كشف مسؤولون اميركيون أن البنتاغون ووزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية قدموا اقتراحًا لتسليح المعارضة السورية، لكن البيت الأبيض رفضه خوفًا من وقوع السلاح في أيدٍ معادية.

اعلن وزير الدفاع ليون بانيتا ورئيس هيئة الاركان المشتركة للجيوش الاميركية الجنرال مارتن ديمبسي لأول مرة في جلسة استماع عقدها مجلس الشيوخ يوم الخميس أنهما أيدا في العام الماضي مقترحًا قدمه مسؤولون كبار، بينهم وزيرة الخارجية وقتذاك هيلاري كلنتون، ومدير وكالة المخابرات المركزية في حينه ديفيد بترايوس.
واقتنع المسؤولون بخطة تسليح المعارضة العام الماضي بعد فشل المبادرات الدبلوماسية الدولية لإنهاء الحرب الأهلية السورية، كما افادت صحيفة وول ستريت جورنال، نقلًا عن مسؤولين مطلعين على النقاشات التي دارت بهذا الشأن.
وامتنع البيت الأبيض عن الأخذ بالمقترح نظرًا للتساؤلات التي ظلت تُثار بشأن الفصائل السورية التي يمكن الوثوق بها، وما إذا كان إيصال السلاح سيغير ميزان القوى في الحملة الرامية إلى اسقاط الأسد، أو سيزيد فقط معاناة السوريين، بحسب المسؤولين الاميركيين.
تطيّر أوباما
قال مسؤولون أميركيون كبار إن البيت الأبيض كان قلقًا من مخاطر التورط بصورة أعمق في الأزمة السورية، وامكانية وقوع الأسلحة بأيدي جماعات متطرفة. وإذ كان اوباما في غمرة حملته الانتخابية من اجل ولاية ثانية، فإن البيت الأبيض رفض الخطة في قرار قال بانيتا خلال تقديم افادته إنه يقبل به الآن.
وباستثناء الجنرال ديمبسي، فإن المسؤولين الذين أيدوا تسليح المعارضة أنهوا عملهم مع ادارة اوباما، أو على وشك أن تنتهي ولايتهم فيها، مثل بانيتا نفسه.
وبسبب هذه التغيرات، قد لا يكون مستغربًا أن تُكشف تفاصيل النقاش حول تسليح المعارضة الآن، في مؤشر إلى المركزية الشديدة التي تتسم بها عملية صنع قرارات السياسة الخارجية في البيت الأبيض.
وتلقي هذه المعلومات ضوءًا كاشفًا على تفرد اوباما في رسم النهج الذي يريد اتباعه، في مواجهة دعوات إلى التحرك من اعضاء طاقمه نفسه، ومدى تطيره من التدخل في نزاع جديد.
انهيار أنان
في الأشهر التي اعقبت اندلاع الانتفاضة السورية في آذار (مارس) 2011، اقترح البنتاغون ووزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية على البيت الأبيض خيارات متعددة للتدخل العسكري أو تنفيذ عمليات سرية أو تسليح المعارضة. واشتملت هذه الخيارات على اقامة منطقة حظر جوي وقصف طائرات النظام في عنابرها وإيصال اسلحة خفيفة ومعلومات استخباراتية إلى مجموعة منتقاة من الفصائل المسلحة المزكاة اميركيًا.
وكان ديمبسي وقادة آخرون في البنتاغون اعربوا منذ فترة طويلة عن توجسهم من أي تدخل عسكري، بما في ذلك فرض منطقة حظر جوي، نظرًا لدفاعات النظام الجوية المتطورة ولتحاشي إغضاب روسيا. ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤولين في البنتاغون إشارتهم إلى مخاوف من أن ترد موسكو بالتدخل في بعض خطوط الامداد إلى القوات الاميركية في افغانستان.
وحدث ما اعتبره كثيرون في وزارة الخارجية الاميركية انعطافًا بالغ الأهمية، بعد انهيار المبادرة الدبلوماسية بقيادة المبعوث الدولي كوفي انان في حزيران (يونيو) 2012، كما أفاد مسؤولون حاليون وسابقون. وكانت الولايات المتحدة ترى في خطة انان، التي أيدتها روسيا وقوى كبرى أخرى، اختراقا سيؤدي إلى حكومة انتقالية في سوريا.
وشجع انهيار الخطة الداعين في وزارة الخارجية الاميركية إلى تسليح المعارضة، بحسب مسؤولين اميركيين. وضمت كلنتون صوتها إلى صوت بترايوس لدفع الادارة إلى الموافقة على مقترح تسليح المعارضة. وقال اصحاب هذا المقترح انه سيمنح الولايات المتحدة فرصا لتحديد مجرى الأحداث على الأرض وبناء تحالفات.
دعم غير مؤثر
حين تعاظمت مشاعر القلق بشأن ما يجري في سوريا أواخر الصيف الماضي وأوائل الخريف، انضم بانيتا والجنرال ديمبسي إلى دعاة تسليح المعارضة، في موقف لم يكشف عنه الاثنان إلا خلال افادتهما امام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ يوم الخميس.
وقال مسؤولون إن الاقتراح نال دعم مدير الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر ايضًا.
وفي ذلك الوقت، توصل فريق من محللي وكالة المخابرات المركزية إلى أن ارسال اسلحة اميركية للمعارضة لن يؤثر في الوضع على الأرض، ولن يساعد المعارضة على اسقاط الأسد، كما قال مسؤول اميركي. واضاف المسؤول إن مقاتلي المعارضة يتلقون كميات كبيرة من السلاح من بلدان أخرى، بينها دول حليفة في الخليج.
وفي ضربة أخرى للمقترح، كان العديد من مؤيديه والمدافعين عنه على وشك أن يغادروا الادارة، إذ استقال بترايوس في تشرين الثاني (نوفمبر) بعد اتهامه باقامة علاقة جنسية خارج اطار الزوجية.
وفي كانون الأول (ديسمبر)، اعترف أوباما بحركة المعارضة السورية، لكنه لم يذهب إلى حد تسليحها.
أسئلة ماكين
جاء الكشف عن هذه المعلومات بشأن سعة الدعم الذي كان تسليح المعارضة يحظى به من كبار مسؤولي الادارة، في معرض الإجابة عن اسئلة حادة طرحها عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري جون ماكين، خلال جلسة استماع دعت اليه لجنة القوات المسلحة، لتدارس الرد على الهجوم الذي استهدف مبنى القنصلية الاميركية في بنغازي. لكن الجلسة تناولت أيضًا تحديات أخرى في مجال السياسة الخارجية بينها النزاع السوري.
قال ماكين: quot;سأسألكم مجددًا ما سألت في آذار (مارس) الماضي، عندما كان عدد القتلى السوريين 7500. بات عددهم اليوم 60 الفا على الأقل. كم من البشر ما زال عليهم أن يموتوا قبل أن تأمروا بعمل عسكري؟quot;
أضاف: quot;هل دعمتم التوصية الصادرة عن وزيرة الخارجية في حينها ومدير وكالة المخابرات المركزية وقتذاك الجنرال بترايوس بتسليح المقاومة في سوريا؟quot;
ورد بانيتا وديمبسي كل بدوره quot;أيدنا ذلكquot;.
وقال بانيتا إنه اتفق مع كلنتون وبترايوس، لكنه أيد ايضًا قرار اوباما رفض الاقتراح. قال بانيتا: quot;كان هناك عدد من العوامل التي أدت في النهاية إلى قرار الرئيس بأن تكون المساعدات غير فتاكةquot;.
في سوريا كانت فصائل المعارضة تأمل بأن تسفر اعادة انتخاب اوباما عن منحه القدرة السياسية لزيادة الدعم المقدم اليها. لكن مسؤولين حاليين وسابقين قالوا إن المعارضة السورية المسلحة أخطأت في الحكم على موقف البيت الأبيض الذي ما زال يحجم عن التدخل في نزاع جديد.
تعاطف كلامي
كانت فصائل المعارضة السورية طلبت منذ فترة طويلة مدها بالسلاح الذي تحتاجه. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن اللواء محمد حسين الحاج علي، المنشق عن جيش النظام، أنه طرح مسألة تسليح المقاومة في اجتماع عُقد في ايلول (سبتمبر) الماضي في العاصمة الاردنية مع الجنرال جيمس ماتيس، قائد القوات الاميركية في المنطقة الوسطى التي تشمل عملياتها الشرق الأوسط.
وقال اللواء الحاج علي: quot;كان ماتيس متعاطفًا جدًا، لكن همه الرئيسي كان هوية من سيتلقى هذه الأسلحةquot;. واضاف الحاج علي انه وعد بأن يحرص المقاتلون الذين يتلقون اسلحة على ألا يفقدوا السيطرة عليها وأن يعيدوا أي اسلحة لا يستخدمونها. وقال الجنرال ماتيس انه سيجتمع مع مسؤولين في الادارة خلال 48 ساعة ويعود إلى اللواء الحاج علي. واضاف اللواء الحاج علي انه لم يتلق ردا رغم مرور عدة اسابيع.
وقال جيفري وايت، المحلل السابق في وكالة الاستخبارات الدفاعية والباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى حاليًا، إن تسليح المعارضة سيساعدها في معركتها ضد قوات النظام الأحسن عدة وتسليحًا، بما لديها من طائرات ودروع ومدافع، ويقلل من الخسائر التي تقع في صفوف مقاتليها.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن وايت أن ما لا يقل أهمية عن ذلك أن تسليح المعارضة سيمنح الولايات المتحدة نفوذًا لدى فصائل ستتولى ادارة الوضع في حال سقوط الأسد ويحد من نفوذ المتطرفين.
وقال وايت إن الفصائل التي لديها السلاح هي التي ستهيمن على الوضع السياسي والعسكري يوم سقوط النظام، quot;وإذا كان بعض هذه الفصائل يدين لنا بهذه القدرات فإن ذلك سيكون امرًا ايجابيًا، وهو لا يعني اننا سنتحكم بالوضع ولكنه سيمنحنا وسيلة لتشكيلهquot;.
مع من سنتعامل؟
لكن دانيل كورتزر، السفير الاميركي السابق في اسرائيل ومصر، اعرب عن وجهة نظر مغايرة، قائلًا إن المخاطر المحتملة تفوق المكاسب. واشار إلى انه حتى بعد التوثق من توجهات الفصائل التي تسلحها الولايات المتحدة سيكون من الصعب التأكد من عدم وقوع الأسلحة بأيدي فصائل ليست جديرة بالثقة أو حتى معادية.
وقال كورتزر لصحيفة نيويورك تايمز إن المشكلة التي اعتقد أن البيت الأبيض شخَّصها على نحو أوضح بكثير من طاقم الأمن القومي هي: quot;مع من سنتعامل؟quot;
واستأثر بشطر كبير من جلسة الاستماع يوم الخميس الجدل حول رد البنتاغون على الهجوم على القنصلية الاميركية في بنغازي. وقال مسؤولو البنتاغون إن القوات الاميركية لم تكن قادرة على الرد بسرعة لأنه لم تكن هناك معلومات عن هجوم وشيك. واتهم ماكين البنتاغون بالتقصير لعدم ارسال قوات إلى المنطقة قبل حلول ذكرى هجمات 11 ايلول (سبتمبر) 2001.
وقال مسؤولون إن جون برينان، مستشار اوباما لشؤون مكافحة الارهاب، والمرشح لمنصب مدير وكالة المخابرات المركزية بعد بترايوس، يمكن أن يتوجه إلى زيادة العمليات السرية في سوريا. ويعتبر برينان من المقربين إلى اوباما وأعرب بوضوح عن قلقه من تنامي قوة تنظيم القاعدة في سوريا.
وإذ تفادى اوباما التدخل العسكري فانه سمح بتقديم مساعدات غير فتاكة إلى المعارضة السورية، فضلًا عن المساعدات الانسانية. وفي استثناء ملحوظ، حذر اوباما رئيس النظام السوري من أن استخدام الأسلحة الكيمياوية خط أحمر قد يستحث ردًا عسكريًا اميركيًا.