تم اتفاق طهران والعالم الغربي في جنيف حول تسوية لبرنامج إيران النووي، لكنه اتفاق أولي لستة أشهر، يوقف التخصيب ما فوق 5 بالمئة ويخفف العقوبات الاقتصادية، ويستمر التفاوض على صيغة نهائية شاملة.
ما زالت أصداء الاتفاق النووي الذي توصلت اليه مجموعة 5 + 1 مع إيران تتردد في انحاء العالم بتعليقات وتحليلات ومعالجات وآراء متباينة في الحكم على الاتفاق، الذي كان حصيلة اسابيع من المفاوضات الدبلوماسية في جنيف. وتتركز محاكمة الاتفاق بمثالبه وإيجابياته، بحسب الجهة التي تحاكمه، على دلالاته لإيران والعالم أجمع.
ما هو الاتفاق؟
انه اتفاق مدته ستة اشهر بين إيران والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين، زائد المانيا. تعهدت إيران في الاتفاق بألا تخصب ما لديها من يورانيوم فوق 5 بالمئة، وستحيِّد اليورانيوم الذي خصبته بنسبة 20 بالمئة، وذلك بخفض تخصيبه إلى 5 في المئة.
وستفتح إيران منشآتها لمراقبة يومية يمارسها مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما وافقت إيران على التباطؤ بدرجة كبيرة في بناء مفاعل آراك للماء الثقيل، القادر على انتاج البلوتونيوم الذي يمكن استخدامه في انتاج سلاح نووي.
مقابل هذه الالتزامات، تمتنع القوى الدولية عن فرض عقوبات جديدة على إيران لمدة ستة أشهر، فضلًا عن تخفيف بعض العقوبات المفروضة على البتروكيميائيات وتجارة الذهب ومعادن ثمينة أخرى. كما ستفرج القوى الدولية عن 4 مليارات دولار من عائدات النفط الإيرانية المجمدة في بنوك اجنبية. لكن الاتفاق لا يلزم إيران بتفكيك أي من اجهزة الطرد التي تستخدمها في تخصيب اليورانيوم، أو تدمير ما لديها من معدات تخصيب.
وحرصت الولايات المتحدة على أن تؤكد أن الاتفاق موقت، quot;ولا يمثل حالة نهائية مقبولة سواء للولايات المتحدة أو شركائنا في 5 + 1quot;، كما قال بيان البيت الأبيض بعد اعلان الاتفاق. ويرى الرئيس الأميركي باراك اوباما أن الاتفاق يعطي الطرفين مهلة للعمل من اجل اتفاقية نووية دائمة وشاملة.
ما أهمية وقف التخصيب أعلى من 5 بالمئة؟
تحتاج إيران إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 90 بالمئة لانتاج سلاح نووي. ولدى إيران مخزون من اليورانيوم غالبيته مخصب بنسبة 3 أو 5 بالمئة. ويُستخدم اليورانيوم المخصب في هذه الحدود لتشغيل مفاعلات نووية ذات اغراض علمية ومحطات طاقة مدنية. وهذا هو هدف إيران المعلَن من برنامج تخصيب اليورانيوم الذي تنفذه. لكن موضع الخلاف هو كمية أصغر من اليورانيوم تخصبها إيران إلى حدود 20 بالمئة.
ويبقى اليورانيوم المخصب 20 بالمئة دون المستوى المطلوب لانتاج قنبلة نووية، لكن عملية التخصيب بنسب أعلى وصولاً إلى 90 بالمئة لانتاج سلاح نووي تكون أسهل نسبيًا بالانطلاق من 20 بالمئة. وكان انتاج يورانيوم بنسبة تقرب من الأغراض التسلحية مصدر توتر شديد خلال المفاوضات، رغم أن إيران تؤكد أنها لن تستخدم مخزونها المخصب بهذه النسبة لأغراض عسكرية.
كيف وصل برنامج إيران النووي إلى هذه المرحلة؟
بدأ برنامج إيران النووي في زمن الشاه، إبان الخمسينات، بدعم من الولايات المتحدة، في اطار برنامج quot;الذرة من أجل السلامquot;. وفي العام 1967، وقعت إيران معاهدة حظر الانتشار النووي، متعهدة بألا تصبح ابدًا دولة تملك سلاحًا نوويًا.
واستمر برنامج إيران النووي يلقى دعمًا دوليًا من الولايات المتحدة ودول أخرى حتى الإطاحة بالشاه في ثورة 1979 الاسلامية. فتوقف تطوير البرنامج، ثم استُؤنف في منتصف الثمانينات خلال الحرب الإيرانية العراقية، بعد أن تزايدت مخاوف طهران من برنامج الأبحاث النووية الذي اطلقه صدام حسين.
في العام 1995، بدأت روسيا بناء مفاعلات للماء الخفيف في محطة منوشهر النووية، جنوبي إيران بموجب عقد قيمته 800 مليون دولار. وبعد احتلال الولايات المتحدة للعراق مباشرة في العام 2003، افادت تقارير استخباراتية بأن إيران علقت مشاريعها النووية إثر تدمير قدرات العراق، لكنها واصلت تخصيب اليورانيوم.
في العام 2005، قدم مسؤولون كبار في الاستخبارات الاميركية محتويات كومبيوتر إيراني مسروق إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية يتضمن دراسات موضوعها إتقان الخصائص الرئيسية للرأس الحربي النووي. وفي تلك الفترة، انهار اتفاق على تعليق تخصيب اليورانيوم تم التوصل اليه مع إيران بوساطة الاتحاد الاوروبي. وفي العام 2006، استأنفت إيران أنشطة التخصيب.
وافتتح الرئيس الإيراني وقتذاك محمود أحمدي نجاد منشأة آراك للماء الثقيل القادرة على استخراج البلوتونيوم، وبذلك توفير طريقة بديلة لانتاج المادة الانشطارية التي تشكل نواة السلاح النووي.
وفي غضون أشهر، وافق مجلس الأمن الدولي على الجولة الأولى من العقوبات ضد إيران، مانعًا استيراد وتصدير المواد والتكنولوجيات التي يمكن أن تُستخدم في تخصيب اليورانيوم. في العام 2010، فُرضت عقوبات جديدة على إيران بينها قيود على صفقات الحرس الثوري الإيراني الذي يدير البرنامج النووي وتعاملاته التجارية الأخرى.
وفي العام 2012 اعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إيران عبرت خطًا أحمر، ولا بد من وقف برنامجها النووي. وفي وقت سابق من العام 2013، اعلن احمدي نجاد توسيع انتاج إيران من اليورانيوم.
ما الذي حمل إيران على التفاوض؟
شهدت العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وإيران تحسنًا مطردًا منذ انتخاب حسن روحاني رئيسًا لإيران في حزيران (يونيو) هذا العام. وفي ايلول (سبتمبر) الماضي، جرت محادثة هاتفية بين روحاني واوباما في اول اتصال مباشر بين قادة البلدين، منذ ما يربو على 30 عامًا. وقال اوباما في حينه: quot;لقد بحثنا مع روحاني جهودنا المستمرة للتوصل إلى اتفاق على برنامج إيران النوويquot;.
وكان روحاني قدم وعدًا انتخابيًا قاطعًا بتسوية النزاع النووي بأسرع وقت ممكن. ونال في توجهه هذا دعم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، صاحب الكلمة الأخيرة في السياسة الإيرانية الداخلية والخارجية على السواء.
ما تأثير العقوبات على إيران؟
يتفق غالبية المراقبين على أن العقوبات الاقتصادية التي فُرضت على إيران كان لها تأثير بالغ على اقتصادها. وفي صيف العام الماضي، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي عقوبات جديدة تضمنت حظر استيراد النفط الخام الإيراني، أهم مصدر لايرادات الدولة الإيرانية. وتسببت الضغوط الدولية على إيران في هبوط صادراتها النفطية بنسبة 40 بالمئة العام الماضي، مكلفًا إيران عائدات قيمتها 80 مليار دولار. وتحت وطأة هذه العقوبات، فقد الريال الإيراني نحو نصف قيمته في العام 2012.
وفي وقت سابق من العام 2013، دخلت حيز التنفيذ عقوبات جديدة تمنع الدولة التي تستورد النفط الإيراني من تسديد ثمنه بالدولار وتحويله إلى إيران، وتنص على ايداع ثمن الشراء بعملة البلد المستورد في بنك محلي. وبدأ كثير من الإيرانيين يكتنزون البضائع خشية ارتفاع اسعار السلع الأساسية والوقود.
وستبقى العقوبات المفروضة على القطاعين النفطي والمصرفي الإيرانيين سارية خلال الأشهر الستة المقبلة.
هل من علامات استفهام؟
اعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن الاتفاق فرصة لتبديد أي شكوك في نيات إيران السلمية من وراء برنامجها النووي، وإن إيران لم تتنازل عن حقها في تخصيب اليورانيوم.
ورأى محللون أن الأمرين لا يمكن أن يكونا صحيحين في آن واحد. فإن اتفاقًا يسلِّم بمطلب إيران في انجاز دورة الوقود كاملة لا يخدم السلام العالمي، بحسب هؤلاء المحللين، مشيرين إلى أن الاتفاق سيكون انجازًا حقيقيًا لو عُقد مع دولة لديها استعداد حقيقي لتنفيذ التزاماتها بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي.
وقد يكون حينذاك خطوة أولية نحو تسوية شاملة لقضية البرنامج النووي الإيراني، تعيد إيران إلى أسرة الدول التي تراعي المواثيق الدولية. لكنّ لدى إيران تاريخاً طويلاً من الغش والخداع والمناورة، وضُبطت متلبسة بسلسلة من الأكاذيب. وقامت ببناء منشآت نووية سرية مثل منشأة نظنز لتخصيب اليورانيوم.
ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن تشارلز لاين، استاذ الصحافة في جامعتي جورجتاون وبرنستون سابقًا، قوله: quot;إن حكم الملالي بعد ترميم الاقتصاد الإيراني وتعزيز شرعيته الدبلوماسية سينقض على خصومه في الداخل ويعزز نفوذه في لبنان وسوريا والعراقquot;.
التعليقات