انعقد السبت الماضي ملتقى المدافعين عن حرية الإعلام في العالم العربي في عمّان، حيث دارت نقاشات ساخنة حول الإعلام ومعاناته في دول ثورات الربيع العربي، خصوصًا أن مَن كان يشكو الظلم سابقًا صار ظالمًا اليوم، بعدما وصل إلى أعلى مراكز السلطة.


أيمن الزامل من عمّان: بدأ ملتقى المدافعين عن حرية الإعلام في العالم العربي الثاني أعماله السبت الماضي في العاصمة الأردنية عمّان، بحضور الأميرة ريم علي، وبتنظيم من مركز حماية وحرية الصحافيين. وتستمر أعمال المؤتمر يومين، قبيل انعقاد مؤتمر معهد الصحافة الدولي الثاني والستين (IPI World Congress 2013) يومي 20 و21 أيار (مايو) الجاري في الأردن.

ناقش المشاركون في الملتقى محاور عدة، أبرزها حرية الإعلام بين الشعار السياسي والتطبيق، وتعامل التيارات الإسلامية مع الإعلام بعد السلطة، وتعامل الأجهزة الأمنية مع المتغيرات الجديدة في السلطة والإعلام، ودور الإعلام في ترسيخ المفاهيم الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان، ودفاع الإعلام عن التعددية، إضافة إلى دور شبكات التواصل الاجتماعي في تعزيز حرية التعبير والإعلام، وإمكانية حماية المجتمع من تغوّل الإعلام.

السياسة والإعلام
خلال الجلسة، التي جاءت بعنوان quot;السلطة السياسية بعد الثورة... حليف أم خصم لحرية الإعلامquot;، وأدارتها الإعلامية اللبنانية من تلفزيون المستقبل نجاة شرف الدين، تحدث محمد أوجار، وزير حقوق الإنسان السابق في المغرب، قائلًا: quot;إرادة ملك المغرب محمد السادس تلاقت مع إرادة الشعب لإنتاج مشروع ديمقراطي، حيث إن السلطة السياسية هي عدو الشعب الدائم، لذا فإن ما يضمن الإعلام والحرية هي دولة قائمة على المؤسسات والقانونquot;.

أما الصحافي عريب الرنتاوي، مدير مركز القدس للدراسات السياسية، فقد رأى أن المنطقة العربية شهدت انقلابًا في مفاهيم من وصل إلى السلطة، حيث إن التيارات الإسلامية كانت تطرح وجهة النظر الديمقراطية الإسلامية، وحين وصلت إلى السلطة انقلبت على هذه المفاهيم.

أثار الرنتاوي عاصفة من الجدل في الملتقى، حين انتقد قسوة من وصفها بالأنظمة الوهابية، التي تلعب دور الثورة المضادة ضد الحرية والديمقراطية، لا سيما قطر والسعودية، ليبلغ الجدل حدًا عاليًا مع اتهام الرنتاوي قناتي الجزيرة والعربية بأنهما أداتان تستخدمهما قطر والسعودية في تحريك المصالح بحجة الدفاع عن الحرية والديمقراطية.

وكانت قناة الجزيرة حاضرة من خلال عدد لا بأس به من صحافييها وموظفيها، الذين انبروا للدفاع عن قناتهم بكل شراسة، فيما انبرى الإعلامي المعروف حسن معوّض للدفاع عن قناة العربية.

الضحية الجلاد
أكدت مديرة مكتب الجزيرة في أميركا اللاتينية ديما الخطيب أهمية موقع التواصل الاجتماعي quot;تويترquot; في دعم قضايا حقوق الإنسان، إذ أتاح للمواطن أو الناشط التواصل المباشر مع الصحافي، ودوره في إثارة ضجّة تضغط على وسائل الإعلام، وتشعرها بالخجل، لأنها لا تقوم بدورها في تغطية الأخبار.

أضافت: quot;المواطن يلعب دورًا في تلك التغطية عن طريق التواصل المباشر بين منظمات حقوق الإنسان والصحافيين، والتواصل المباشر بين النشطاء والمنظمات والمواطنين، وتفاعل المواطن العادي من دون الإفصاح عن هويته عبر مواقع التواصل الاجتماعيquot;.

الإعلامي حسن معوّض من قناة العربية قال: quot;مسألة الموضوعية في الإعلام نسبية، لذا يجب على الإعلام تحقيق التوازن، وهنا تكمن الصعوبة، حيث إن عددًا من الشخصيات المحسوبة على أنظمة معيّنة ترفض أن تكون موجودة في برامج الفضائيات العربية، وتكيل الاتهامات ضد هذه الوسائل الإعلاميةquot;.

ولفت معوّض إلى أن quot;الحكام الجدد هم من التيار الإسلامي، وهؤلاء كانوا يشكون دائمًا من أنهم من بين الأكثر تعرّضًا للقمع والتضييق في العقود السابقة، ومن هنا جاءت خيبة أمل الإعلام لتعاطي هؤلاء مع حرية الإعلام، بعدما صاروا في سدة الحكم وطرح السؤال الشهير: هل صارت الضحية جلادًا؟quot;.

بينما قالت الإعلامية المصرية في قناة quot;أون تي فيquot; أماني الخياط: quot;للأسف، المهنية كلمة تتغير وتنعكس بحسب مالك الوسيلة الإعلامية، والصحافي هو رهن لذلك، فإن كان يقدم منتجًا لا يتوافق مع المالك يتراجع، ويجب الرجوع إلى المربع الأول في الشعارات التي أطلقتها الشعوب، والتي تلخصت في الحرية والعدالة الاجتماعية والخبزquot;.

ربيع الإعلام
أوضح النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي أحمد الطيبي أن الخط الفاصل بين نقل المعلومات ونقد الموقف تلاشى في دول ما يسمّى بالربيع العربي، quot;حيث اختلطت الأمور، وانقسم الإعلاميون في وجهات نظرهم تجاه ما يحدث، تمامًا كما انقسم الشارع، بينما دور الإعلام ترسيخ شكل الإنسان العربي أمام ذاتنا وأمام الغرب، حيث إن وسائل الإعلام الرقمية ساهمت في بعض الأحيان في تشويه صورة العربي، عن طريق نقل الصور ومقاطع الفيديو، التي لا تمثل شريحة واسعة من العرب، إلا أنها تجذب نظر المتلقي، كتلك التي تصوّر أحدهم يتفاخر في بقر بطن إنسان آخرquot;.

ويرى الإعلامي السوري عمّار القربي أن الحالة السورية تعرّضت للتشويه بشكل عام، quot;وهناك مسؤولية أدبية وأخلاقية عن هذا التشويه من النظام الحالي، فنظام بشار الأسد ممانع للديمقراطية وللكلمة، وهو صياد للصحافيين، حيث إن مائة صحافي قضوا في سوريا، لم يثبت حتى اللحظة قتل أي منهم على يد الجماعات المسلحةquot;.

أضاف القربي: quot;علينا أن لا نلوم السلطة فقط، ويجب أن نسأل الصحافيين ماذا فعلوا، ويجب التفريق بين إعلام حر وإعلاميين أحرارquot;.

1690 حالة انتهاك
يكشف تقرير حالة الحريات الإعلامية في العالم العربي، بعنوان quot;حرية تحت الهراواتquot;، والذي أعلن عنه في اليوم الثاني من أعمال الملتقى، عن قواسم مشتركة بين الدول العربية على صعيد انتهاكات الحريات الإعلامية الجسيمة المتعمدة.

يشير التقرير بوجه عام إلى أن واقع الحريات الإعلامية في البلدان العربية واقع مرير، وإلى أن الإعلاميين يعانون القمع والبطش والملاحقة، quot;ولم يعد يقتصر هذا القمع على الأجهزة الرسمية، لكنه بات يشمل جماعات وأشخاصًا عاديين، في ظل سكوت تام من قبل الدول، أو فشل عن وضع حد لذلكquot;.

وسجل التقرير نحو 1690 حالة انتهاك، رصدتها شبكة quot;سندquot;، المنبثقة من مركز حماية وحرية الصحافيين في مختلف الدول العربية، شكلت بمجملها 30 شكلًا ونوعًا من أشكال الانتهاكات، التي وقعت بحق الصحافيين والإعلاميين في العالم العربي والمؤسسات الإعلامية.