في دراسة عن السلوك العنصري أجرتها مؤسسة دولية استغرقت منها نحو 30 سنة في 80 بلدا حول العالم، كانت المفاجأة أن البقاع الأشد عنصرية هي الدول النامية (كالعربية)، بينما اتضح أن الدول الغربية، المتهمة أبدا بالعنصرية، هي الأكثر تسامحا.


لندن: عندما يتعلق الأمر برفض laquo;الآخرينraquo; لأنهم مختلفون عرقيا أو ثقافيا أو دينيا، فإن الشرق الأوسط هو أحد أشد بقاع العالم تمييزا ضدهم (وخاصة العمال غير المهرة النازحين من الدول الفقيرة)، ولهذا ظل يعاني على الدوام التوترات العنصرية.
وفي هذا الإطار، فإن القارة الأوروبية تنقسم نصفين: فبينما تعتبر الغربية متحلّية بالتسامح، تغيب هذه الخاصية عن الشرقية. ولكن، في الغربية نفسها فإن فرنسا هي النغمة النشاز لأن 22.7 في المئة من السكان laquo;أقرّوا صراحةraquo; بأنهم عاجزون عن التعايش المتناغم مع من يعتبرونهم laquo;غرباءraquo; عليهم وعلى ثقافتهم.

الدراسة
هذه النتائج laquo;غير المتوقعةraquo; تأتي بعد دراسة استغرقت ثلاثة عقود في 80 دولة. وأجرتها مؤسسة laquo;مسوحات القيم العالميةraquo; التي تتخذ مقرها في لويبنبرغ، المانيا، ولها أفرع في عدد من دول أخرى. وهذه مؤسسة نشأت بغرض رصد معايير الناس الثقافية والتغيّرات التي تطرأ عليها بمر الزمن وآثارها الاجتماعية والسياسية عليهم وعلى من هم حولهم.
وفي هذه الدراسة المتأنية، التي تناقلت نتائجها صحف اميركية وبريطانية أبرزها laquo;واشنطن بوستraquo;، طُلب الى مختلف شرائح الناس ndash; عبر أجوبة متعددة الاختيارات - تحديد اولئك الذين يرفضون العيش جنبا الى جنب معهم. وكان بين الأجوبة الاختيارية المطروحة عليهم laquo;الناس من عرق مختلفraquo;. واتخذت الدراسة من النسب المئوية لاولئك الذين أخذوا بهذا الخيار تحديدا معيارا لرسم laquo;خارطة العنصريةraquo; في العالم.

الفقراء هم الأشد عنصرية
المفاجأة التي خرجت بها الدراسة هي أن الشعوب صاحبة القدر الأدنى من التسامح إزاء الآخرين والأكثر عنصرية بالتالي هي تلك التي تعيش في دول العالم النامي. وتأتي ثلاثة من هذه على رأس هذه الدول وهي الأردن بنغلاديش والهند.
في الجهة المقابلة وفي شق آخر من المفاجأة وجدت الدراسة أن شعوب الدول الغربية الغنية، المتهمة ابدا بالعنصرية ورفض الآخرين، هي التي تبدي القدر الأكبر من التسامح في العالم. وتأتي في هذه القائمة الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا واستراليا وقلة أخرى. وكانت فرنسا هي الاستثناء الوحيد بين القوى الاقتصادية العالمية تلك.

عنصرية غير متوقعة
هونغ كونغ هي المكان الأشد عنصرية على وجه البسيطة، لأن 71.8 في المئة من سكانها يقرّون بأنهم لا يحبون العيش بجوار شخص من عرق آخر. على أن هذه الرقعة ليست laquo;دولةraquo; مستقلة ووجدت مكانا لها على تلك القائمة فقط بسبب تمتعها بوضع خاص شبه مستقل وإن كان في إطار laquo;الصين الأمraquo;.
وبتجاوز هونغ كونغ الى laquo;الدولraquo; الأكثر عنصرية تبعا لدرجة غياب التسامح العرقي، فإن بنغلاديش تتصدر القائمة العالمية بنسبة 71.7 في المئة، يليها الأردن بنسبة 51.4 في المئة، فالهند بنسبة 43.5 في المئة.
أما الدول التي تأتي في الفئة الثانية حيث تبلغ نسب السكان ذوي الميول العنصرية ما بين 30 و39.9 في المئة، فتتألف من دولتين عربيتين هما مصر والمملكة العربية السعودية، وأخريين إسلاميتين هما إندونيسيا وإيران، إضافة الى فيتنام.
وحتى في الفئة الثالثة حيث مستوى العنصرية يبلغ ما بين 20 و29.9، تجد من الدول العربية الجزائر والمغرب، ومن الإسلامية تركيا وماليزيا، على قدم المساواة مع فرنسا (الغربية الوحيدة في الفئات الثلاث الأولى الأسوأ). وتنضوي تحت هذه الفئة أيضا بلغاريا وزامبيا وتايلاند والفلبين.

.. وتسامح رغم السمعة السيئة
في المقابل توجد الدول التي وصفتها المؤسسة بأنها الأكثر تسامحا تجاه laquo;الآخرينraquo; لأن مستويات العنصرية تقل فيها عن 19.9 في المئة. وهذه نفسها تنقسم الى أربع فئات أفضلها على الإطلاق بنسب بين صفر و4.9 في المئة هي: الولايات المتحدة وكندا والبرازيل والأرجنتين وكولومبيا وغواتيمالا وبريطانيا والسويد والنروج ولاتفيا واستراليا ونيوزيلندا.
وتأتي الفئة التالية لهذه (5 إلى 9.9 في المئة) شاملة باكستان التي تصبح بذلك الإسلامية الوحيدة التي تسجل أثرا إيجابيا عندما يتعلق الأمر بالسلوك العنصري. أما البقية في هذه الفئة فهي تشيلي وبيرو والمكسيك والمانيا وبلجيكا وبيلاروس (روسيا البيضاء) وكرواتيا واليابان وجنوب افريقيا.
أما الفئة الثالثة (10 ndash; 14.9 في المئة) فتضم كلاً من فنلندا وبولندا واوكرانيا وايطاليا واليونان وجمهورية التشيك وسلوفاكيا. وتأتي في الرابعة (15 ndash; 19.9 في المئة) فنزويلا والمجر وصربيا ورومانيا ومقدونيا واثيوبيا واوغندا وتنزانيا وزيمبابوي وروسيا والصين.

شكوك
من المحتم لنتائج مسح على هذا النطاق العالمي وأيضا على فترة تمتد نحو 30 عاما أن تثير قدرا عاليا من الجدل الصاخب. وبالفعل فهناك من يقول إن طول هذه الفترة يعني أن ما كان قائما قبل ثلاثة عقود أو عقدين وحتى عقد واحد ليس بالضرورة هو الواقع الماثل اليوم.
وهناك مشكلة أخرى أكبر من هذه وتتعلق بتصوير الدول الغربية على أنها الأكثر تسامحا من غيرها تجاه laquo;الغرباءraquo;. فثمة من يشير الى حقيقة لا ينكرها أحد وهي أن مجرد الحديث عن التمييز العرقي يُعتبر أقرب الى laquo;المحرماتraquo; في السواد الأعظم من هذه الدول. ويتبع هذا الافتراض أن عددا كبيرا من الغربيين الذين أجابوا على أسئلة البحث تحاشوا إبداء آرائهم الحقيقية في كل ما يتعلق بالعنصرية.