لطالما كانت حوادث الاغتيال السياسية في بعض دول العالم دفاعا عن ثورة جديدة، وهو ما يُخشى أن يكون حاضرا في تونس مع اغتيال المعارض شكري بلعيد.

فتحت واقعة اغتيال المعارض التونسي، شكري بلعيد، بالرصاص على يد مجهولين يوم أمس صفحة جديدة في تونس ربما تمهد لحراك ثوري خطر.
ويتوقع أن يكون لهذا الاغتيال تداعيات سيئة بالنسبة إلى الثورة التونسية، التي تعامل معها كثيرون باعتبارها الضوء الساطع للربيع العربي. وكان يعمل بلعيد رئيساً لتحالفمن الأحزاب اليسارية العلمانية معروف باسم الجبهة الشعبية، كما كان من أبرز المعارضين لحزب النهضة الإسلامي الذي يقود الحكومة في تونس بعد الثورة.
وكانت موجة من أعمال العنف قد غمرت تونس على مدار الأشهر الأخيرة، تم تدبير جزء كبير منها على ما يبدو من قبل المحافظين دينياً ضد العلمانيين الليبراليين.
وكان بلعيد قد اتهم قبل بضعة أيام قليلة مسؤولي حزب النهضة بمنح quot;الضوء الأخضرquot; للاغتيالات السياسية. ولذلك من السهل معرفة كيف يمكن لواقعة الاغتيال هذه أن تتسبب بتفاقم التوترات المشتعلة خلال الوقت الراهن بداخل المجتمع التونسي.
وأكدت في هذا الصدد مجلة فورين بوليسي الأميركية أن تلك الواقعة ربما لا تحمل أخباراً سيئةً لتونس فحسب. لكنها قد تنذر بسوء كذلك بالنسبة إلى الواقع الديمقراطي الأكبر في الشرق الأوسط. ونظراً لثقافتها السياسية المتطورة نسبياً ومؤسساتها القوية نسبياً، فإن كثيرًا من المراقبين يرون تونس اليوم باعتبارها دولة الربيع العربي التي تحظى بأفضل الشروط المسبقة للنجاح. فإذا تعثرت، فإن احتمالية الوصول لنتائج إيجابية لدول أخرى تتطلع للديمقراطية مثل مصر وليبيا ستبدو أكثر اهتزازاً.
وما يتمناه البعض بعد مقتل بلعيد هو عدم إخراج الثورة التونسية عن مسارها. لكن بالنظر للتاريخ، فإن قادة تونس سيحتاجون كل ما يمتلكون من قوة خاصة بالإقناع لضمان العمل بجدية بغية الحيلولة دون تصاعد التوترات.
فالثورات الماضية غالباً ما كانت تتسم بالاغتيالات السياسية، التي كانت تشكل كذلك البداية لدوامات تطرف. وبمعنى أشمل، يعد quot;الاغتيال السياسيquot; ما الذي تتحدث عنه كثير من الثورات على وجه الدقة، وهو إظهار العنف لإحداث تغيير اجتماعي بعيد المدى.
وتعتبر الثورات ساحات كبرى للعواطف، ولذلك فإن اغتيال شخصية سياسية رمزية يمكن أن يعمل كمحفز قوي للأحداث، خاصة في ظل وجود ساسة متلهفين على السلطة يسعون لاستغلال الظروف لصالحهم بغية تحقيق ما يربون إليه من أهداف سياسية.
وربما يعتبر أفضل مثال لذلك ما حدث أثناء الثورة الفرنسية، حيث اغتالت شارلوت كورداي، الصحافي جان بول مارات وهو أحد زعماء حزب الجاكوبين الذي كان يحكم وقتها، حيث طعنته أثناء وجوده في الحمام في شهر تموز/ يوليو عام 1793. وسرعان ما تم إلقاء القبض على كورداي وإعدامها بالمقصلة بعد مدة قصيرة.
ومن المنظور الحديث، ربما كان الأمر الأكثر روعة بخصوص وفاة مارات هو الطريقة التي سرعان ما حوله من خلالها مؤيدوه إلى رمز مذكِّر بالمشاعر الثورية. وجاء اغتيال مطهري مرتضى، الطالب المحبب لآية الله الخميني والمقرب منه، في الأول من أيار/ مايو عام 1979، ليعلن عن واحدة من أبرز نقاط التحول في ثورة إيران الإسلامية.
وجاء الكشف عن ضلوع عصابة ماركسية في عملية اغتيال مرتضى ليؤكد شكوك الخميني المتوطدة بخصوص داعمي الثورة من العلمانيين واليساريين، وجعلته يمضي قدماً في طريقه لتنفيذ خططه الرامية إلى الدفاع عن حكم رجال الدين ضدهم.
وبعدها بأربعة أيام فقط، أمر الخميني بتأسيس الحرس الثوري، وتسببت الهجمات التي تم شنها في وقت لاحق على مسؤولي النظام الجديد في السنوات التي تلت ذلك بحدوث عمليات انتقامية وحشية والمساهمة في تعميق الدولة البوليسية الثورية.
ووفقاً لمثل هذه المعايير القاتمة، فإن هذا النذر ليس الأسوأ بالنسبة لتونس. حيث أول رد فعل من جانب رئيس الوزراء، حمادي جبالي، المنتمي إلى حزب النهضة، في الاتجاه الصحيح، حيث أدان عملية الاغتيال وأعلن أن من وقفوا وراء الحادث هم أعداء للثورة. فيما حمَّل شقيق بلعيد زعيم حزب النهضة، رشيد غنوشي، مسؤولية الواقعة.
وبحسب الأوضاع الراهنة، فمن غير المحتمل على ما يبدو أن تنزلق تونس إلى حرب أهلية، فلم يظهر اليساريون حتى الآن أي ميل للعنف. لكن الخطر الوارد حدوثه هو أن ذلك قد يمثل بداية انقسام لا يمكن التغلب عليه تقريباً داخل المعسكر الثوري، في ظل وجود تداعيات جادة بالنسبة إلى عدم استقرار تونس المتوقع على المدى البعيد.
ورغم تأكيد المجلة على المشكلات التي تمثلها دوماً الاغتيالات السياسية، إلا أنها أوضحت أن المجتمعات المستقرة تحظى بمؤسسات تعينها على التكيف مع التداعيات.