فيما تتواصل أعمال العنف في تونس على خلفية اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد بالرصاص، حمّل النائب بالمجلس الوطني التأسيسي ربيع العابدي السياسيين جميعا مسؤولية الجريمة بسبب الصراع على السلطة وغياب الوفاق.
تونس: تحولت التظاهرة الحاشدة التي فرقتها قوات الأمن التونسية أمام مقرّ وزارة الداخلية إلى كرّ وفرّ بين الشرطة ومحتجين يلقون باللائمة على الحكومة بعد اغتيال المعارض اليساري البارز شكري بالعيد بالرصاص أمام منزله صباح الاربعاء.
وقال شهود عيان وشبان مشاركون في الاحتجاجات لـquot;إيلافquot; إنّ الاشتباكات مع الشرطة تدور في شوارع العاصمة الرئيسية، وهي شارع الحبيب بورقيبة وشارع باريس ونهج هولندا ومنطقة باب الجزيرة القريبة.
وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع بكثافة لمنع المحتجين المسلحين بالحجارة والهراوات من الاقتراب أكثر من مقر وزارة الداخلية الذي بات محصنا بالكامل بمركبات الشرطة والأسلاك الشائكة ومتاريس حديدية.
واختنق عدد كبير من المتظاهرين وأصيب عدد آخر بجروح، ولازال العنف متواصلا في العاصمة وعدد من جهات البلاد إلى حدّ كتابة التقرير.
سياسيا، قالت الجبهة الشعبية المعارضة انها قررت الانسحاب من المجلس الوطني التأسيسي المكلف بكتابة الدستور، بعد اغتيال شكري بلعيد.
وقال المتحدث باسم الجبهة الشعبية حمة الهمامي في مؤتمر صحافي ان المعارضة تدعو أيضا الى إضراب عام احتجاجا على اغتيال بلعيد.
وقال حمّة الهمامي:quot;ندعو كلّ نواب المعارضة في المجلس التأسيسي إلى تعليق العضوية والمشاركة في الإضراب العامquot;.
وطالب الهمامي كل الأطراف السياسية من الأحزاب والمجتمع المدني المشاركة في الإضراب العام كردّ على اغتيال شكري بلعيد المنسّق العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد ذو التوجه اليساري، وأحد أعضاء الكتلة.
والجبهة الشعبية هي ائتلاف سياسي معارض، يضم اثني عشر حزبا وتجمعا يساريا وقوميا، وتم تأسيسها في 7 أكتوبر/ تشرين الثاني 2012، ومن أبرز الأحزاب المشكلة له حزب العمال الشيوعي التونسي، وحزب العمل الوطني الديمقراطي، وحزب الوطنيين الديمقراطيين بقيادة القتيل شكري بلعيد، والوطنيون الديمقراطيون، وحزب النضال التقدمي.
قرار متسرّع
قال النائب بالمجلس الوطني التأسيسي ربيع العابدي في تصريحات لـquot;إيلافquot; إنّ قرار الجبهة الشعبية بتعليق عضويتها بالمجلس التأسيسي، يبدو متسرّعا، مؤكدا ان quot;كتلة وفاءquot; التي يمثلها لم يتم استشارتها من طرف الجبهة الشعبية قبل اعلان تلك المواقف.
ويرى ربيع العابدي أنّ قرار الجبهة الشعبية التي فجعت باغتيال احد قيادييها بالرصاص، يفوّت الفرصة مرة أخرى لإثبات أن المجلس الوطني التأسيسي هو أعلى سلطة في البلاد، وانه هو المدعوّ لتحمل المسؤولية في هذا الظرف المتوتّر.
الطيف السياسي مُتهم
بخصوص اغتيال المعارض شكري بلعيد، يؤكد النائب ربيع العابدي انّ الطيف السياسي التونسي برمّته يتحمّل مسؤولية الجريمة، فما حصل في تونس هو صراع على السلطة بين السياسيين، على حدّ تعبيره.
يضيف: quot;حركة وفاء ترى أن جريمة اغتيال شكري بلعيد لم يكن تستهدف الشهيد في شخصه، انما المستهدف هو الثورة التونسية، ونحن ندعو السياسيين الى تحمل مسؤولياتهم أمام من انتخبهم ووضع فيهم ثقته لاثبات أن تونس قادرة على المرور بسلام نحو الديمقراطيّةquot;.
جنازة وطنية
إلى ذلك، قرر الاطباء في تونس الابقاء على جثة شكري بلعيد في قسم التشريح بمستشفى شارل نيكول إلى يوم غد الخميس، وتشير تقارير محلية إلى أنّ عائلة بلعيد قررت دفنه يوم الجمعة حتى تتمكن من تنظيم جنازة وطنية له.
من جانبه، دعا الإتحاد العام التونسي للشغل (النقابة العمالية الأكبر) الخميس الى عقد هيئة ادارية ستحضرها كافة القطاعات والجهات للنظر في اغتيال شكري بلعيد واتخاذ قرار في الموضوع بما في ذلك النظر في مسالة الاضراب العام الذي دعت اليه الجبهة الشعبية التي ينتمي اليها القتيل بلعيد.
الفوضى أو الديكتاتورية
يخلص المحلل السياسي التونسي نصر الدين بن حديد إلى أنّ جهات لم يسمها تريد تخيير التونسيين بين الديكتاتورية والفوضى، هي من تقف وراء اغتيال شكري بلعيد.
ويقول لـquot;إيلافquot;: من موقعي لا أملك معلومات لا يملكها آخرون، وما هو متاح لنا، يشير الى ان كل الاحتمالات قائمة، والمهم هو البحث عن الجناة وتقديمهم للعدالة.
ردود فعل عاطفية
قرارات المعارضة تعليق العضوية بالمجلس الوطني التأسيسي، والدعوة الى اضراب عام في البلاد، يعتبرها المحلل نصر الدين بن حديد قرارات عاطفية متوقعة في هذا الظرف.
يضيف: quot;لا يمكن في ظرف كهذا تغليب العقل، لكن من المهم القفز على الآلام والتوجه نحو المستقبل والوفاق، وتحييد دعاة العنف وعزلهم، ووضع خارطة طريق لضروريات الديمقراطية وتحديد موعد الانتخاباتquot;.
ويشير بن حديد إلى أن من ارتكب جريمة اغتيال بلعيد يعلم ان تونس باتت كبرميل بارود، وان فعلته ستكون ولاعة لنشر الفوضى، فالثقافة الديمقراطية في تونس ليست راسخة، والشعب تأخذه الأهواء وتحمله النخب الى اتجاهات متعددة، لذلك من الضروري الابتعاد عن الاتهامات السياسية دون دليل، ومن يملك دليلاً، فليقدمه الى القضاء أو الشرطة.
ويختم قائلاً: quot;لا أحد فوق القانون، وستتحمل الجهة التي تقف وراء الاغتيال سواء بالتخطيط أو اليد التي ضغطت على الزناد المسؤولية كاملة عن هذه الجريمةquot;.
يشار إلى تونس تعيش مأزقا سياسيا على خلفية تحوير وزاري خلّف تصدّعا في الائتلاف الحاكم نتيجة خلافات ورفض المعارضة الالتحاق بالترويكا.
وتتوقع مصادر مقربة من حركة النهضة الاسلامية الحاكمة أن يعلن رئيس الحكومة حمادي الجبالي خلال 24 ساعة تشكيل حكومة تكنوقراط.
...ودولية
اعرب وزير الخارجية الالماني غيدو فسترفيلي الاربعاء عن quot;حزنهquot; لمقتل المعارض التونسي شكري بلعيد الذي قضى بالرصاص واصفا هذا العمل بانه quot;فظيعquot;، ودعا المسؤولين السياسيين التونسيين الى quot;حماية ارثquot; الثورة.
وقال الوزير الالماني في بيان quot;غمرنا خبر مقتل السياسي المعارض شكري بلعيد بمشاعر من الاشمئزاز والحزنquot;.
واضاف فسترفيلي quot;في هذه اللحظة الحرجة، ندعو كل المسؤولين السياسيين في تونس الى حماية ارث الثورة السلمية و الى العمل بغض النظر عن الانتماءات السياسية، من اجل مصلحة البلدquot;.
وعبرت وزارة الخارجية الجزائرية في بيان الاربعاء عن quot;ادانتها الشديدة لجريمة الاغتيال الدنيئةquot; للمعارض التونسي شكري بلعيد صباح اليوم في العاصمة التونسية.
وجددت الجزائر في البيان موقفها quot;الرافض لاستخدام العنف بكل اشكاله كوسيلة للتعبير السياسيquot;، بحسب ما افادت وكالة الانباء الجزائرية الحكومية.
وعبرت الجزائر عن quot;تضامنها العميقquot; مع quot;العشب التونسي الشقيقquot;، مؤكدة انها على quot;ثقة من قدرة الاشقاء التونسيين على تجاوز هذه المحنة العصيبة والمضي قدما نحو استكمال المسار الديموقراطي المنشودquot;، بحسب البيان ذاته.
وتظاهر مئات الاشخاص مساء الاربعاء في باريس بدعوة من احزاب وجمعيات تونسية في فرنسا وذلك قرب مقر السفارة التونسية للاحتجاج على مقتل المعارض التونسي شكري بلعيد..
وندد نحو 500 متظاهر بعملية quot;الاغتيال الدنيئةquot; مرددين شعارات مثل quot;في تونس الاسلاميون يقتلونquot; وquot;لا للاغتيالات السياسية ولا لتصعيد العنفquot; وquot;نعم لحل روابط حماية الثورة الفاشيةquot; وquot;لندافع عن المسار الديموقراطي والحريات العامةquot;.
واستقبل وفد عن المحتجين في السفارة.
التعليقات