انتهت زيارة رئيس الحكومة التونسية الاسلامي علي العريض إلى الجزائر إلى توافق البلدين على مكافحة الجريمة والارهاب، بالرغم من أنها جاءت في مناخ يتسم بالتوجّس من احتمالات تصدير الثورة التونسية الى الجار الجزائري.


الجزائر: يرى مراقبون أنّ التقارب الجزائري التونسي الذي برز خلال زيارة quot;علي العريضquot; رئيس الحكومة التونسية قبل أسبوع وحلول quot;مصطفى بن جعفرquot; رئيس المجلس التأسيسي التونسي بالجزائر الثلاثاء، يستند إلى معادلة أمنية محض.

في تصريحات خاصة لـquot;إيلافquot;، يرى متابعون أنّ عودة الدفء إلى علاقات البلدين بعد شوائب انتابتها ndash; ولا تزال - غداة ثورة الرابع عشر من كانون الثاني/يناير 2011، مفتوحة على تعاون اقتصادي بعيد الإعلان عن عقد اللجنة المشتركة العليا قبل الصيف القادم.

فوضى السلاح

أشاد رئيس الحكومة التونسية الموقتة، علي العريض بالتعاون والتنسيق الأمني quot;العميقquot; بين بلاده والجزائر من أجل محاصرة كل أنواع الإرهاب والجرائم المنظمة، معتبرًا أن quot;أمن الدولتين هو أمن مشتركquot;.

وأبرز العريض، في حوار لوكالة الأنباء الجزائرية عشية زيارة العمل التي قام بها إلى الجزائر ابتداء من الاثنين، أن المنطقة المغاربية تسودها quot;مخاطر أمنية كبيرةquot; ناجمة عن ظاهرة الإرهاب والجرائم المنظمة العابرة للحدود والقارات، لافتًا إلى أن منطقة شمال أفريقيا والساحل، ونظرًا لمساحتها الشاسعة، تتميز أيضًا quot;بحرية كبيرةquot; لتحركات هذه الجماعات، الأمر الذي من شأنه إنعاش ظواهر الإرهاب والجريمة.

يشير الخبير الأمني الجزائري quot;إلياس بوكراعquot; إلى أنّ الاهتمام ينصب حاليًا على حسم فوضى انتشار الأسلحة، طالما أنّ المدن الحدودية بين تونس والجزائر تعرف نشاطاً إرهابيًا غير مسبوق، جعلها تتحول إلى معاقل للجماعاتquot; الجهاديةquot;، هذه الأخيرة استغلت تبعات الانفلات الذي عرفته المنطقة المغاربية في أعقاب quot;ثورتيquot; تونس وليبيا وما نجم عنها.

بحسب المحلل quot;أمين جميليquot;، فإنّ الجزائر مهتمة بتعزيز التنسيق الأمني مع جارتها الشرقية لتعاظم خشيتها من تهريب السلاح وما يترتب عن ذلك من آثار غير مأمونة قد تلغّم منطقة الساحل أكثر، لاسيما مع الذي يحصل في مالي، خصوصاً بعدما كشف الرئيس التونسي منصف المرزوقي، مؤخرًا عن تسريب كميات ضخمة من quot;الأسلحة المهرّبةquot; استلمها quot;جهاديونquot; في الجزائر بطرق لا تزال غير معروفة عبر الحدود، بعدما ظلت تلك الأسئلة بحوزة نظام الزعيم الليبي السابق quot;معمر القذافيquot;.

توصيات جزائرية للجار التونسي

ذكرت مراجع حكومية لـquot;إيلافquot; أنّ الجزائر حثت جارتها على تنمية المدن الحدودية التي ظلت تعاني إهمالاً كبيرًا ما جعلها تتحول إلى معاقل للدمويين ومجموعات الإجرام المنظم، وتعرف العلاقات الأمنية والسياسية بين الجزائر وتونس، تطوراً كبيرًا لم يختلف عمّا كان موجودًا مع نظام بن علي إعمالاً لمبدأ أنّ الجزائر تتعامل مع الدول وليس مع الأنظمة.

وأسهمت الجزائر في تأمين شريطها الحدودي مع الجارة الشرقية وهو ما ترجم أكثر من مرة آخرها بعمليات التمشيط الواسعة التي أطلقها الجيش الجزائري فور إعلان نظيره التونسي عن فقدان أثر جماعات مسلحة في المدينة الحدودية quot; فريانة quot;، ومكّنت الجولات الاستطلاعية للجيش الجزائري في تحديد مواقع جهاديين قبيل القبض عليهم، علمًا أنّ الجيش التونسي شرع بعد 48 ساعة من زيارة العريض في quot;تطهيرquot; منطقة حدودية مع الجزائر.

تنسيق مستمرّ

وكشف وزير الداخلية الجزائري quot;دحو ولد قابليةquot; عن تنسيق أمني محدود بين الجزائر وتونس وليبيا رغم شساعة الحدود بين الدول الثلاث، مؤكدًا أنّ quot;العمل جارٍ لإقامة قاعدة عسكرية متطورة لمراقبة الحدود مع ليبياquot;، مع الإشارة إلى أنّ الجزائر ردت بقوة على مزاعم quot;احتضانهاquot; قتلة المعارض التونسي شكري بلعيد، حيث ذهب وزيرها للداخلية إلى أنّ:quot;الجزائر لا علاقة لها بملف اغتيال المعارض شكري بلعيد، والسلطات التونسية أعلنت عن هوية قتلة بلعيد وهي تعرفهم واحداً واحداً، وتعرف أين يسكنونquot;.

في حين أكد وزير الخارجية الجزائري quot;مراد مدلسيquot; أنّ الجزائر وتونس اتفقتا على تنفيذ آليات جديدة بهدف تأمين الحدود في إطار مسعى الحكومتين لتعاون مشترك يقوم على مكافحة الإرهاب والتهريب، مشيرًا إلى عقد لقاءات ثنائية قبل نهاية السنة الجارية بين مسؤولين جزائريين وتونسيين في قطاعي الدفاع والداخلية للخروج بآليات جديدة تجعل من الحدود المشتركة للبلدين quot;مناطق آمنة يميزها النمو والازدهارquot;، خصوصًا مع انتعاش نشاط عصابات التهريب والمتاجرة بالسلاح بمنطقة الساحل في أعقاب الانتشار العشوائي للسلاح بالصحراء الليبية المهربة من مخازن النظام السابق.

تعاون غير كافٍ

في غضون ذلك، يذهب محلل الشأن السياسي quot;حسين بولحيةquot;، إلى أنّ علاقات البلدين يُفترض أن تكون تكاملية وتثمر بإلغاء معوقات تنقل الأشخاص والبضائع مع إلغاء التعريفة الجمركية، بما يعبّد طريق تناغم مغاربي أكبر يتوّج بتكتل اقليمي على منوال ما تشهده مناطق أخرى عبر العالم.

يشدد بولحية على أنّ هواجس ثورة الياسمين لا تزال تثير مخاوف الطرف الجزائري المدعو لتلافيها ndash; يضيف محدثنا ndash; عبر محاربة الفساد وما يستبد بها من سرطاني الرشوة وسرقة المال العام، فضلاً عن استيعاب الملايين من شبابها العاطل.

رهانات تفرض نفسها

اقتصاديًا، يذهب الخبير quot;صالح موهوبيquot; إلى أنّ التعاون بين الجزائر وتونس يطرح نفسه بشدة، لاسيما وأنّ الدولتين تعرفان تحديات كبرى اقتصاديًا، حتى وإن كانت الجزائر تعرف بحبوحة مالية في حين يعرف الاقتصاد التونسي انكماشًا كبيرًا ساهم في مضاعفته التردي الأمني الذي جعل السياحة تتراجع، وهو ما يحتم التنسيق التام مع الجزائر التي يشكل سيّاحها المورد الأول.

هذا ما جعل المسؤولين التونسيين يعولون على تقارب اقتصادي متسارع مع الجزائر، وهو ما جرى ترجمته على شاكلة مساعدات مالية معلنة وغير معلنة للحكومة التونسية الجديدة، في حين يبقى تطويق التهريب الذي ينخر اقتصاد البلدين تحدياً كبيراً، وعليه يرى موهوبي ما يحدث من quot;تزاورquot; بين الجزائر وتونس خطوة مهمة لانعطافة جديدة في مسار العلاقات الثنائية.

وتبحث الجزائر عن أسواق جديدة مع تقدم ملف انضمامها إلى المنظمة العالمية للتجارة، وهو الأمر الذي يحتم عليها ضمان السوق التونسية، كي تعمل على ترويج منتجاتها المصنّعة محليًا بعد دخول السوق العالمية المفتوحة رسميًا.

وتبقى الجزائر المصدّر الأقرب والأكثر ضمانًا للطاقة في تونس التي تحصل على البنزين الجزائري بثمن يكاد يكون رمزياً، علاوة على ملف استغلال المياه الجوفية التي يختزنها الشريط الحدودي بين البلدين، والتي قدرت في وقت سابق بما يزيد عن 60 مليار متر مكعب، وتملك الجزائر خبرة استخراج الطاقة الزرقاء والتعامل معها، بما يؤشر على تعاون حيوي خاصة مع تسجيل ندرة كبيرة في توفير مياه الشرب بالمدن الحدودية في كل من تونس والجزائر.

في سياق متصل، يقدّر quot;امحمد حميدوشquot; الخبير الجزائري في البنك الدولي، أنّ الوحدة الاقتصادية بين البلدين تفرض نفسها، طالما أنّ الجزائر تركز على النفط، وتعاني عجزًا في الغذاء، وليست تونس أفضل حالاً، ما يفرض التفاعل بينهما بما يخدم مصالح البلدين، عوض التوجه لدول أوروبية أو آسيوية.

ويتصور حميدوش أنّ الوحدة الاقتصادية الجزائرية التونسية ستشجع على استيعاب باقي دول المنطقة وجني الثمار على المدى المتوسط، حتى وإن كانت ملامح هذه الشراكة بعيدة.