ينقسم التونسيون حول علي العريض رئيسًا للحكومة، فالأحزاب المتحالفة مع الاسلاميين تصفه برجل الدولة، بينما تشكك المعارضة بنجاحه في رئاسة الحكومة بعد فشله في وزارة الداخلية، مؤكدةً أن المهم هو أن تغيّر الدولة سياستها، لا أن تكتفي بتغيير الأشخاص.


محمد بن رجب من تونس: استقالت حكومة حمادي الجبالي بعد أربعة عشر شهرًا من تعيينها، ورشحت حركة النهضة وزير الداخلية علي العريض لرئاسة الحكومة الخامسة بعد ثورة 14 كانون الثاني (يناير) 2011.

وفي انتظار تشكيل الحكومة التي ستشمل حزبين جديدين خلال خمسة عشر يومًا، يواجه رئيس الحكومة الجديد علي العريض رفضًا حادًا من بعض الأحزاب المعارضة، في مقابل استبشار أحزاب أخرى بقدرة الرجل على تجاوز العراقيل وتحسين أداء الوزراء، بهدف استكمال تحقيق أهداف الثورة، من خلال خارطة طريق واضحة تتضمن إنهاء كتابة الدستور وتحديد تاريخ إجراء الإنتخابات و محاسبة الفاسدين وتحصين الثورة.

وقال علي العريض، عقب تكليفه من قبل رئيس الجمهورية: quot;أشعر بثقل هذه المسؤولية التي رشحت لها، وآمل أن ألقى القبول من التونسيين والتونسياتquot;، متمنّيًا أن تكون الحكومة حكومة كل التونسيين والتونسيات، وأن تلقى دعم الجميع من أحزاب ومنظمات.

مناضل ورجل دولة

اعتبر اسكندر الرقيق، عضو حركة وفاء التي ستشكل أحد أضلاع الحكومة الجديدة، في تصريح لـquot;إيلافquot; أن العريض مناضل من الدرجة الأولى ورجل دولة من العيار الثقيل، متمنيًا أن quot;ينفتح على أكبر عدد ممكن من الأحزاب لتكوين حكومة مصلحة وطنية يتم من خلالها تغليب المصلحة العليا للبلاد، في هذه المرحلة الحساسة التي نعيشها، على المصالح الحزبية الضيقة وعلى الحسابات الإنتخابية القادمةquot;، مؤكدًا عدم ترشيح أعضاء الحكومة الجديدة للإنتخابات على أن تعطى وزارات السيادة لوزراء ذوي كفاءة عالية، سواء أكانوا مستقلين أو متحزبين.

من ناحيته، أكد الأمين العام لحزب الأمان محمد نعمون في تصريح لـquot;إيلافquot; أن علي العريض شخصية وطنية حققت نجاحات عديدة باعتباره رجل دولة، خلافًا لما يشاع.

وأشار نعمون إلى أن حزبه يدفع نحو تخطي الصعوبات المحتملة وتجنيب البلاد مآزق خطيرة، وبالتالي من حيث المنطلق فالإيجابية متوفرة، quot;وما نراه يوفر شروط النجاح، والمعطيات التي لدينا لا تحسم الموقف النهائي لأننا كنا قد رفضنا في مرة سابقة جملة من الشروط نعتقد أنها توفر سبيل الخلاص وتحفظ ماء الوجه لمختلف الأطراف وتؤسس إلى انتخابات شفافة ونزيهة، تنتج عنها حكومة شرعية لمدة زمنية كافية تستقل بالقرار وتنفذ برامجهاquot;.

التوجهات والقرارات

أوضح لطفي المرايحي، أمين عام حزب الإتحاد الشعبي الجمهوري، في تصريح لـquot;إيلافquot; أن الإشكال لا علاقة له بالأشخاص بقدر ما يتركز أساسًا حول التوجهات والقرارات، مضيفًا أنه يأسف لأن القرارات غير شعبية وهذا يتطلب شجاعة وأشخاصًا لا يعملون من أجل النجاح في الإنتخابات القادمة.

وأشار إلى إصرار حركة النهضة على تلميع صورتها وليس خدمة الرأي العام، والحكومة القادمة غير قادرة على أن تقدم البديل الذي يرضي الشعب التونسي، لأنها تساير الشارع، بينما كان من الأجدى أن توجه الشارع إلى ما فيه مصلحة البلاد.

ليس الشخص المناسب

أكد عصام الشابي، الناطق الرسمي باسم الحزب الجمهوري، في تصريح لـquot;إيلافquot; أنه لا يعترض على العريض الذي يحترم شخصه ونضاليته، لكنه لا يرى فيه الشخص المناسب لرئاسة الحكومة في هذه الفترة.

أضاف: quot;أن التونسيين غير متفائلين والحزب الجمهوري لا يرى أن العريض يمثل رجل التوافق بين جميع الفرقاء، اعتبارًا من فشله في إدارة وزارة الداخليةquot;.

وأشارت المحامية حنان ساسي، عضو الحزب الوطني الحر، في إفادة لـquot;إيلافquot; إلى أن التونسيين لم يلمسوا تحسنًا في الوضع الأمني في تونس أثناء وجود العريض في وزارة الداخلية، بدليل عدد الأحداث التي شهدتها الجهات أخيرًا، والأخطاء التي ارتكبتها وزارته، وبالتالي يعتبر مسؤولًا عن ذلك، فهل يعقل أن نرشح من فشل في وزارة الداخلية على رأس الحكومة التي تتطلب حنكة أكبر في التعامل مع الأحداث؟quot;.

أضافت: quot;كان على حركة النهضة أن تعين شخصية أخرى بعيدة عن الحكومة المستقيلة الفاشلة، ولكن الآن ما يعنينا هو ضرورة تغيير سياسة الحكومة على أن تسطر برنامجًا يتلاءم مع المرحلة الصعبة التي تمر بها تونس، ويتمثل في تحقيق الأمن للتونسيين وإبعاد شبح الخوف عنهم وتنظيم قطاعي القضاء والإعلام، والتركيز على تحقيق أهداف الثورة ورفع نسق التنمية لتوفير العدالة الإجتماعيةquot;.

وأبرز منجي الهمامي، عضو الهيئة السياسية لحزب النضال التقدمي، في إفادة لـquot;إيلافquot; أنّه لا يرفض شخص العريض وإن لم يحقق النجاحات المرجوة في وزارة الداخلية، مؤكدًا أن الأهم هو تغيير السياسات وليس تغيير الأشخاص، وبالتالي تكون حكومة تصريف أعمال إلى حين إنجاز الإنتخابات، من دون مواصلة نفس نهج الإقتراض المبالغ فيه على أن يتم تحديد مواعيد واضحة للمرحلة المتبقية.

بقيت السياسات

وأكد محمد براهمي، الأمين العام لحركة الشعب، في تصريح لـquot;إيلافquot; أن الشخصيات تغيّرت وبقيت السياسات، مضيفًا أن العريض خلف حمادي الجبالي بعد أن فشل الأول وبالتالي سيفشل الثاني، لأن السياسات لم تتغيّر، والذهنية الحاكمة هي نفسها.

وقال براهمي إن الجبالي منح الفرصة إلى حركة النهضة لتنقذ نفسها، لكنها أبت إلا أن تحافظ على سياساتها القديمة، وبالتالي ستلقى نفس المصير.

وطالب براهمي ببرنامج إنقاذ وطني ينقذ البلاد من المأزق الذي تردّت فيه، وذلك بالجلوس على طاولة الحوار والإتفاق على طريق إنقاذ من خلال تحسين الوضع الأمني ووضع سياسة حكيمة لإدارة الدولة.

وحمّل الشابي حركة النهضة مسؤولية اختياراتها، مشيرًا إلى أنّها تغلّب المصلحة الحزبية الضيقة، بعيدًا عن المصلحة الوطنية، وهو ما جعلها ترفض مبادرة الجبالي التي حظيت بتوافق وطني حقيقي.

شروط النجاح

شدّد الرقيق على أن لحركة وفاء ثلاثة شروط، quot;يتمثل الأول في المحاسبة وتفعيل العدالة الإنتقالية من أجل الوصول إلى المصالحة حتى موعد الإنتخابات القادمة، والثاني يتمثل في تحسين القدرة الشرائية للمواطن مع العمل على اعتماد سياسة التقشف في الرواتب والتعاطي بجدية مع المهربين والمحتكرين، والثالث يتمثل في التركيز على استتباب الأمن.

واعتقد نعمون أن الحكومة التي تتشكل في هذا الظرف المعقد الآن يجب أن تقدم رسائل مفادها أن النخبة السياسية نجحت في تغليب المصلحة الوطنية، وأقنعت مجمل الأطراف الموجودة على الساحة بأن التغييرات مقبولة، ومنها تحييد وزارات السيادة، إلى جانب إعداد خارطة طريق واقتصارها في الزمن للإنتقال إلى الإنتخابات.

وأكد المرايحي على وجود ثلاثة رهانات، أمني واقتصادي واجتماعي، quot;وبالتالي يجب التعاطي بصرامة مع الإختلالات الأمنية بأنواعها وعدم التسامح مع الإضرابات غير الشرعية والإعتصامات والإحتجاجات وغلق المؤسسات وقطع الطرق، quot;ويجب تطبيق سياسة تقشفية كبرى، واتخاذ إجراءات عاجلة لمساعدة ضعاف الحالquot;.

وشدد الهمامي على أن رئيس الحكومة الجديد مطالب بتشكيل حكومة مصغرة لتصريف الأعمال، من دون الدخول في ملفات كبرى مع الإسراع بتشكيل المؤسسات المتعطلة والخاصة بالإعلام والقضاء والهيئة العليا المستقلة بالإنتخابات وتحديد تاريخ لذلك.

وأكد الشابي على أن الحكومة الجديدة ستعمل من أجل مصلحة حركة النهضة في الإنتخابات القادمة، إذا لم يتمّ تحييد كل وزارات السيادة، quot;حتى إن حصلت على الأغلبية المطلقة في المجلس التأسيسي فلن تجد تأييد التونسيين الذين كانوا ينتظرون حكومة تخرج البلاد من المأزق الإقتصادي والإجتماعي والأمني الذي تعيشهquot;.