بغداد: لحظة تأريخية تابعها العالم عبر شاشات التلفاز بكل ماحملتها من معاني لدى انهيار تمثال الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين في التاسع من ابريل/نيسان.
ولكن ذكريات العراقيين بعد عشر سنوات من سقوط تمثال صدام في ساحة الفردوس الشهيرة وسط بغداد، تباينت بشكل كبير ومن بينهم هلال الدليفي وقيس الشرع وبسام حنا، الذين يعملون على بعد امتار من الساحة.
وعاش العراق خلال العقد الماضي، موجة عنف طائفي قتل خلالها عشرات الالاف ما دفع القوات الاميركية الى زيادة عدد قواتها الى 170 الف مقاتل قبل ان تنسحب بالكامل من البلاد، كما دفعت عددا كبيرا من العراقيين الى الفرار خوفا على حياتهم وللبحث عن مستقبل افضل.
فمنذ سقوط تمثال صدام، عاش كل من الدليفي والشرع وحنا حياة مختلفة عن الاخر تعكس ما عاشته البلاد على مدى عشر سنوات منذ انطلاق عمليات اجتياح العراق بقيادة الولايات المتحدة الاميركية.
ويقول هلال فيما هو يجلس على طاولة صغيرة على جانب الطريق عند ساحة الفردوس، وسط بغداد، حيث يعمل في صرف مبالغ صغيرة من العملة، quot;اكيد ان الحياة افضل الان، فقد كان السنة يهيمنون على كل شيء في زمن صدامquot; الذي اعدم في كانون الاول/ديسمبر 2009.
فالحياة بعد سقوط صدام، بالنسبة لشيعي يعيش في مدينة الصدر، ذات الغالبية الشيعية في شرق بغداد، ولقمة العيش اصبحت افضل مثلما هي ممارسة شعائره الدينية. واصبح مستقبل ابنائه الثلاثة افضل. اثنان منهم اكملوا دراستهم وحصلوا على درجات عملية متقدمة وتزوجت ابنته الوحيدة وانتقل ليعيش في منزل اكبر.
واكد هلال وهو يجلس تحت مظلة تقيه حرارة الشمس، quot;اعيش الان في مستوى جيدquot;. وتابع quot;في زمن صدام كانت الحياة صعبة فعلا، لكن السنوات العشر الماضية كانت جيدة بالنسبة ليquot;.
واضاف ان quot;صدام سحقنا، (اقصد) حرياتنا ...خصوصا نحن الشيعةquot;.
ولكن صوت هلال تحول الى الغضب عندما قيل امامه ان الاميركيين كانوا لا يختلفون عن صدام بالنسبة للعراقيين، ولم ينسحبوا حتى نهاية عام 2011.
واكد هلال وهو يراقب بقايا تمثال صدام، قائلا quot;لنكن منصفين، صدام كان سيبقى مئة عام لولا الاميركيينquot;.
واستذكر قائلا ان quot;الناس كانوا يتسابقون ليضربوا التمثال بعضهم يصفق واخر يبكيquot; في اشارة لفرحهم، وتابع quot;انا شعرت بسعادة غامرةquot;.
في الجانب الاخر من ساحة الفردوس، كان هناك قيس الشرع الذي بدت عواطفه متباينة.
فقد استطاع الشرع عام 2002، فتح صالون حلاقة لاستقبال نخبة من المقربين من صدام حسين انذاك، بينهم ضباط كبار ووزراء.
وقام الشرع بعد تقدم الاميركيين الى بغداد، بتقليص العمل في صالونه لتغطية حاجاته الاساسية خوفا من اللصوص، ثم اغلقه بشكل كامل وراقب سقوط التمثال عبر شاشة التلفاز.
وقال الشرع الذي بدا رياضيا ويحتفظ بلحية قصيرة، quot;يمكنني ان اقول اننا لم نكن نريد صدام، (فهو) لم يخدم البلادquot; وتابع quot;لكني شعرت بحزن لدى غزو العراق من الاميركيينquot;.
ويستذكر الشرع كيف كان الجنود الاميركيون يترددون على صالونه لكنهم لم يخلعوا ابدا درعهم الواقي من الرصاص او يلقوا اسلحتهم حتى وهم يحلقون رؤوسهم.
ويفسر الشرع ذلك quot;لانه ليس هناك ثقةquot; وتابع quot;لم يحبونا، ولم نحبهمquot;.
واضاف quot;لقد اسقطوا صدام، ولكنهم اضروا البلد فبعد عشر سنوات استطيع القول بانهم لم يكونوا هنا من اجل مصلحتنا بقدر ما هو خدمة لمصالحهم، لم يأتوا للتحرير بل كانوا غزاةquot;.
وعموما يرى الشرع بان السنوات العشر الماضية كانت فيها مرارة وحلاوة.
وبدا صالون الشرع يعج بالزبائن التي تبحث عن حلاقة شعرها او خدمات تجميل بغض النظر عن اسعار الخدمة التي تبدأ ب25 الف دينار (حوالى 20 دولارا).
لكنه يشعر بخيبة امل في كثير من جوانب الحياة في بغداد، وبشكل رئيسي بسبب عدم وفاء الدول الغربية في اعادة الاعمار اضافة الى عدم مساهمة العراقيين في بناء البلد الذي يعاني صراعات منذ عقد من الزمن.
واضاف الشرع ان quot;التاسع من نيسان/ابريل يوم حزين بالنسبة ليquot; مضيفا quot;كان يوما من الامال التي كانت تملء قلوبنا ولم تتحقق، ويوم لخلق الكراهية بين العراق والغربيينquot;.
فيما اختلفت الذكريات التي حملها بسام حنا الذي كان في شارع السعدون، على مسافة قريبة من صالون حلاقة الشرع.
وحنا (35 عاما) مسيحي يعمل في محل صغير للقصابة، عمل طباخا لدى الجيش الاميركي في معسكر لتدريب القوات العراقية، جنوب بغداد، لمدة ست سنوات.
واعلن حنا وبشكل علني امام عدد من الحضور، عن تقديره للجنود الاميركيين وكشف عن شهادة تقدير منحت له من قبل الجيش الاميركي كان يحتفظ بها تحت طاولة المحل.
وقال حنا quot;لقد علموني كيف اكون محترفا في عملي وكيف اطور نفسيquot;.
وكانت السنوات الاولى من غزو العراق جيدة بالنسبة لحنا الذي يحمل على ذراعيه وشما لصلبان وصورة تشبه يسوع المسيح.
ولكن السنوات التي بعدها، شهدت اعمال عنف ضد المسيحيين وهم اقلية في العراق، نفذتها ميليشيا مسلحة ما دفع عدد كبير جدا من العائلات الى الفرار الى خارج البلاد.
وهو الامر الذي يدفع حنا الان للتفكير بمغادرة العراق، للعيش مع عائلته التي رحلت الى الولايات المتحدة الاميركية، مؤكدا انquot;لم يعد لدي شيء هناquot;.