سير المعارك في القصير يحدد موقع الأطراف السورية المتنازعة حول طاولة مفاوضات، تعد لها الدول الغربية في جنيف الشهر المقبل، كما يضغط على أوباما ليبدل موقفه، وليتخذ قرار تسليح المعارضة بأسلحة تحتاج إليها.


لندن: قاتلت قوات النظام السوري ومعها مسلحو حزب الله يوم الاثنين لاستعادة بلدة القصير قرب الحدود اللبنانية من سيطرة المعارضة، وبذلك تشديد الضغط على الرئيس الاميركي باراك أوباما للتحرك بهدف تغيير مجرى الأحداث في الحرب الأهلية السورية المتسعة.

وقال مقاتلون ودبلوماسيون ومحللون إن معركة القصير يمكن أن تنبئ بتحول جذري في النزاع السوري، مشيرين إلى أن انتصار النظام في هذه المعركة سيمنح الأسد ممرًا يربط دمشق بالمناطق الساحلية التي توجد فيها معاقل للنظام، وبالأراضي اللبنانية التي يسيطر عليها حزب الله في سهل البقاع. ومن شأن هذا أن يشطر قوات المعارضة إلى معاقل مشتتة.

وأكد مسؤولون عسكريون واستخباراتيون اميركيون أنه من السابق لأوانه القول ما إذا كانت معركة القصير ستصبح منعطفًا بعد عامين من الطريق المسدود من دون حسم. لكن ضراوة القتال ولجوء النظام إلى استخدام الطيران الحربي والقصف المدفعي أثارا انتقادات جديدة لسياسة الادارة الاميركية، في ردها على الحرب بالتحركات الدبلوماسية والمساعدات الانسانية فقط.

موقع تفاوضي أقوى

من المقرر أن يبحث مجلس الشيوخ الثلاثاء مشروع قرار قدمه اعضاء من الحزبين الرئيسيين، يجيز للادارة تقديم مساعدات عسكرية فتاكة إلى المعارضة السورية، في خطوة من المرجح أن تكتسب زخمًا مع توالي الأنباء عن تقدم قوات النظام في القصير.

ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن دبلوماسي غربي قوله إن تحولًا جذريًا حدث في معادلة النزاع السوري، واصفًا هجوم قوات النظام على القصير بأنه الأحدث في سلسلة من الخطوات الاستراتيجية الواثقة، والتي تتسم بالتحدي.

كما تبين معركة القصير شكل الاصطفاف الاقليمي والبعد الطائفي المتزايد للحرب الأهلية السورية، بدخول حزب الله الشيعي طرفًا مقاتلاً ضد المعارضة السورية ذات الأغلبية السنية من جهة، واتهام النظام المدعوم ايرانيًا اسرائيل بالتواطؤ مع قوات المعارضة.

ويأتي هجوم قوات الأسد الذي بدأ ليل السبت بعد اسابيع من الحصار، وبالتزامن مع التحضير لمؤتمر دولي من المقرر عقده في جنيف الشهر المقبل لبحث سبل حل النزاع سياسيًا. ويعتقد الكثير من المحللين أن الأسد يستخدم أقصى ما لديه من قوة عسكرية في محاولة لتحسين موقعه التفاوضي في المؤتمر.

وقال آرام نرغوزيان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: quot;إذا كان الأسد يسيطر على القصير فإنه سيكون في موقع تفاوضي أقوىquot;.

خسائر فادحة

ذهب محللون عسكريون قريبون من حزب الله ومؤيدون للنظام السوري إلى أن انتصار الأسد في القصير سيتيح له ولحلفائه أن يستمروا في استهداف معاقل المعارضة وسط سوريا وغربها، وسيعزل قواتها في الشمال حيث تسيطر على غالبية الأراضي المتاخمة للحدود التركية، عن قواتها في الجنوب التي تخطط للتقدم شمالًا باتجاه دمشق.

في هذه الأثناء، طعن ناشطون ومقاتلون بادعاءات النظام أن قواته سيطرت على رقعة واسعة من القصير، قائلين إن الهجمات المباشرة خفت حدتها، وأنهم يحاولون إخلاء جرحاهم من المدينة وسط الحصار.

وأكد المقاتلون ليل الاثنين مقتل عناصر كثيرة من حزب الله، إلى جانب جنود من جيش النظام، في كمين بسيارات مفخخة شرقي القصير، الذي قالت قوات النظام إنها سيطرت عليه، وتواصل ملاحقة مقاتلي المعارضة في شمال البلدة وجنوبها. وظهر القائد العسكري الميداني ابو علي في شريط فيديو بثه مركز القصير الاعلامي ليعلن: quot;نحن نقاتل ايران وروسيا وحزب الشيطان والنظام، والعالم بأسره ترك الشعب السوري البريء بمفردهquot;.

ويمكن أن ينذر انتصار جيش النظام في القصير ببدء حملة أوسع لاستعادة الأرض، في وقت تواجه قوات المعارضة واحدًا من أصعب التحديات حتى الآن في المناطق الخاضعة لسيطرتها. وقال مقاتل على اطراف القصير: quot;إن هذا سيجعل تقدم الثوار حول دمشق شبه مستحيلquot;.

لفت دبلوماسيون ومحللون إلى أن القتال بين الطرفين أصبح غير متكافئ بصورة متزايدة. ونقلت صحيفة وول ستريت عن محلل في دمشق قوله إن معركة القصير تغيّر ميزان القوى لصالح معسكر النظام بطرق ظاهرة جدًا. وأضاف المحلل: quot;إن هذا صراع يضع، من جهة، محورًا متماسكًا مصممًا وضاريًا، ولدينا من الجهة الأخرى مجموعة من اللاعبين الذين تلهيهم قضايا ثانوية، لا يتفقون على الشيء الكثير بينهم ويفقدون زخمهمquot;.

تفاؤل أميركي واهم

دفع احتمال وقوع بلدة القصير تحت سيطرة النظام ادارة أوباما إلى ادانة نظام الأسد ومشاركة حزب الله مع قواته. واتصل أوباما الاثنين بالرئيس اللبناني ميشال سليمان شاكيًا من أن قتال حزب الله المشارك في الحكومة مع قوات النظام السوري يشكل انتهاكًا لسياسة نأي لبنان بنفسه عن النزاع السوري.

ورغم الضغط الذي تتعرض له قوات المعارضة، فإن ادارة أوباما تمسكت بموقف للتريث إلى حين انعقاد المؤتمر الدولي الذي لا يراهن كثيرون على خروجه بنتيجة تؤدي إلى إنهاء نزيف الدم.

وتستمر التحضيرات لعقد المؤتمر رغم ذلك، مع بقاء اسئلة أساسية بلا اجابة، بينها ما إذا كانت ايران حليفة الأسد ستُدعى للمشاركة. وبدأ وزير الخارجية الاميركي جون كيري الاثنين زيارة للشرق الأوسطن يعتزم خلالها حضور اجتماع اصدقاء سوريا في الاردن الأربعاء.

لكن مع استمرار معركة القصير، تخضع سياسة أوباما تجاه سوريا لمبضع المعارضة الجمهورية في الكونغرس. وقال عضو مجلس الشيوخ الجمهوري جون ماكين: quot;هذا مؤشر مهم ودراماتيكي إلى سلبية ادارة أوباماquot;. وأضاف: quot;ان هذه الادارة إذ تجلس ولا تحرك ساكنًا إزاء ما يجري من احداث انما تكتب فصلًا مخزيًا في التاريخ الاميركي، وكلما طال امد النزاع زاد انعدام الاستقرار في المنطقةquot;.

وانتقد ماكين رهان ادارة أوباما على مؤتمر جنيف بوصفه رهانًا متفائلاً إلى حد الوهم. وقال إنه كلما زادت الولايات المتحدة مساعدتها للمعارضة كانت ايران وروسيا تردان بمساعدات جديدة للأسد.

لبناء الجيب العلوي

تزداد النظرة إلى معركة القصير تعقيدًا بتداخل أهداف المقاتلين، كما لاحظ اشخاص على الأرض ومحللون ومسؤولون اميركيون، إذ يريد الأسد تغيير ميزان القوى الاستراتيجي والايحاء بتحقيقه انتصارات كبيرة من خلال السيطرة على مناطق كانت بيد المعارضة زمنًا طويلًا.

وفي الوقت نفسه، يرى مسؤولون عسكريون اميركيون أن معركة القصير تبين أن الأسد وحلفاءه يحاولون تعزيز سيطرتهم على نقطة مرور استراتيجية وتوجيه ضربة للمعارضة. ولن يكسب حزب الله من دعم حليفه فحسب، بل من إبقاء واحد من طرق امداداته الرئيسية، من ايران عبر الأراضي السورية، بعيدًا عن أيدي قوات المعارضة ايضًا.

لكن موقع القصير بين دمشق ومحافظة اللاذقية الساحلية يشير ايضًا إلى أن هذا الموقع قد يكون مهمًا لمشاريع الأسد اللاحقة. وتعتقد الاستخبارات الاميركية أن هجوم قوات الأسد يأتي في اطار محاولة يقوم بها رئيس النظام السوري لفتح الطريق إلى اللاذقية، التي يمكن أن تصبح ملاذًا للعلويين.

ونقلت صحيفة وول ستريت عن مسؤول اميركي رفيع قوله عن معركة القصير: quot;نحن لا نعتقد أنها تعني تحولاً استراتيجيًا في ديناميكيات النزاع، بل قد تعني وجود علاقة بين هذا العمل والاتجاه نحو إقامة جيب علويquot;.

وينظر المسؤولون الاميركيون بقلق متزايد إلى تفكك سوريا على أساس طائفي، لا بسبب امكانية تقسيمها إلى كانتونات متقاتلة فحسب، بل خوفًا من امتداد النزاع إلى بلدان مجاورة ايضًا، وخصوصًا إلى الاردن والعراق. وقال مسؤولون اميركيون إن وزير الدفاع تشاك هيغل طلب من مخططي البنتاغون أن يعدوا خطة طوارئ وسيناريوهات تتحسب لأسوأ الاحتمالات.