ليست المرأة اليوم كما كانت عليه قبل الثورة، فميدان التحرير قدم لها جرعة قوة وجرأة لتشعر أنها أقوى من أي أكثرية في مصر.


القاهرة: لربما يلخص المشهد الأخير من هذا الفيديو كل ما أرادت مريم كيرولوس، المسيحية المصرية، أن تقوله. إنه مشهد جانب من مسيرة والهتاف فيها: quot;قالوا صوت المرأة عورة، صوت المرأة هو الثورةquot;. فمريم ناشطة قديمة في متابعة انتهاكات حقوق الانسان في مصر.

تحب مريم مصر، وتريد منها أن تبادلها هذا الحب. هذه العلاقة الشائكة على متانتها بين مريم وبلدها زرعت إحساسًا في قلبها بأن أمرًا لا بد أن يتغيّر، لكن تاريخ 25 يناير لم يكن في بالها. وهي مقتنعة تمامًا أن الثورة بدأت قبل ذلك بكثير، مع حركة كفاية في عام 2005، وحركة 6 أبريل في عام 2008... لكنها تعترف بجميل البوعزيزي وتونس التي أشعلت الشرارة، والتي كانت أول من أنشد في الشوارع: quot;الشعب يريد إسقاط النظامquot;.

نعم النظام. فهذا ليس وقفًا على حسني مبارك، تقول مريم، بل هو نظام متكامل يحتاج إلى إسقاط وإعادة بناء على أسس جديدة.

أيام فاضلة
تتباهى مريم، كما العديد من ناشطي الثورة، بثمانية عشر يومًا في ميدان التحرير، ترى فيها العصر الذهبي للثورة المصرية، التي توحَّدت خلف ألويتها كل شرائح الشعب المصري، على اختلاف أديانها وتوجهاتها السياسية وايديولوجياتها.

تصف مريم ميدان التحرير حينها بالمدينة الفاضلة، quot;مفيش حاجة فيها غلطquot;، كما تقول. حتى الشيخ المسلم باركها، هي المسيحية التي وشمت صليبًا على ساعدها، حين نهت ولدًا عن تلويث أرض الميدان.

الثورة لمريم كانت البداية الجديدة، الطريق الذي بدأ بكسر حاجز الخوف في نفوس المصريين جميعًا، وانتهى بمعرفتها بأنها لا تقف وحيدة في وجه الطغيان والقمع وانتهاكات حقوق المرأة أولًا، والإنسان المصري عمومًا.

رأس برأس
النظام الذي أراد الشعب إسقاطه باقٍ حيث هو تقول مريم: quot;إحنا اللي عملنا أن إحنا كان عندنا هرم، شلنا راس الهرم، وحطينا راس هرم ثانيةquot;. ولهذا، بقي الشعب يبحث عن العيش، في بلد بلا حرية ولا عدالة اجتماعية، ولم يتحقق أي مطلب من مطالب مريم، التي نادت بها في الميدان.

الجرائم مستمرة من 28 كانون الثاني (يناير) 2011، من يوم نزول الجيش إلى الشوارع المصرية، واستقباله بالورود من شعب رأى فيه حامي الثورة والثوار.

مريم تحمّل الجيش المصري مسؤولية ما يحصل، ومسؤولية تسلق الإخوان المسلمين سلم الثورة فوق أكتاف الثوار، ولكنها تقول: quot;أنا مؤمنة بأن السلطة للشعب في الآخرquot;.

ثورة واحدة
ومريم ناشطة نسوية يغمرها الحماس، ترى أن الثورة أشعلت فتيل التحرر في أكثر النساء خجلًا وخنوعًا، ودليلها إرتفاع نسبة التبليغ عن حالات التحرش الجنسي، بعدما كان هذا التحرش يحصل، وتسكت عنه المرأة خوفًا أو خجلًا.

والثورة نفسها غيَّرت نظرة مجتمع مصر الذكوري إلى المرأة نفسها. تروي مريم أنها أول مرة نزلت في مسيرة لست ساعات متواصلة، كانت تقرع الطبل، ما أثار استهجان الناس، إذ يميزون بين الآلات الموسيقية جندريًا.

تقول :quot;مع الوقت، عندما كنت أمشي مسيرة ست ساعات، لم يكن أحد يقول نحن رجال ونمشي وراء إمرأةquot;.

مع الوقت، أدرك الرجال في مسيرة مريم أن الرجل المصري والمرأة المصرية في ثورة واحدة.