يتخوف نشطاء جزائريون تحدثوا لــ quot;إيلافquot; من تكرار تجربة quot;العشرية السوداءquot;، التي عاشتها الجزائر في مطلع التسعينيات في تونس، بعد حادثة اغتيال الناشط السياسي التونسي شكري بلعيد، تجربة الجزائر الدموية بدأت عشية وقف المسار الانتخابي، بسلسلة من المظاهرات والاعتصامات، قادها نشطاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة وقادتهم، وأجهضت من طرف قوات الأمن الجزائرية، وتحولت بعد ذلك إلى موجة عنف دموية، دامت لأكثر من عشر سنوات، وراح ضحيتها عدد كبير من الجزائريين، منهم العشرات من خيرة المثقفين، والسياسيين، والإعلاميين الجزائريين.


بودهان ياسين: عبّر رئيس الهيئة الاستشارية لحقوق الإنسان المحامي فاروق قسنطيني في تصريح لــ quot;إيلافquot; عن quot;تخوفه من النتائج التي ستفرزها هذه العمليةquot;. وأشار إلى أن quot;هذه الحادثة تذكرنا بمسلسل الاغتيالات في الجزائر، خلال مرحلة التسعينياتquot;، وإذ عبّر عن أسفه quot;لوقوع هذه الجريمةquot;، أكد أيضًا quot;تخوفه على مصير تونسquot;.

ووصف قسنطيني الحادثـة بأنها quot;إرهابية في حد ذاتهاquot;، وهي quot;جريمة سياسيةquot;، بغضّ النظر من المسؤول عن ارتكابها. وأشار الناشط الحقوقي إلى أن quot;الحادثة ستكون مصدر قلق للشعب التونسي على مصيره ومستقبلهquot;، و الدليل على ذلك ــ يشير ــ quot;المشاركة القوية في تشييع جنازة المرحوم، وخاصة من قبل ممثلي المجتمع المدني، وهو ما يؤكد أن quot;هناك تخوفًا حقيقيًا على مستقبل تونس الشقيقةquot;.

من جانبه ندد جلول جودي الناطق الرسمي باسم حزب العمال الاشتراكي، في تصريح لــ quot;إيلافquot;، بـquot;عمليات اغتيال النشطاء السياسيين مهما تكن توجهاتهم الفكريةquot;.

إجهاض مخططات الامبريالية

ويتهم جودي quot;الامبريالية العالميةquot; بــ quot;محاولتها تغيير مسار الثورة في تونسquot;، وشدد محدثنا على أن quot;كل الأفكار التقدمية الاشتراكية المناهضة للإمبريالية يتم قمعها وإجهاضهاquot;، لكن حسب جودي فإن quot;فكر شكري بلعيد لم يمت، ولن يموت، فمازال هناك مناضلون سيجهضون كل محاولات إسكات الشعب التونسي.

وأكد أن هذا الشعب سيقف يدًا بيد في وجه من يريد تحويل مسار الثورة التونسيةquot;، فــ quot;شعب تونس المحب للديمقراطية ــ يضيف ــ متمسك بحقه في تقرير مصيره من دون تدخل القوى الإمبريالية، التي تريد أن تحول مسار الثورة في تونس وفي مصر وفي ليبيا أيضًاquot;.

واعتبر جودي بأن quot;هذا الاغتيال هو اغتيال لحرية الفكر، وسيؤثر حتمًا على مسار العمل السياسيquot;. وأضاف أن quot;هناك تشابهًا بين الاغتيالات السياسية التي حدثت في الجزائر في مطلع التسعينيات، بعد وقف المسار الانتخابي، ودخول الجزائر في موجة من العنف دامت لأكثر من 10 سنوات، كان خلالها الكثير من السياسيين والمفكرين، وأصحاب الرأي ضحايا للقمع، وفكر الإقصاءquot;.

رفض محدثنا تحميل مسؤولية ما حدث لحركة النهضة من خلال قوله quot;رغم أن هناك نوعًا من الصراع بين حركة النهضة وبين المناضلين الاشتراكين، إلا إنني لا أستطيع أن اتهم أي تيار أو حزب بتورّطه في عملية الاغتيالquot;، لكنه يضيف quot;ما أريد أن أقوله، هو أنني أتمنى أن لا تتكرر تجربة الجزائر خلال العشرية الحمراء في تونس، فخلال السنوات العشر تم تطبيق كل مخططات الإمبريالية في الجزائر، بما في ذلك مخطط التصحيح الهيكليquot;.

أما الإعلامي الجزائري رمضان بلعمري ذهب إلى القول إن quot;من تجرّأ على اغتيال المعارض السياسي التونسي البارز شكري بلعيد، بتهمة الكفر أو معاداة الإسلام، إنما قام بتدشين مسلسل الاغتيالات السياسية في بلد غير معتاد على لغة السلاح ولا على لغة العنفquot;.

آلة الاغتيالات نفق مظلم

وإذا أراد التونسيون ــ يضيف مؤكدًا ــ أن quot;يعرفوا إلى أين يؤدي نفق الاغتيالات السياسية، فما عليهم سوى إلقاء نظرة إلى تاريخ الجزائر في السنوات العشرين الماضيةquot;.

وأوضح أن quot;آلة الاغتيالات السياسية حصدت رئيس جمهورية هو محمد بوضياف، وحصدت بعده عشرات المثقفين والصحافيين والسياسيين والعسكريين، بتهمة موالاة النظام ومعاداة الإسلاميين، من دون إغفال حالة الموت الجماعي التي راح ضحيتها آلاف الجزائريين البسطاءquot;.

يضيف quot;في حالة المعارض السياسي التونسي شكري بلعيد، كان هناك الكثير من عمليات القتل في الجزائر قائمة على الخلاف السياسي، أو كان مبررها تكفير الآخرquot;.

بخصوص المسؤول عن حادثة الاغتيال يوضح بلعمري quot;بالنسبة إلى المسؤولية السياسية عن الاغتيالات التي وقعت في الجزائر، فقد كان الاتهام مباشرًا للجماعات الإرهابية، بالنظر إلى قائمة الأهداف التي تم إسقاطها. لكن الاتهام طال في وقت لاحق النظام الجزائري بحد ذاته، وظهر السؤال المحرج آنذاك من يقتل من في الجزائرquot;.

quot;أما في الحالة التونسية اليوم، فمن يتحمّل المسؤولية ــ يتساءل بلعمري ــ إذا كان الإسلاميون هم السلطة الحاكمة؟quot;. يجيب عن سؤاله بالقول quot;هنا يبدو أن حركة النهضة، وهي حركة إخوانية، هي من يتحمّل المسؤولية الاغتيالات، فإذا لم تكن عقيدة النهضة التونسية اللجوء إلى التصفية الجسدية للخصوم، كما تقول، فهي لا محالة مسؤولة عن تحالفها مع التيارات الدينية المتشددة في الشارع التونسي، وبهذا المنطق، فالنهضة التونسية مسؤولة عن لعبة الموت، التي ينفذها المتطرفون ممن ينتمون إلى ما تسمى بـquot;السلفية الجهاديةquot;، أو من تيارات أخرى غير معروفة على الساحة حتى الآنquot;.

ضربة موجعةللربيع

من جانب آخر يرى الإعلامي المصري والكاتب في صحيفة المصريون سمير البحيري في حديثه لــ quot;إيلافquot; أن quot;اغتيال شكري بلعيد قد يكون أحد أهم الكوارث التي نالت بشكل قوي من الربيع العربي ككل، خاصة أنها وقعت في البلد الذي أطلق شرارة الثورات العربية، وهو ما يدعو إلى الدهشة ــ يضيف محدثنا ــ بأن تصل الأمور في تونس إلى هذا المنحى الخطر عبر إسقاط كل صاحب رأي بالرصاصquot;، وهو اعتبره quot;انتكاسة حقيقية ضربت قلب الثورة التونسية، وتعيدنا إلى الوراء عشرات السنين في الوقت الذي استبشرنا فيه خيرًا بأن تبدأ الشعوب العربية فصولًا جديدة نحو تكريس الديمقراطية بمفهومها الصحيحquot;.

وإن quot;لم تكن هناك مسارعة ــ يقول البحيري ــ بالتوعية والجلوس على مائدة الحوار بين جميع القوى في تونس، فقد تتكرر المأساة مرة ثانية وثالثةquot;.

وبالمقارنة مع المشهد المصري والتونسي يشير البحيري إلى أن quot;الأمر مختلف بعدما وصل التناحر بين القوى السياسية إلى حد التحرش بصدامات مختلفة في الشوارع، كما رأينا في الأسابيع الأخيرة في ذكرى احتفال الشعب المصري بالذكرى الثانية لثورة 25 يناير، ليتغير وجه المشهد سريعًا عبر فتوى لشيخ سلفي، يُدعى محمود شعبان، تقضي بإهدار دم قوى المعارضةquot;، وهو ما ينذر ــ بحسب محدثنا ـــ بــ quot;عواقب وخيمة قد تؤدي إلى اندلاع عنف واغتيالات بشكل أو بآخر، بعدما أصبح الوضع السياسي المصري مشتعلًا وفي خطر حقيقي، بعد تصاعد الأحداث بتحريك من قوى المعارضة، التي لا تملك استراتيجية حقيقية، ولا توجهًا مقنعًا قد يكون البديل الناجحquot;.

يحمّل البحيري مسؤولية ما يحدث في مصر حاليًا لـquot;جبهة الإنقاذquot;، التي قال عنها إنها تتبع أسلوب المعارضة الكيدية، بسبب كرهها للإخوان المسلمين، ولو كانت المعارضة في السلطة فمن الصعب جدًا تقديم أفضل مما قدم منذ تولي الرئيس محمد مرسي رئاسة مصر، وتتحمّل جبهة الإنقاذ الجانب الأكبر من العنف الذي نراه في الشارع المصري، رغم أخطاء النظام الحاكم وتخبطه في أكثر من موقف سابقquot;.