تفتح الطفلة الصغيرة عينيها الخضراوين الكبيرتين وتبتسم، هي التي تركت وسط الشتاء والبرد عند مدخل مبنى في مدينة حلب في شمال سوريا، في كيس وهي بعد وليدة يومها. ويقول والدها بالتنبي: quot;سميناها هبة الله، لانها فعلًا هبة من اللهquot;.

حلب:quot;هبة اللهquot; معجزة صغيرة. ولدت في 29 كانون الاول/ديسمبر في حلب، كبرى مدن شمال سوريا، التي تشهد معارك يومية منذ تسعة اشهر. لم يكن امام والدتها البيولوجية خيار سوى تركها في العراء، كما العديد من الامهات السوريات اللواتي يختبرن صعوبات الحرب.
وتقول ام معاوية (38 عامًا)، والدة quot;هبة اللهquot; بالتبني، إن الطفلة quot;وضعت الساعة الثالثة فجرًا عند مدخل مبنى. كانت موضوعة في كيس، تبكي، والحبل السري ما زال متصلاً بها. كانت مولودة بالكاد منذ ساعة ونصف ساعةquot;.
ويوضح زوجها ابو معاوية، وهو محاط بثلاثة من اولاده الاربعة، أن quot;امام احد المساجد هو الذي عثر عليها بعدما سمع بكاءهاquot;، قبل أن يقرر اخذها الى ام معاوية، مصففة الشعر التي اصبحت ممرضة في مستشفى ميداني يديره المقاتلون المعارضون للنظام.
وتقول هذه السيدة وهي تعد قارورة حليب للرضاعة quot;كانت محظوظة. خلال 12 ساعة، فحصها عشرون طبيبًا في خمسة مستشفيات. كان ينقصها الاوكسيجين ولونها ازرق، لكن التيار الكهربائي لم يكن متوافرًا في مستشفيات المناطق المحررة (الخاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة) لكي توضع في الحاضنةquot;.
تضيف quot;في نهاية المطاف عثرت على مستشفى في المنطقة المحتلة (الخاضعة لسيطرة نظام الرئيس بشار الاسد)، حيث بقيت (الطفلة) مدة يومينquot;.
عندما عادت ام معاوية بالطفلة الى المنزل، لم يوافق زوجها مباشرة على انضمامها الى العائلة. ويقول وهو ينظر الى ابنة الاشهر الثلاثة النائمة في مهدها quot;اصرت زوجتي واولادي. نظرت اليها، وفجأة بات عندي خمسة اولاد بدلاً من اربعةquot;.
يضيف هذا التاجر (45 عامًا) الذي بات عاطلاً عن العمل quot;ذهبت الى المحكمة الشرعية (التي انشأها مقاتلو المعارضة) وصرحت عنها. اذا اراد والداها استعادتها، عليهما أن يتقدما بشكل رسمي الى المحكمةquot;.
وتسارع زوجته للقول quot;إن شاء الله لن يأتي احد لاستعادتها!quot;.
تضيف quot;عرض أحدهم نقلها الى المانيا ومنحها الجنسيةquot;. وتتابع مع ابتسامة عريضة quot;تحمل (الطفلة) الحظ الينا. يوم دخلت عائلتنا، عاد التيار الكهربائي الى المنزل بعد ايام من الانقطاعquot;.
في هذه المدينة التي تعاني دمارًا كبيرًا وانقطاعًا مستمرًا في المياه والكهرباء، يفرض قدوم طفل جديد الى المنزل اعباء اضافية لا يمكن العديد من العائلات تحملها.
وبحسب شهادات اطباء سوريين لوكالة فرانس برس، ارتفعت حالات الاجهاض بنسبة كبيرة خلال النزاع السوري الذي اودى بحياة نحو 70 الف شخص منذ منتصف آذار/مارس 2011.
وتقول ام معاوية التي تغطي شعرها بحجاب بني اللون متناسق مع معطفها الطويل quot;مع الاشتباكات والقصف، كنت ادعو الى الله ألا احمل. في النهاية، بات لدينا ولد خامسquot;.
حول ام معاوية، يتسابق ثلاثة من اولادها - ابنتان تبلغان من العمر 10 و15 عامًا، وولد في السادسة - على حمل quot;هبة اللهquot;. وتقول الابنة الكبرى لشقيقتها الصغرى quot;(هبة الله) تشبهك يا نسمةquot;.
ويقول احمد: quot;لديّ عينان بنيتان، بينما تتمتع هي بعينين خضراوين جميلتينquot;.
اما الطفلة الصغيرة، فتوزع ابتسامتها على الجميع، قبل أن تعود الى النوم بهدوء.