في خطوة مثيرة للجدل وغير مسبوقة في التاريخ الأردني، تنادت قبائل وعشائر من منطقتي الوسط والجنوب في المملكة للاجتماع السبت حيث أطلقوا مبادرة معروضة للتشاور للحفاظ على quot;دور العشيرة الأردنية وتماسكها وإبراز دورها في نبذ العنف الجامعي والمجتمعي ودعم أركان الدولة الأردنيةquot;.


نصر المجالي من عمّان: تأتي مثل هذه المبادرة وسط نداءات بإعادة هيبة الدولة الأردنية التي انهارت في العقد الأخير حيث تتحمل الحكومات والبرلمانات المتعاقبة الجزء الأكبر من المسؤولية في ذلك، حيث كادت سيادة القانون تنعدم في المملكة الأمر الذي كان له نتائج quot;كارثيةquot; تمثلت في تفشي ظاهرة عنف الجامعات والعنف المجتمعي.

وعدا عن غياب ممثلين لعشائر بادية الشمال في المملكة عن الاجتماع، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا هذه quot;الرّدةquot; لدور القبيلة في بلد جل سكانه من الشباب وفيه أكثر من 17 جامعة وعشرات الكليات ومئات الآلاف من الخريجين الجامعيين من جامعات الداخل والخارج.

والسؤال الذي طرح نفسه للجدل على الفور على الساحة الشعبية الأردني هو: هل سيمثل لقاء الجنوب السبت ظاهرة انقسام حتى في المجتمع العشائري نفسه أو ظاهرة التئام ووئام، فضلاً عن جملة تساؤلات أخرى تتمثل في من quot;سيعلق الجرسquot; نحو الشروع في إعادة الثقة وإعادة بناء مداميك الدولة من جديد !؟

ترسيخ دور العشيرة

كان للقبائل الأردنية دور كبير في قيام الدولة الأردنية الحديثة وتمثل ذلك في تحالف هذه القبائل مع الأمير (الملك لاحقا) عبدالله الأول لبناء الدولة حيث ترسخ وجود هذه القبائل ليكون حاسماً في كل شيء.

ويشار هنا إلى أن القبائل الأردنية وقفت بكل قوتها في دعم العرش الهاشمي في مواجهة حركات شعبية شهدتها المملكة على هامش الربيع العربي على مدى العامين الماضيين وكان بعضها ينادي بإصلاحات جذرية تطال من صلاحيات الملك.

وعلى عكس دول الجوار التي تتركز فيها منظومات قبلية قوية كالمملكة العربية السعودية ودول الخليج والعراق وسوريا، حيث هذه الدول حاصرت دور القبائل من خلال بناء هيبة دولة الجميع وسيادة القانون وفرض الأنظمة والقوانين سواء منها المدنية أو الشرعية، فإن الأردن ظل يتمسك بالقبيلة وعاداتها وتقاليدها من دون تطوير هذه العادات والتقاليد لتتماهى مع مهمات بناء الدولة الحديثة.

ويتضح من اجتماع أبناء محافظات الجنوب والبادية الوسطى والجنوبية في الأردن أن هناك quot;تأكيدا على دور العشيرة في التاريخ الأردني؛ باعتباره دوراً أصيلاً كان له فضل في فض الاشتباكات بين الناس، والسعي في التقريب بين مصالحهم لما فيه خيرهمquot;.

الدور القيمي للقبيلة

حسب عرّاب اجتماع السبت النائب في البرلمان عن كتلة (وطن) المهندس عاطف الطراونة الذي ينتمي إلى قبيلة قوية في الجنوب، فإنه quot;أمام زمن الحداثة والعولمة، فإننا بحاجة ماسة لاستعادة الدور القيمي والتربوي للعشيرة، على أن تعمل تحت مظلة القانون، وتكون سندا للقانون في تحقيق أقصى معايير العدالة الاجتماعيةquot;.

وفي كلمته أمام الاجتماع انتقد الطراونة الحكومات وأدائها فقال: quot; منحت الحكومة صلاحيات للامركزية إدارية، فهي صلاحيات المفلس، لأن موازنة حكومة متخمة بالعجز لن تعين بلدية quot;طفرانةquot;، وبالتالي فإن منحها للصلاحيات جاء للوقوف في وجه المجتمع وليس النهوض بالمجتمعquot;.

وقال: quot;كم مؤسف ما بلغناه من تراجع حالنا على المستويات كافة، وهو ما ينذر بالقلق والخوف، وعلى المسؤولين، كل المسؤولين أن يعوا خطورة ما نقول وما نجتمع عليه اليومquot;.

وأكد الطراونة على ضرورة الحفاظ على مؤسسة العشيرة، وإن التمسك بها؛ قيمة ودورا ومرجعية اجتماعية، والتمسك برموزها وتقديمهم بالشكل الذي يليق بهم؛ صار دورا وطنيا مطلوب منا جميعا أن نسعى له بكل إصرار وعزيمة.

لقاء تشاوري

قال النائب الطراونة خلال اللقاء التشاوري الذي عقد في مضارب عشيرة الطراونة في بلدة أم حماط بمحافظة الكرك ان هذه الدعوة التي تنادى لها نواب وابناء الجنوب والبادية الوسطى تهدف الى التشاور بين ابناء العشائر في اقليم الجنوب والبادية الوسطى حول مختلف القضايا والمشاكل التي تعاني منها العشائر الاردنية وابراز دورها في الحفاظ على النسيج الاجتماعي واستقرار الدولة الاردنية.

واضاف ان مؤسسة العشيرة الاردنية كان لها دور كبير في دعم الدولة بالرجال الاوفياء الصادقين للذود عن حمى الاردن وقيادة مسيرته التنموية، ولابد من العمل على اعادة ألقها وإبراز دورها في تطبيق الاحكام والقوانين العشائرية الصارمة بما لا يتعارض مع المؤسسات المدنية واحكام السلطات القضائية،لافتا الى ان المناطق في الجنوب عانت من نقص المشاريع التنموية والخدمية وانتشار والفقر والبطالة بين ابنائها ما أسهم في انتشار ظاهرة العنف، داعيا الى الحفاظ على دور العشيرة الوطني وتقويتها لتكون الحاضنة للقيم والمبادئ الوطنية والحفاظ على مؤسسة العرش واطلاق المبادرات التنموية في اقليم الجنوب.

كلمة فيصل الفايز

قال رئيس الوزراء الاسبق فيصل الفايز ان العشيرة الاردنية كمؤسسة اجتماعية واقتصادية وتربوية لها كثير من الايجابيات في مساندة الدولة بتطبيق القوانين والاحكام، وهي صاحبة النخوة والشجاعة والكرم، وكان لها دور كبير في تأسيس الدولة والولاء الاول للقيادة الهاشمية.

واضاف ان العشيرة اصبحت اليوم الشماعة التي تعلق عليها المشاكل، وهي بريئة منها، ويجب على الحكومة التدخل لمعالجة هذا الخلل والتطاول عليها، ومعالجة العنف الجامعي النابع عن غياب الدراسات في اسس القبول بالجامعات مع مراعاة الظروف التعليمية لأبناء المناطق في الجنوب والبوادي الاردنية، لافتا الى ان العشائر الاردنية صاحبة الولاء للهاشميين ولتراب الوطن الغالي وتعمل على احترام سيادة القانون والنظام ولابد من اخذ دورها الطبيعي في مسيرة النجاح.

عشائر معان والعقبة

ومن جهته، قال ممثل عشائر محافظة معان خالد الشمري ان الوطن يمر بمرحلة صعبة ودقيقة، وهناك العديد من المتربصين ومثيري الفتنة يجب الوقوف في وجههم وافشال مخططاتهم للحفاظ عل النسيج الاجتماعي وتماسك ابناء العشائر الاردنية التي تمثل صمام الامان للوطن ونبذ التطرف والتعصب الاعمى واجراء الدراسات لظاهرة العنف الجامعي ومعرفة من يقف خلفهم.

وقال ممثل عشائر محافظة العقبة محمد العسلي اننا quot;نبارك اطلاق هذه المبادرة الوطنية لإعادة هيبة العشائر والقبائل الاردنية لتتمكن من اخذ دورها الفاعل في الحفاظ على تماسك المجتمع وتقوية الاواصر الاجتماعية والدفاع عن الوطن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني والعمل معا على نبذ العنف بأشكاله وانواعه كافة ليبقى الاردن قويا بشعبه وبسيادة قوانينهquot;.

عشائر الطفيلة والبادية الجنوبية

أكد ممثل عشائر الطفيلة المهندس مناور المحاسنة دور العشيرة كمعول بناء وتميز ومساند قوي لسيادة الدولة الاردنية في الدفاع عن حمى الاردن الغالي وقيادته الهاشمية وتوثيق العلاقات الوطنية بين ابناء العشائر لإرساء قواعد الاخوة بينهم ومحاربة الفساد والمساس بالإنجازات الوطنية ومواجهة التحديات الخارجية والداخلية.

واكد ممثل البادية الجنوبية محمد الرفايعة تماسك المجتمع الاردني وابراز دور العشائر الاردنية في الدفاع عن الوطن والحفاظ على علاقة الاخوة بين ابناء الشعب الاردني الواحد بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني.

كما تضمن اللقاء عددا من الكلمات تحدث فيها الشيخ مد الله الطراونة، وعبدالله الجبور، وحمد الحجايا، والدكتور حسين المحادين، مؤكدين في كلماتهم دور العشيرة في ترسيخ العلاقات الاجتماعية والمساهمة بحل المشاكل الاجتماعية ودورها في مساندة الاجهزة الامنية والقضائية في تطبيق القانون واعادة هيبة مؤسسات الدولة للوصول الى مجتمع امن وخال من اشكال وانواع العنف المجتمعي والجامعي.