يواجه رئيس الوزراء التركي أزمات داخل وخارج الحزب الحاكم، لكنه التف عليها عندما اعتزم إجراء إصلاحات تعزز صلاحيات رئيس البلاد، تمهيداً لتنافسه على المنصب في صيف 2014. ويؤرق مضجع أردوغان داعية إسلامي يقيم في الولايات المتحدة، بالإضافة الى خلافات مع عدد من وزراء حكومته وأقطاب حزبه.


القاهرة: يعكف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان على تضميد جروح نظامه لحمايته من التآكل وربما السقوط، إذ تفيد معطيات نشرتها صحيفة هاآرتس العبرية ان أردوغان يواجه حملة عنيفة من الهجوم داخل وخارج بلاده، ويمثل الداعية الاسلامي التركي فتح الله غولان بيت القصيد في تهديدات أردوغان الخارجية، ولاحت تلك التهديدات في الافق، حينما نشر الصحافي والباحث التركي مهمت برانسو نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي وثائق بالغة السرية، يعود تاريخها الى عام 2004.

اغلاق المدارس الخاصة المؤهلة للالتحاق بالجامعة

الوثائق التي نشرها الصحافي التركي البالغ من العمر 36 عاماً بصحيفة quot;ترافquot; التركية، تفيد بأن المجلس الوطني التركي الاعلى، قرر بالتحالف مع حزب العدالة والتنمية، العمل ضد المذهب والحركة الاسلامية التي يتزعمها الداعية والمفكر الاسلامي التركي فتح الله غولان، المقيم منذ عشرات السنين في ولاية فلادلفيا الاميركية، وتحمل الوثيقة السرية التي يدور الحديث عنها توقيع الرئيس التركي السابق نجدت سيزار، رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، قائد الاركان التركي السابق هيلمي اوزكوك، والرئيس الحالي عبد الله غول، اما بقية اعضاء الحكومة التركية الذين لم يوقعوا على الاتفاق، فلم ينفوا مضمون الوثائق، الا أنهم اكدوا أن مضمونها لم يخرج الى حيز التنفيذ.

رغم ذلك الا ان الكشف عن الوثائق جاء في اعقاب وقت وجيز من اعلان أردوغان عن خطة جديدة، تقضي باغلاق المدارس الثانوية الخاصة، التي تؤهل خريجيها للالتحاق بالجامعة، وفي حين لم يتطرق أردوغان للاسباب الحقيقية التي تقف وراء قراره، تفيد معطيات نشرها الصحافي التركي مهمت برانسو الى أن ما يقرب من 1000 مدرسة من المدارس التركية الخاصة البالغ عددها 4000 مدرسة، تُديرها حركة غولان الاسلامية.

تسريب وثائق يوجب الاتهام بالخيانة العظمى

أردوغان الذي وصلت له معلومات تفيد بأن عناصر حركة الداعية فتح الله غولان، هم من يقفون وراء تسريب الوثائق التي نشرها الصحافي التركي، هرول للعمل قضائياً ضد الصحافي والصحيفة التي يعمل بها، فقدم لائحة اتهام تفيد بأن الصحافي والصحيفة نشرا معلومات تضر بأمن البلاد القومي، واعتبر رئيس الوزراء التركي الكشف عن تلك المعلومات خيانة للبلاد، الاكثر من ذلك لوح أردوغان الى انه اذا لم يعاقب القضاة الصحافي والصحيفة، سيواجهون هم ايضاً تهمة الخيانة.

ورغم التهديدات وسلسلة الاتهامات التي وصلت الى حد الخيانة العظمى للبلاد، لم يتوقف الصحافي التركي الشاب عن حملته الشعواء ضد أردوغان، حينما كشف النقاب عن أن أردوغان أحبط في 2003 انقلاباً عسكرياً ضد نظامه وحزب العدالة والتنمية، وقف وراءه في حينه عدد من جنرالات الجيش التركي بالاضافة الى عدد من الصحافيين والادباء والمثقفين الاتراك. والزم أردوغان الهيئات القضائية في انقرة بمحاكمة 335 شخصاً من الضالعين في محاولة الانقلاب، عوقب منهم بالسجن 220 شخصاً، معظمهم ضباط بارزون في الجيش التركي، الا أن تلك المحاولة وما ترتب عليها من عزل لجنرالات الجيش، ابعدت المؤسسة العسكرية التركية عن العمل بالسياسة، وضاعفت من نفوذ وهيمنة أردوغان على مؤسسات الدولة التركية.

وفي هذه المرة لم يقدم رئيس الوزراء التركي ضد مهمت برانسو وصحيفته اتهاماً، الا أنه بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة، اشرك أردوغان عدداً كبيراً من ضباط الجيش في مؤامرة خاصة به، وهي تفكيك وتدمير حركة الداعية الاسلامي التركي فتح الله غولان.

عزل المحسوبين على الحركة الاسلامية التركية

قضية أخرى تعزز ازمة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مع حركة غولان الاسلامية، إذ نشرت صحيفة quot;ترافquot; التركية قبل شهر تقريباً معلومات سرية، تفيد بأن الاستخبارات التركية تطارد وتتعقب عناصر الحركة الاسلامية التركية التابعة لفتح الله غولان منذ وقت طويل في محاولة لعزلهم من المناصب الحكومية ومؤسسات الدولة، الامر الذي اعتبره أردوغان عينه حملة تطهير، تستهدف عناصر حركة غولان، لا سيما أن الحركة تضم ما بين خمسة الى ثمانية ملايين مؤيد لها في تركيا، فضلاً عن عدد مماثل من اتراك الخارج.

الخبير الاسرائيلي تسيفي بارئيل اكد أن اسباب تردي العلاقة بين أردوغان وغولان ليست واضحة، لا سيما أن الاخير يعتبر حتى وقت قريب من اكثر الداعمين لحزب العدالة والتنمية الذي يترأسه أردوغان، كما أنه وقف وراء التأييد الجماهيري الذي حاز عليه الحزب عينه في عدد ليس بالقليل من الحملات الانتخابية، وتساءل الخبير الاسرائيلي، هل بات أردوغان يرى في غولان، الذي يقيم بالولايات المتحدة ويدير منها حركته نواة لخلية سياسية، تمارس نشاطاً مناوئاً لحكومة انقرة وحزبها الحاكم؟، ام أن الخلاف بين الرجلين هو في الاساس خلاف شخصي لا علاقة له بالسياسة؟، أم أن أردوغان يرغب من معادة غولان وحركته تقديم الاخير على أنه محافظ متطرف امام التيارات الليبرالية في تركيا، التي تقدم الاسلام الاجتماعي على الاسلام السياسي في تركيا؟

سؤال آخر يتعلق بتوقيت حملة أردوغان ضد حركة فتح الله غولان، هل يعود السبب في هجوم أردوغان الى الانتخابات التركية المقرر اجراؤها في آذار (مارس) 2004 المقبل؟، فهل يرى أردوغان أن غولان وحركته بعد عامين فقط من الانتخابات السابقة اصبحا خصماً لدوداً له؟ وبعيداً عن الاجابة على تلك الاسئلة وما تسوقه من احتمالات، فالارضية المشتركة التي تدور حولها تصرفات أردوغان، تؤكد أنه يسعى الى تقوية نفوذه بالشكل الذي يحرره من الانتماء لأية حركة أو أي شخص، حتى اذا كان هذا الانتماء يشكل عناصر هامة لدعم مستقبله السياسي.

تطلع لمنصب رئيس البلاد بصلاحيات واسعة

ووفقاً للخبير الاسرائيلي تسيفي بارئيل، وما نقلته عنه صحيفة هاآرتس العبرية، فإن التفسير السيكولوجي ndash; السياسي لتصرفات أردوغان مع الداعية الاسلامي غولان وحركته، يتماشى مع اجراءات ينشغل بها أردوغان على ارض الواقع، إذ يعكف رئيس الحكومة التركية في الوقت الراهن على إجراء اصلاحات قانونية، يدور أحدها حول إدراج وضعية رئيس الدولة ضمن المناصب ذات الصلاحيات السياسية، تماماً مثل الصلاحيات التي يتمتع بها رئيس الادارة الاميركية، ويتطلع أردوغان الى المصادقة على تلك الاصلاحات العام المقبل، حتى يستطيع خلال الانتخابات المقبلة (صيف 2014) الترشح لمنصب الرئاسة التركية، التي تمنحه صلاحيات ونفوذاً واسعاً، خاصة أن سياسات حزب العدالة والتنمية تحظر على رئيس الحكومة المنافسة على المنصب لفترة رابعة، لكن يحق له خوض المنافسة على منصب الرئاسة.

على الرغم من ذلك تشير التقديرات في انقرة الى أن أردوغان قد يواجه في حال خوضه المنافسة على رئاسة البلاد خصماً عنيداً، هو عبد الله غول الذي اشاد بالمتظاهرين الاتراك في ميدان quot;تقسيمquot; التركي، واعتبر تعبيرهم عن رأيهم دليلاً على الديمقراطية وحرية الرأي المكفولة للجميع، لكن أردوغان تعامل مع تصريحات غول بغضب بالغ، كما اعتبرها مؤامرة من غول والمجتمع الدولي ضد نظامه.

عبد الله غول الذي تولى منصب وزير الخارجية ورئاسة وزراء تركيا، ويقيم علاقات متشعبة بمختلف زعماء العالم، ابدى غير ذي مرة وجهات نظر مغايرة لآراء أردوغان السياسية، كان آخرها انتقاده المعلن لسياسة أردوغان الخارجية، التي افضت في نهاية المطاف الى خسارة حليف استراتيجي واقتصادي مهم في المنطقة هو مصر، كما خالف غول وجهات نظر أردوغان في سياسته الداخلية، حينما عارض قرار رئيس الحكومة الرامي الى حظر بيوت الطلبة المشتركة. وامام معارضة غول اعتبر أردوغان أنه مقرب وربما موالٍ لفتح الله غولان وحركته.

رسالة علنية مناهضة للسفينة quot;مرمرةquot;

وتشير المعطيات الى أن العلاقات بين أردوغان وغولان توترت منذ عام 2010، حينما نقل الاخير رسالة علنية ضد سفينة المساعدات التركية quot;مرمرةquot;، التي شرعت في كسر الحصار المفروض على قطاع غزة، وقال إن ابحار السفينة ودخولها المياه الاقليمية الاسرائيلية خطأ فادح، وكان من الضروري الحصول على إذن من تل ابيب، فرأى أردوغان الذي كان حينئذ في قمة غضبه من اسرائيل، اعتبر رسالة غولان مساساً مباشراً بشخصه، ووفقاً لأحد قيادات العدالة والتنمية: quot;لم ينسَ أردوغان حتى اليوم تصريح غولان، ولن يصفح عنه ابداًquot;.

تضاف الى توتر العلاقات بين أردوغان من جهة، وفتح الله غولان وعبد الله غول من جهة أخرى، الصدوع التي دبت داخل هيكل حزب العدالة والتنمية، ويجسد تلك الصدوع اعتزام quot;بولينت ارينتشquot; نائب رئيس حزب العدالة والتنمية والعقل المفكر في الحزب تقديم استقالته، ورغم أن الاخير نفى تداول تلك المعلومات، واعتبرها شائعات لا اساس لها من الصحة، الا أنها باتت حقيقة في اعقاب الخلاف الذي نشب بين ارينتش وأردوغان حول قرارات الاخير الرامية الى حظر بيوت الطلبة المشتركة، واصراره على اغلاق المدارس الثانوية الخاصة المؤهلة للالتحاق بالجامعة، ومنها مدارس تابعة لحركة الداعية الاسلامي فتح الله غولان، وابدى ارينيتش مخاوفه من التعاطي مع تصريحات أردوغان على أنها عودة للاسلام المحافظ في البلاد، ويؤثر ذلك سلباً على شعبية الحزب بين الجماهير.

وفي حين اعلن ارينتش أن أردوغان لا يعتزم تمرير تلك القرارات، فوجئ في اليوم التالي برئيس الوزراء التركي يؤكد أنه ماضٍ في تفعيل قرارات جادة في تلك القضية، وفي لقاء مع التلفزيون التركي TRT، قال ارينتش: quot;من المستحيل أن يتجاهل أردوغان آراء اقطاب الحزب، أو أن يرفض الانتقادات الموجهة لقراراته، ولم يكن ارينتش وحده محبطاً من قرارات أو تصرفات أردوغان، إذ تشير دوائر تركية الى أن عدداً من وزراء الحكومة واعضاء في البرلمان التركي، اعربوا عن مخاوفهم من مساس أردوغان بمستقبل حزب العدالة والتنمية، وتأثيره السلبي على تركيا امام المجتمع الدولي.