يرى متابعون للمشهد السياسي في مصر دخول العلاقات بين الإدارة الأميركية والرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين منعطفًا خطرًا يشير إلى حدوث توترات كبيرة بين الطرفين، مما ينذر بقرب انتهاء شهر العسل في ما بينهما، بعدما شهدت العلاقات تحسنًا كبيرًا فور تسلم الرئيس مرسي السلطة، لدرجة أن وزيرة الخارجية هلاري كلينتون كان لها دور كبير في إبعاد المجلس العسكري عن السلطة.


أحمد حسن من القاهرة: اتضح توتر العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية والإخوان من خلال إدانة وزارة الخارجية الأميركية بشدة أعمال العنف التي تمارسها الحكومة، والتي وقعت في مصر، حيث قالت المتحدثة باسم الوزارة فيكتوريا نولاند في تصريحات سابقًا: quot;نشعر بقلق بالغ إزاء هذه الحوادث، بما في ذلك الاعتداءات الجنسية (الإخوانجية) ضد النساء، وضرب رجل أعزل في الأسبوع الماضي، ونحن نحثّ الحكومة المصرية على إجراء تحقيق دقيق يتمتع بالمصداقية في كل تقارير العنف وأخطاء مسؤولي الأمن والمتظاهرين، وتقديم الجناة إلى العدالة للمساءلة، والمحاسبة هي أفضل وسيلة لمنع تكرار مثل هذه الحوادثquot;.

وأضافت نولاند: quot;لهذا السبب فإننا نطالب اليوم بشدة بالتحقيق في كل هذه الأنواع من الحوادث؛ لأنه، ولمرة أخرى، يجب أن تكون هناك مساءلة، فهذه هي أفضل طريقة لضمان تحسن الأجواء في ما يتعلق بالأمن العام للمواطنين، وممارسة حقوقهم بشكل سلمي، ومنع العنف من جانب المتظاهرينquot;.

التلويح بورقة المعونة
تزامن هذا أيضًا مع خروج السفيرة الأميركية في القاهرة لتندد بفشل الحكومة والرئيس في حماية المتظاهرين، والتهديد بتصفية المعارضة، من خلال خروج فتاوى تطالب بقتلهم، كما انتقد جون كيري وزير الخارجية الأميركية الوضع في مصر، كما عاد نواب في الكونغرس الأميركي إلى التلويح مرة أخرى بورقة المعونة الاقتصادية والعسكرية ضد الرئيس مرسي.

مرحلة مراجعة
حول تطورات العلاقات بين الإخوان والولايات المتحدة الأميركية، يقول الدكتور أسامة المهدي أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية لـquot;إيلافquot;: إن تصريحات المسؤولين في الإدارة الأميركية عن الوضع في مصر، والتي وصلت إلى درجة الانتقادات الشديدة، تشير إلى أن السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط دخلت في مرحلة مراجعة، في ظل استعانة الرئيس أوباما في فترة رئاسته الثانية بوزيري الخارجية جون كيري والدفاع تشاك هافل.

حرج لأميركا أمام العالم
أشار المهدي إلى أن الإدارة الأميركية كانت تريد تكرار تجربة باكستان في مصر عبر وجود حكم إسلامي متعاون مع الجيش؛ ولذلك كان الدعم الكبير للرئيس مرسي في بداية حكمه، ولكن يبدو أن الإدارة الأميركية تعيد حساباتها، بعد فشل الحكم المصري في تنفيذ ما وعد به، بل إنه ارتكب انتهاكات حقوقية وقانونية بعيدًا عن ممارسة حقيقية للديمقراطية، ما وضع الإدارة الأميركية في حرج شديد، وأصبح من غير المنطقي مساندة الرئيس وجماعته أمام العالم، خاصة وأن السفيرة الأميركية في القاهرة فشلت في التقارب بين المعارضة والرئيس؛ لوقف العنف في الشارع.

الوسطية لن تدوم
وقال المهدي إن الإدارة الأميركية الآن تعيد مراجعة سياساتها تجاه دول الربيع العربي كلها، بعد فشل الاعتماد على الحكم الإسلامي المعتدل؛ لمواجهة الحكم الإسلامي المتطرف، المتمثل في إيران وأفغانستان، ولكن الواضح لها حتى الآن عدم وجود فوارق كبيرة، فقد زاد هذا التوجّه لدى الإدارة الأميركية عقب قتل السفير الأميركي في ليبيا، وهو ما يشير إلى أن الولايات المتحدة لن تساند حكم الإخوان مستقبلًا، وقد تشهد الأيام المقبلة المزيد من توتر العلاقات، ولكن السياسة الأميركية سوف تمسك العصا من النصف لفترة محددة، ولكنها لن تدوم.

وأشار السفير صلاح فهمي مساعد وزير الخارجية السابق إلى أن الإدارة الأميركية عادت مرة أخرى إلى اللعب على ورقة دعم الجيش، بعد فشل اعتمادها على الحكم الإخواني في تهدئة الأوضاع في البلاد، معتبرًا أنها بداية انقلاب الولايات المتحدة على الرئيس مرسي بعد هجوم الإسلاميين على السفارة الأميركية في القاهرة، وفشل الرئيس في حماية السفارة، تلاها خروج بيانات تحذير من الخارجية الأميركية للمواطنين الأميركيين في القاهرة من وجود حملات تهديد بالقتل.

وقال لـquot;إيلافquot;: إن وجود جون كيري على رأس الخارجية الأميركية كان سببًا آخر في توتر العلاقات بين البلدين، حيث إنه لا يؤيّد حكم الإسلاميين، ويرى فشلًا في التجربة الليبية؛ ولهذا كان شديد الغضب من سياسة الرئيس في زيارته لمصر أخيرًا.

غضب وتهديدات اقتصادية
الغضب الأميركي جاء أيضًا بعدما دخل النظام المصري في صدامات مع القوى السياسية المختلفة في الداخل، وسمح بشنّ حملة عنيفة على السياسة الأميركية، فالتهديدات الأميركية كانت في المجال الاقتصادي، حيث حددت الإدارة الأميركية في مناسبات عدة أن مفتاح استمرار المساعدات الاقتصادية الأميركية لمصر يكمن في إنجاز الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وأنه من دون هذا الاتفاق فإن الولايات المتحدة مستمرة في تجميدها للمساعدات المالية لمصر، والبالغة 190 مليون دولار.

أمن إسرائيل أولًا
يقول السفير عبدالله الأشعل لـquot;إيلافquot;: إن الإدارة الأميركية يكمن تركيزها الآن على تنمية الوضع الاقتصادي للولايات المتحدة الأميركية، إلى جانب حرصها على إقامة علاقات طيبة مع دولة روسيا ودول شرق آسيا. أما بشأن النظرة إلى منطقة الشرق الأوسط فهي لا تأتي في الترتيب الأول، كما كان في العهد السابق، طالما أن أمن تل أبيب سليم، والدليل على ذلك خروج تصريحات من مسؤولين في البيت الأبيض ونواب في الكونغرس الأميركي تؤكد على وجود عشرة محاذير تقف أمام تدخل الولايات المتحدة الأميركية في سوريا، واستحالة تكرار تجربة العراق مرة أخرى في ظل رفض دول الخليج تمويل أي عملية عسكرية ضد سوريا وتهديدات إيران بالدخول في الحرب، والأمر الأهم إدراك البيت الأبيض الخسائر الاقتصادية نتيجة الحرب على العراق.

واشار إلى أن كل هذه المعطيات تؤكد أن الإدارة الأميركية لا تعطي اهتمامًا كبيرًا لما يحدث في مصر ومنطقة الشرق الأوسط، ولكنها تحتفظ فقط بالتواجد ما بين الحين والآخر، كدول كبرى في العالم؛ ولذلك كان الحديث عن انتهاء شهر العسل بين الأميركيين والإخوان غير صحيح، فالانتقادات لمصر ليست بالمؤثرة، وهناك تأكيدات تخرج من جانب الخارجية الأميركية تؤكد على تفهم صعوبة التحول الديمقراطي في مصر واستمرار المساندة للرئيس مرسي، وتقديم المعونات والزيارات الأميركية للقاهرة لم تنقطع.