لم يسلم حزب مغربي من انشقاق حزب أو أكثر عنه، وهذا ما يعكس استمرار عقلية الاقصاء بدل عقلية التعايش بين التيارات المختلفة داخل الحزب الواحد.
الرباط: أعاد التجاذب الحاصل بين تيارين على الأقل داخل أكبر حزب يساري مغربي، هو الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الجدل حول ظاهرة الانشقاقات الحزبية في المغرب.
بعد مؤتمره الوطني الأخير، احتدم الصراع بين القيادة الجديدة للاتحاد الاشتراكي وتيار رافض لنتائج المؤتمر، يقوده برلمانيوه، معلنًا عن نفسه قبل أيام بالحركة التصحيحية، في خطوة غضب متقدمة قد تفضي إلى خطوات تنظيمية أخرى.
يؤكد باحثون ومحللون سياسيون لـ quot;إيلافquot; أن الانشقاقات الحزبية في المغرب ليست بالظاهرة الجديدة، وقد القت بظلالها على مختلف اطياف الاحزاب السياسية المغربية. ويرون أن الأحزاب المغربية اليوم افتقدت بوصلتها.
تاريخ من الانشقاقات
يرى سعيد خمري، الباحث في العلوم السياسية، أن ظاهرة الانشقاقات الحزبية ليست جديدة على الحقل السياسي المغربي، إنما تعود إلى البدايات الاولى لسنوات الاستقلال. ففي نهاية خمسينيات القرن الماضي، انشق عن حزب الاستقلال، الذي كان نواة الحركة الوطنية المغربية، حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي انشق عنه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والذي شهد بدوره انشقاقًا في بداية ثمانينيات القرن الماضي مع بروز حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، ثم انشق عنه تيار الوفاء للديمقراطية.
كما شهدت الساحة الحزبية انشقاق الحزب الاشتراكي الديمقراطي عن منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، وجبهة القوى الديمقراطية عن حزب التقدم والاشتراكية، ثم الحزب الاشتراكي الذي انفصل عن المؤتمر الوطني الاتحادي، مع العلم أن هذين الحزبين انشقا عن الاتحاد الاشتراكي.
ولم تختص ظاهرة الانشقاق الحزبي فقط بالأحزاب اليسارية المغربية. فحتى الأحزاب المسماة إدارية شهدت بدورها انشقاقات، إذ انشق حزب الإصلاح والتنمية، ومن قبله الحزب الوطني الديمقراطي، عن حزب التجمع الوطني للأحرار.
وقال الخمري لـquot;إيلافquot;: quot;الآن هناك تصدع داخل الاتحاد الاشتراكي قد لا يؤدي بالضرورة إلى انشقاق،إنماعلى الاقل هناكتصدع على مستوى وجهتي النظر داخل قيادة الحزبquot;.
أضاف quot;أنه من النادر أن نرى في التاريخ الحزبي المغربي تحالفات تسفر عن اندماجات أو عن تكتلات، في مثل حالة حزب الحركة الشعبية الذي كانت قد انشقت عنه عدة أحزاب قبل أن تندمج مجدداً داخل نفس الحزبquot;.
بالنسبة للأحزاب اليسارية، وعلى الرغم من اندماج مجموعة من الفعاليات اليسارية مع منظمة العمل الديمقراطي الشعبي (سابقًا) مع اليسار الاشتراكي الموحد ثم مع الوفاء للديمقراطية في إطار الحزب الاشتراكي الموحد، إلا أنه بقي يعاني من مشكلات تنظيميةquot;.
غياب إرادة التوحد
عندما يستمع الخمري إلى خطابات هذه الأحزاب، يخيل إليه أن هناك إرادة للتوحد، quot;إلا أنه على مستوى الواقع لا نجد تجسيدًا لهذه الإرادة، إذ غالبية الأحزاب عاشت الانشقاق وهناك العديد من الأسباب التي تفسر الظاهرة، منها أساسًا غياب الديمقراطيةquot;.
ويرى خمري أن الاحزاب الوطنية ابتعدت عن أدوارها نتيجة غيابها، هي الأحزاب التاريخية التي من المفترض فيها أن تكون نموذجًا في تدبير أمورها التنظيمية ووضوح المشروع المجتمعي والتصاقها بالجماهير.
كان خطاب هذه الأحزاب يحظى بالمصداقية حينما كانت في المعارضة، قبل حكومة التناوب التوافقي التي كان يرأسها عبد الرحمان اليوسفي، إلا أن دخولها تجربة الحكم أبعدها عن الجماهير.
أوضح الخمري قائلًا: quot;يتجلى ذلك من خلال ممارستها وسلوكها ومشاريعها، وكأن الهدف بالنسبة لقيادات هذه الأحزاب هو ممارسة السلطة، والحال أنها وسيلة فقط بيد الأحزاب بصفة عامة، من أجل تطبيق برامجها، بغية الاستجابة للمواطنين الذين يفترض أنهم يصوتون عليها من أجل تطبيق هذا البرنامج أو ذاك، وليس هو الاستيزار في حد ذاتهquot;.
جانب مرضيّ
من جهته، شخص عثمان الزياني، الباحث في العلوم السياسية في جامعة مولاي اسماعيل في مكناس، حالة الانشقاقات الحزبية باعتبارها الجانب المرضي الذي وسم صيرورة المشهد الحزبي في المغرب.
وقال الزياني لـquot;إيلافquot;: quot;نشهد تعددية حزبية غير عقلانية، لا تنضبط لشروط العمل الحزبي الجيد، إضافة إلى غياب التعددية السياسيةquot;، لافتًا إلى أن المخاض الداخلي العسير الذي يعيشه حزب الاتحاد الاشتراكي ليس جديدًا عليه، الذي سبق له أن عرف انشقاقات سابقة.
أضاف: quot;كل المؤشرات الواقعية تنذر بحدوث انشقاقات جديدة داخل الاتحاد، قد ترهن مستقبله السياسي في ظل تراجع خريطته الانتخابية وفقدانه الكثير من قاعدته الشعبية، وفي ظل صعود قوى حزبية استطاعت أن تكسب الريادةquot;.
حاجة إلى أحزاب نوعية
أوضح الزياني أن الحقل السياسي ليس بحاجة إلى مولودات حزبية أخرى، لأنها تظل مجرد اضافات عددية فقط لا تساهم في عقلنة الفعل الحزبي بل ستزيده عبثية، quot;والتجربة أثبتت أن تداعيات الانشقاقات كانت سلبية على العمل السياسي والحزبي، ما زاد في انحسار رقعة عمل الاحزاب السياسية، وفقدانها ثقة المواطنين، وتخلفها عن القيام بمهامها في التكوين والتأطير، لانشغالها في مشاكلها الداخليةquot;.
وفسر الزياني أن الانشقاقات الحزبية تأتي نتيجة لاستمرارية وتجذر ثقافة الاقصاء بدل ثقافة التعايش بين التيارات الحزبية، وثقافة الانتصار بدل اعتماد ثقافة الحوار ووضع مصلحة الحزب فوق كل اعتبارquot;، إضافة إلى أن الاختلافات غالباً ما تخضع لمنطق الشخصنة المرتبطة بصراع الزعامات، التي تتمحور في الغالب حول مصالح شخصية ضيقة لا علاقة لها بالخيارات السياسية الحزبيةquot;.
وخلص الزياني إلى أن قوة الاحزاب ليست في كمّها وإنما في نوعها حينما تحمل مشاريع مجتمعية مختلفة ومتباينة قادرة على خلق حراك سياسي، من شأنه أن يعيد ثقة المواطنين في الاحزاب وفي العملية السياسية.
التعليقات