وفي كنائسه السبع، لم يعد فيها سوى كاهنين.
وعائلة الاب ايشا استقرت في عنكاوا احدى مدن كردستان العراقية، وهي منطقة للحكم الذاتي استثنتها اعمال العنف بصورة نسبية.
وقال هذا الكاهن: quot;احياناً ارغب في الهجرة ... لكن واجبي يقضي بأن أبقى هنا مع المسيحيين حتى يشعروا أن الامور ستجري على ما يرامquot;.
وتقول المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إن الهجرة بلغت ذروتها في اعقاب هجوم شنته القاعدة على كنيسة في بغداد في تشرين الاول/اكتوبر 2010، ولقي فيه 44 شخصًا وكاهنان مصرعهم. ومنذ الاجتياح الاميركي، تعرضت 61 كنيسة لاعتداءات وقتل حوالي الف مسيحي، لكن ليس جميعهم في هجمات متعمدة، كما قال البطريرك ساكو.
وكلما فرغت بغداد من مسيحييها، ازداد في عنكاوا عدد المسيحيين الذين يوشكون أن يحولوا هذه القرية الكردية الصغيرة قرية مسيحية.
وفي احدى كنائسها الثلاث، يجرى الاحتفال احدى عشرة مرة بقداس الاحد، وتريد السلطات بناء ثلاث كنائس اضافية، كما يقول الاسقف الكلداني بشار وردة، لأن الامل في العودة ضعيف. ويقول إن quot;99% من العائلات المقيمة في عنكاوا لا تفكر في العودةquot; الى مدينتها الاصلية.