بعيداً عن الأسئلة الصعبة، شكَّل التنوع، إحدى سمات العشائرية في الأردن، التي توزعت وفقاً للنمط الاجتماعي إلى ثلاثة تقسيمات، هي:
العشائر البدوية، وتواجدت في أقصى الجنوب، ومن أشهرها عشائر الحويطات، وفي وسط الاردن ممثلة بعشائر الصخور، والعدوان. واعتمدت تلك العشائر في نمط حياتها على الرعي. وكانت عشيرة العدوان المناضلة قد قامت بثورة العدوان (ثورة البلقاء).

ثورة العدوان (ثورة البلقاء)
ففي العام 1923 ، اندلعت quot;ثورة العدوانquot;، أو quot;ثورة البلقاءquot;، تحت شعار quot;الأردن للأردنيينquot;، والتي جاءت تعبيراً عن رفض التحالف بين حكومة شرق الاردن والبريطانيين. وقد سُحقت تلك الثورة بمساعدة سلاح الجو البريطاني. وتكررت الانتفاضات/ الثورات العشائرية على نظام الحكم، وكان مبررها خرق النظام للاتفاق المبرم مع العشائر، والذي ينص على ان quot;الحكم للهاشميين والبلد للأردنيينquot;.
وصيغة الاتفاق التي تؤيد حكم الهاشميين للأردن، برزت في quot;معاهدة أم قيسquot;، التي عقدت بين العشائر في العام 1920- قبل وصول الأمير عبدالله بن الحسين - والتي نصَّت على وجود أمير عربي يقود البلاد، في إطار رابطة ما وصفوه حينها بـ quot;العش الصغيرquot;، الذي كان همُّ العشائر النأي به، عن وعد بلفور. وكانت إحدى آليات إرساء الشرعية للهاشميين بعيداً عن موطنهم الأصلي (الحجاز) ترتكز على تمثيلهم لوعي قومي، وإرادة عربية عامة. وما كان لهذا التمثيل أن يبدو صادقاً وجاداً، إلا بوجود مجالس تمثيلية منتخبة، تضفي على الملكية الهاشمية، الشرعية الجديدة. وكان حرص الهاشميين على هذا النوع من الشرعية لأسباب عربية داخلية، لا يقل عن حرصهم عليها لأسباب خارجية، وهي تقوية مركزهم في التفاوض مع الحلفاء، أو سلطات الانتداب فيما بعد.

2- العشائر الفلاحية، التي تمركزت في مناطق حوران الاردنية، وبني كنانة، وعجلون شمالاً، وصولا إلى السلط في الوسط، وهي المناطق التي حكمتها تحالفات عشائرية، واعتمدت على الزراعة بشكل رئيسي. ويُظهر الإحصاء الاولي لسكان الاردن، الذي نُفِّذ في العام 1921، الغلبة العددية للعشائر الفلاحية، التي بلغ عدد أفرادها 250 الفاً، فيما بلغ افراد العشائر البدوية 120 ألفاً.
3- العشائر نصف البدوية/نصف الفلاحية، التي اعتمدت في نمط حياتها على المزاوجة بين الرعي والزراعة، ومن أشهر من يمثلها، عشيرة بني حسن، التي تُعتبر الأكبر في الأردن، ويطلق عليها عشيرة المليون، وتقطن في الشمال الشرقي للبلاد. غير أن التنوع الذي ساد ما قبل الدولة انتهى، حيث انصهرت العشائر في نسق موحد، يجنح نحو الحداثة، من دون ان يُسقط الاعتزاز بالأصول، التي تبقى محل تفاخر.
إلى جوار ما تقدم، توزعت العشائر بين مسلمة ومسيحية. واذا كان ما سبق ركز على المسلمة منها، فإن العشائر المسيحية، التي وجدت في مراحل سابقة لوجود تلك المسلمة، كانت في غالبها تقترب من نمط العشائر نصف البدوية/نصف الفلاحية، ومن أشهرها عشائر العزيزات التي تقطن مدينة مادبا، وعشائر الدبابنة التي تقطن مدينة السلط، وعشائر الهلسة التي تقطن في مدينة الكرك.

أبرز الصراعات القبلية
كان الصراع بين القبائل حاداً في النصف الأول من القرن العشرين بتشجيع من بريطانيا وفرنسا. وكان من أبرز هذه الصراعات:
1- صراع القبائل الحدودية بين سوريا والعراق، عام 1933.
2- انتفاضة بدو سوريا ضد ضريبة الأغنام، عام 1933,
3- صراع قبائل الرولا، والفدعان، والسباع، وسقوط عشرات القتلى والجرحى، وسرقة مئات الأبل، والغنم، والخيول، عام 1933.
4- صراع قبائل الفدعان مع الخرسا، عام 1933.


حلفاء النظام الهاشمي
لم يمنع التاريخ المتوتر، الذي جمع فيما بين العشائر من جهة، وبين نظام الحكم الهاشمي من جهة أخرى، من بروز مؤسسة العشيرة كحليف استراتيجي للنظام الهاشمي، وضامن لاستمراره. وأصبحت العشيرة مؤسسة اعتمد عليها النظام الهاشمي في مفاصل تاريخية مهمة، بدا أن فيها خطراً على وجوده.
ومن أبرز المحطات، التي ظهرت فيها العشيرة لحشد التأييد الشعبي للنظام، أحداث ايلول 1970 ، الذي شهد الاقتتال بين منظمة التحرير الفلسطينية والجيش الاردني، حيث عبرت العشائر عن مساندتها للنظام في الصراع. وكانت تلك الأحداث منعطفاً رئيسياً، رسَّخ هاجس الخوف بين العشائر وبين الأردنيين من أصول فلسطينية. ويقوم النظام مذاك بتوظيف هذا الخوف، للحيلولة دون التقاء الأردنيين من أصول فلسطينية مع العشائر، على ما يناهض سياسته.
وأما الجمع بين متناقضة العداء والولاء بين النظام والعشائر، فتفسر في سياق سياسة الاحتواء والتفتيت، التي استهدفت العشائر، ونجحت في القضاء على زعامات تقليدية انتفضت سابقاً على نظام الحكم، وإحلال زعامات جديدة، ارتبطت بالنظام ارتباطاً عضوياً قائماً على تبادل المنافع.
كان إضعاف العشيرة، وإعادة انتاجها في صيغة جديدة، ضرورة من أجل تقوية نظام الحكم. ومما ساهم في صوغ هذه العلاقة المعقدة اعتماد الجيش الاردني في تشكيله، منذ نشأته، على أبناء العشائر.

السلام عليكم.