كان شكري بلعيد قد تنبّأ بموجة اضطرابات واغتيالات عشية اغتياله، بسبب تصاعد العنف الذي تقوده جماعات إسلامية في تونس، اتهمهم الرئيس التونسي بالسعي الحثيث لإفشال الثورة التونسية السلمية.


يشعر الجزائريون بارتياح يخالطه القلق حين ينظرون إلى الوضع الحالي لجارهم التونسي، إذ جرى الاحتفاء بتونس بوصفها مهد الربيع العربي، الذي أحدث تغييرًا ثوريًا في المناخ السياسي، لكنه بطريقة أو بأخرى لم يصل إلى الجزائر.
وبالأمس، بعد اغتيال السياسي التونسي العلماني شكري بلعيد واتهام الحكومة التي يسيطر عليها الاسلاميون بالمسؤولية عن تشجيع المتطرفين على العنف، نزل خصومها إلى الشوارع للاحتجاج، ما يهدد باضطرابات وقلاقل جديدة.

خوف التطرف

يقول الجزائريون إنهم ذاقوا مرارة هذه الفوضى من قبل، وهم سعداء ببقائهم في منأى عن أنسام الربيع العربي. ففي تسعينات القرن الماضي، كلفت الحرب الأهلية التي خاضها النظام مع المتطرفين الاسلاميين نحو 200 ألف قتيل، بحسب بعض التقديرات. وحال الخوف من امتداد التطرف الإسلامي إلى الجزائر مجددًا دون قيام أي ثورة على طريقة الربيع العربي ضد نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي رهن مستقبله السياسي بقدرته على سحق التطرف الاسلامي.
وفي مقابلات أجرتها مجلة تايم خلال الأيام الماضية في العاصمة الجزائرية، قال جزائريون إن صعود التطرف الاسلامي يبدو للأسف مماثلًا لما حدث في بلدهم النفطي بسكانه البالغ عددهم 36 مليونًا، وإن هذا ينذر بسنوات من العنف في الجارة تونس. وقالو إنهم فوجئوا بوجود 11 تونسيًا بين المسلحين الذين حاصروا مجمع إن ميناس لاستخراج الغاز جنوب شرقي الجزائر في الشهر الماضي.
وقال ناظم زويش، الرئيس التنفيذي السابق لشركة النفط الوطنية الجزائرية quot;سوناطراكquot;، إنه لا يستبعد أن يحدث في تونس ما حدث في الجزائر إبان التسعينات.

لن نعود إليه

يخشى غالبية الجزائريين أن يشهدوا في بلدهم غليانًا على النمط التونسي، حتى لو كان انتفاضة شعبية كتلك التي عاشت تونس امجادها في اواخر العام 2010 وأوائل العام 2011، بحسب مجلة تايم، التي أشارت إلى أن الشباب الجزائريين يشكون بمرارة من انعدام الفرص الاقتصادية والحريات الديمقراطية في بلدهم، لكنهم يندهشون حين يُسألون إن كانوا يتطلعون إلى ثورة شعبية في الجزائر.
وقالت رحمة بوجمعة (22 عامًا)، التي تدرس الادارة في جامعة الجزائر: quot;عشنا الارهاب قبل التونسيين، وكل ما يحدث في تونس الآن رأيناه من قبل، ولن نعود إليه ابدًاquot;.
كانت الأنباء القادمة من تونس مبعث قلق للجزائريين، إذ قُتل العلماني بلعيد الذي كان من اشد منتقدي الحكومة التونسية، حين هاجمه شابان على دراجة نارية، وأطلقا النار عليه من مسافة قريبة خارج منزله في العاصمة.
وإذ جاء الاغتيال غداة الذكرى الثانية لثورة الياسمين، فإنه أصاب التونسيين بصدمة بددت فرحة الذكرى. وطالب المحتجون الغاضبون الحكومة بملاحقة القتلة وإنزال العقاب العادل بهم.

يريدون إفشال الثورة

خلال اجتماع عُقد في البرلمان الاوروبي في سالسبورغ الفرنسية، وصف الرئيس التونسي منصف المرزوقي والصدمة بادية على سحنته، اغتيال بلعيد بأنه جريمة نكراء، وقطع زيارته ليعود إلى تونس. وقال المرزوقي: quot;هناك الكثير من المعادين لثورتنا السلمية، وهم مصممون على إفشالهاquot;.
وفي الواقع، حذر الرئيس الليبرالي العلماني المتحالف مع حزب حركة النهضة الاسلامي الذي يقود الحكومة منذ أشهر من تفاقم الأخطار التي تهدد السياسيين غير الاسلاميين، قائلًا: quot;على تونس أن تتصدى بحزم للحركة السلفية ذات النفوذ المتنامي في البلادquot;.
وبعد أن أحرق حشد من المتطرفين الاسلاميين مبنى السفارة الاميركية في ايلول (سبتمبر) الماضي، احتجاجًا على الفيلم المسيء للاسلام ونبيه، أرسل الرئيس التونسي حرسه الخاص لوقف أعمال الشغب.
وقال المرزوقي لمجلة تايم بعد ايام على الحادث إن الحكومة بدت وكأنها لا تريد التدخل، مشددًا على ضرورة quot;ان نوقف هذه الظاهرة، فإن هؤلاء يكرهون الديمقراطية ولا يريدونهاquot;.

تنبأ بالاغتيالات

انتقد زعيم حزب حركة النهضة راشد الغنوشي تصريحات المرزوقي في مقابلة أجرتها معه مجلة تايم في اليوم نفسه. وقال: quot;نحن لا نحكم على الناس بإيديولوجيتهم وانما بأفعالهمquot;.
لكن الاغتيالات السياسية بدت حتمية بنظر الكثير من التونسيين خلال الأشهر القليلة الماضية، التي شهدت هجوم شبان إسلاميين على اجتماعات سياسية عقدها خصومهم الليبراليون، وتهديدهم محطات تلفزيونية واذاعية علمانية. وظهر بلعيد نفسه على شاشة التلفزيون مساء الثلاثاء محذرًا من تصاعد العنف السياسي.
وقال منير خليفة، أستاذ الأدب الانكليزي في جامعة منوبة، خلال اتصال هاتفي يوم الأربعاء، إنه شاهد ما حدث، quot;وكان الاغتيال نذيرًا يبعث القشعريرة، فإن بلعيد قال إن هذا العنف يمكن أن يتصاعد إلى اغتيالات، كما رأينا في الجزائرquot;.
أما الجزائريون فيتابعون عن كثب ما يحصل في تونس، ويحمدون الله على الهدوء النسبي المخيم في بلدهم، للآن على الأقل.