تشهد تونس احتقانًا كبيرًا بعد اغتيال المعارض شكري بلعيد، وبادر كثيرون إلى تحميل الإسلاميين المسؤولية السياسية المباشرة عن اغتياله، في حين ما زالت الصورة ضبابية في ما يتعلق بالمسؤولية الجنائية.


إسماعيل دبارة من تونس: مع دخول تونس ما بعد بن علي أخطر أزمة سياسية منذ رحيل الدكتاتور، على خلفية عدم التوصل إلى تسوية بين حزب النهضة الإسلامي الحاكم وحلفائه في الحكومة، وبين المعارضة حول تعديل في حكومة رئيس الوزراء حمادي الجبالي، كان المراقبون يتوقعون انفجارًا قد يؤدّي إلى ما لا تحمد عقباه.

وعلى الرغم من أن قطاعًا واسعًا من المحللين والخبراء ألمحوا إلى إمكانية خروج المواطنين مجددًا إلى الشوارع لإيقاف الأزمة، ووضع حد لعشوائية الإسلاميين وتفرّدهم بالحكم، خصوصًا مع غلاء الأسعار وارتفاع نسبة البطالة إلى حد غير مسبوق، فاجأ اغتيال المعارض البارز لحكم الإخوان، السياسي شكري بلعيد، الكثيرين وخلف مشاعر الصدمة والذهول.

الرصاص ضدّ السياسة
بعد مقتل شكري بلعيد، القيادي في الجبهة الشعبية، وأحد رموز اليسار الراديكالي، الذي لا يهادن الإسلاميين، سارع رئيس الوزراء النهضوي حمادي الجبالي إلى إدانة الحادث، ووصفه بأنه اغتيال سياسي وجّه ضربة إلى ثورة تونس.

أما الرئيس المنصف المرزوقي، فقد قطع زيارته لفرنسا، وألغى زيارته لمصر للمشاركة في قمة التعاون الإسلامي عقب قتل بلعيد، ودعا إلى الحذر من الفتنة والعنف.

ونعت الرئاسة التونسية، في بلاغ تلقت quot;إيلافquot; نسخة منه، شكري بلعيد، وقالت: quot;تعتبر رئاسة الجمهورية أن اللجوء إلى العنف بمختلف درجاته ووسائله، وخصوصًا الاغتيال، مرفوض قطعيًا في ظلّ قوانين البلاد، ولا تقبله أخلاق شعبنا المسالم ولا ديننا الإسلامي الحنيف القائم على التسامح والمحاورة بالتي هي أحسن، وأن الاغتيال جريمة لا يمكن التسامح معها في أي ظرف ولأي اعتبار كان، لما فيه من إهدار للأرواح وإذكاء للفتن، وهو ما ينبغي على التونسيين كافة بكل مشاربهم الوقوف في وجهه صفوفًا متراصّة، لا تتوانى عن حماية مستقبل بلادنا من المخاطر المستجدّةquot;.

وتوالت ردود فعل الأحزاب وجمعيات المجتمع المدنيّ منددة بالجريمة، وتراوح خطابها بين التحريض والدعوة إلى التهدئة وتفويت الفرصة على أعداء الثورة.

الشارع يستفيق
فور استفاقة التونسيين من هول الصدمة، تدفّق آلاف منهم إلى الشارع الرئيس في العاصمة، أمام وزارة الداخلية، احتجاجًا على مقتل المعارض العلماني البارز، وأطلقوا شعارات ضد الحكومة، التي يقودها حزب النهضة الإسلامي وشريكاه العلمانيان.

ونزل مواطنون في عدد من مدن البلاد إلى الشوارع، في حين تحدثت تقارير محلية عن إحراق عدد من مقار حركة النهضة. وأشار وزير الداخلية، علي العريض، في مداخلة على التلفزيون التونسي الرسمي، إلى أن متظاهرين غاضبين اقتحموا مقار لحركة النهضة، وسط مسيرات احتجاجية في مدن البلاد، ودعا التونسيين والنخبة السياسية إلى ضبط النفس.

وغصّت مواقع التواصل الاجتماعي بالمواقف الحزينة والغاضبة والمنددة والداعية إلى الثأر. كما دعت صفحات ثورية وأخرى محسوبة على النظام القديم إلى استعمال أقصى درجات العنف لإسقاط حكم الاسلاميين في تونس.

اتهام النظام القديم
تفرّغ معظم المدونين وناشطي فايسبوك المحسوبين على الحكومة لإدانة الجريمة، وتوجيه أصابع الاتهام إلى الجهة الوحيدة التي يرون أنها مستفيدة من عملية الاغتيال، quot;أي النظام القديم الذي بات يخشى الاندثارquot;، على حد تعبير كثيرين.

ومن بين الشعارات التي رفعها المتظاهرون في شوارع تونس اليوم، quot;عار عار شكري مات بالنارquot;، وquot;الحكومة يجب أن تسقطquot;، وquot;ارحلواquot;.

وطوّقت قوات الأمن المكان قبل أن تطلق الغاز المُدمع والرصاص في الهواء لتفريق المحتجين في عدد من المناطق. وفرّقت وحدات الأمن كذلك مسيرة سلمية أمام وزارة الداخلية باستعمال الهراوات والغاز المسيل للدموع.

النهضة مسؤولة
لا أدلة على وقوف حركة النهضة أو السلفيين وراء اغتيال بلعيد، لكن أصابع الاتهام وجّهت إلى الحكام والمقربين منهم من جماعات متطرفة وروابط حماية الثورة. وحمّل كثيرون حركة النهضة المسؤولية كاملة عن اغتيال المعارض البارز، على اعتبار أن مفتاح الأمن بيديها وهي المسؤولة عن حماية المواطنين.

في حين اتهم آخرون جهات سلفية متطرّفة سبق أن وجّهت تهديدات إلى بلعيد، وإلى رموز المعارضة العلمانية في تونس. ويكتنف عملية الاغتيال الكثير من الغموض، خصوصًا طريقة التنفيذ والجهة التي تقف خلفها. وعلمت quot;إيلافquot; أن وزارة الداخلية فتحت تحقيقًا، في حين نفت الوزارة أن تكون قبضت على مشتبه فيهم، كما روّج البعض.

معارض عنيد
يشار إلى أن شكري بلعيد محامٍ وحقوقي، عارض الرئيس المخلوع بن علي والحكومة الحالية التي تقودها حركة النهضة، ولد في العام 1964 في ضاحية جبل الجلود قرب تونس العاصمة، ومارس مهنة المحاماة، ودافع عن السجناء السياسيين ورافع في قضايا الرأي.

بعد قيام الثورة التونسية، انضم إلى الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي. ويشغل بلعيد منصب أمين عام التيار الوطني الديمقراطي المعارض، الذي أنشئ بعد الثورة.

ويعتبر بلعيد الرجل الثاني في ائتلاف الجبهة الشعبية المعارض بعد حمة الهمامي، علمًا أن الجبهة الشعبية تضم شخصيات مستقلة و12 حزبًا من الأحزاب القومية واليسارية والعلمانية.

وسبق لوزير الداخلية الإسلامي علي العريض، وقيادات مختلفة من النهضة، أن اتهموا شكري بلعيد بالوقوف وراء اضطرابات اجتماعية انتهت إلى أعمال عنف وحرق. لكنه كان ينفي ذلك، مؤكدًا وقوفه إلى جانب المطالب الاجتماعية وانتهاجه السلم لتحقيق غاياته السياسية، مؤكدًا نبذه العنف.

ويعرف عن بلعيد مداخلاته الحادة عبر الإعلام ضدّ حركة النهضة والسلفيين الذين لا يتورّع عن وصمهم بالظلاميين والرجعيين.