ثمة ما يشير، إلى محاولة بريطانيا حل المشكلة الفلسطينية قبل 1947 ، لصالح الملك عبد الله الأول، خاصة وأن الدوائر البريطانية كانت تتوقع ضعف الدولة الفلسطينية التي نص عليها قرار التقسيم (181) لعام 1947، مما يستتبع هيمنة الدولة اليهودية عليها. وبدا أن الملك عبد الله الأول يود استغلال الموقف البريطاني من فلسطين لصالح مشروعاته quot;الوحدويةquot; بالاستناد إلى حسن نية بريطانيا. كما قال أحمد مصطفى، في بحثة الأكاديمي( quot;مشروع سوريا الكبرى وعلاقته بضم الضفة الغربيةquot;، ص 36، 37).
الهاشميون وغضب العرب
ولم تكن مصر الملكية، راضية عن تدخل الهاشميين على هذا النحو بالشؤون الفلسطينية. كذلك كان موقف السعوديين، والسوريين، ( فلا ننسى أن الرئيس شكري القوتلي، كان صديقاً حميماً للسعوديين. وهو الذي رشَّح الشيخ يوسف ياسين السوري، ليصبح مستشار الملك عبد العزيز آل سعود السياسي فيما بعد)، والجامعة العربية. وبذا، دخل العرب حرب فلسطين ضد اليهود 1948، وهم مختلفون ومتنازعون، فخسروا تلك الحرب خسارة كبيرة، وفاز اليهود بالدولة والوطن، دون مقابل، كما سبق وتنبأ السلطان العثماني عبد الحميد الثاني في بداية القرن العشرين، وقبل عزله. بل إن بعض المؤرخين يقول، أن مصر دخلت حرب فلسطين من أجل عرقلة مشروع الملك عبد الله بضم ما تبقى من فلسطين إلى الأردن. (من المعروف أن مصر كانت على رأس قائمة المعارضين لضم الضفة الغربية الى الضفة الشرقية الأردنية. كما كانت تهدف دائماً الى عرقلة أي مشروع توسعي هاشمي في المنطقة.
أنظر: أحمد عبد الرحيم مصطفى، مشروع سوريا الكبرى وعلاقته بضم الضفة الغربية، ص 42، 43).
خطف الضفة الغربية
ولكن الملك عبد الله نجح في عام 1950 ، بضم الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية، وإعلان quot;المملكة الأردنية الهاشميةquot; وحدة سياسية واحدة. وبذا حقق الملك عبد الله جزءاً يسيراً من طموحاته السياسية العريضة، لإقامة quot;سوريا الكبرىquot;، وتنصيب نفسه ملكاً عليها. ولكنه دفع حياته ثمناً لتلك الخطوة السياسية الجريئة، عندما جرى اغتياله على باب المسجد الأقصى عام 1951. وهدأت ردود الفعل ذات الطبيعة الصراعية، التي ترتبت على ضم الأردن للأجزاء غير المحتلة من فلسطين عام 1950 كنوع من القبول بالأمر الواقع، وليس انطلاقاً من حل حذري للمشكلة. كما يقول الباحث أحمد يوسف أحمد في كتابه ( الصراعات العربية- العربية 1945-1981، ص 119).
وجرى تجميد مشروع quot;سوريا الكبرىquot; باغتيال الملك عبد الله. بل تناقص هذا الحلم أكثر فأكثر، عندما جرى احتلال اسرائيل للضفة الغربية كاملة عام 1967 وانتزاعها من الأردن.
نتائج خطف الضفة الغربية
كان لضم الضفة الغربية الفلسطينية إلى الضفة الشرقية الأردنية، نتائج مختلفة منها:
1- تغيير حقائق سياسية كان يقوم عليها الأردن، منها أن أصبح أغلب السكان في الأردن من الفلسطينيين.
2- اشتداد ساعد المعارضة السياسية الشرق أردنية بعد أن كانت هزيلة، وهشّة، وضعيفة قبل ذلك.
3- ازدياد الوعي السياسي، نتيجة لزيادة عدد المثقفين الفلسطينيين.
4- أصبحت علاقة الأردن مع بريطانية ثلاثية الأطراف: (شعب معاد، وملك، ودولة استعمارية كبرى) بعد أن كانت ثنائية الطرفين: (ملك مطلق، ودولة كبرى استعمارية).
5- أصبحت التغيرات السياسية الأردنية واضحة من خلال انتخابات 1950 البرلمانية.
6- قيام أحزاب سياسية قوية كـ quot;حزب البعثquot;، وquot;الحزب الشيوعي الأردنيquot;، وquot;حركة القوميين العربquot;. وكانت هذه الأحزاب تعارض وحدة الضفتين. وترى قطع الصلات مع بريطانيا. (كانت بريطانيا سعيدة جداً بإلغاء المعاهدة الأردنية ndash; البريطانية. وصرّح سلوين لويد وزير الخارجية البريطانية بقوله عام 1957:
quot;تعتبر هذه الاتفاقية نهاية لفصل في العلاقات الأردنية ndash; البريطانية. فمنذ سنين عديدة وعلاقتنا بهذه الدولة التي تحملنا مسؤولية إنشائها عرضة للتغيرات. إلا أنها لم تعد ذات قيمة استراتيجية لنا في السنوات الأخيرة. بل هي ورطتنا بالتزامات باهظة. ولذلك، فنحن سعداء بإنهائها برضى الطرفين.quot;).
(أنظر: علي المحافظة، العلاقات الأردنية ndash; البريطانية، من تأسيس الأمارة حتى إلغاء المعاهدة (1921-1957)، ص 270)، وقبول المعونة العربية المقدمة من مصر والسعودية وسوريا. (تعهدت الدول العربية الثلاث [مصر، سوريا، والسعودية] بدفع مبلغ 12.5 مليون جنيه مصري معونة سنوية للأردن، بدلاً من المعونة البريطانية، التي بلغت عشرة ملايين جنيه استرليني سنوياً، على النحو التالي:
- 5 ملايين جنيهاً مصرياً من مصر.
- 5 ملايين جنيهاً مصرياً من السعودية.
- 2.5 مليون جنيهاً مصرياً من سوريا.
ولكن هذه الدول ndash; ما عدا السعودية ndash; لم تلتزم بهذه المبالغ، واضطر الأردن أخيراً الى قبول المعونة الأمريكية.
أنظر: علي المحافظة، العلاقات الأردنية ndash; البريطانية، من تأسيس الأمارة حتى إلغاء المعاهدة 1921-1957، ص 272).
بينما كان يرى عدد من الساسة الأردنيين ضرورة الانضمام إلى حلف بغداد، وتوثيق العلاقة مع العراق.
7- نشأ في عام 1954، quot;الحزب الوطني الاشتراكيquot; الذي عارض هو الآخر المعاهدة الأردنية ndash; البريطانية 1948، وطالب بإلغائها. واقترح فيما بعد استبدال المعونة البريطانية بمعونة عربية من مصر والسعودية وسوريا. وتبني السياسة الناصرية في الشؤون الخارجية الأردنية. ولكن هذه السياسة باءت بالفشل.
السلام عليكم.
التعليقات