معضلة مشي الشيعة عميانًا خلف حزب الله إلى القتال في سوريا تثير تساؤلات كثيرة، إلا أن المراقبين يؤكدون أنها ظرفية قصيرة المدى، حتى إذا فشل حسن نصرالله عن تسجيل انتصار سريع في القصير، انفك الشيعة عنه، وجف خزانه البشري.


بيروت: بنى حزب الله شرعيته في لبنان بالقتال ضد إسرائيل. لكن هذا المسار انحرف في 30 نيسان (أبريل) الماضي، عندما اعترف امين عام الحزب حسن نصر الله علنًا للمرة الأولى بانخراط حزبه في الحرب المستعرة في سوريا المجاورة، ليكشف السر المفضوح في البلاد.

وقرار حزب الله بالتدخل في أتون المعركة السورية نقطة تحول محتملة في مسار حزب الله منذ تأسيسه، في أوائل الثمانينيات، وربما يثبت تراجع حزب الله في احتكار ولاء الشيعة ودعمهم، وفقًا لصحيفة فورين بوليسي الأميركية.

فانفلات الطائفة الشيعية جزئيًا من قبضة حزب الله يعود إلى أن هذه الطائفة، التي يدعوها نصرالله إلى الجهاد والقتال في صفوف حزب الله، تختلف عما كانت عليه في التسعينيات، عندما شن حزب الله وجماعات سياسية لبنانية أخرى حرب التحرير في جنوب لبنان، وأرغم إسرائيل في نهاية المطاف على الانسحاب من القرى والمدن التي احتلتها.

إلى الحياة السياسية

منذ ذلك الحين، وبفضل الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل، مشى الشيعة على مسار تصاعدي من التمكين السياسي والاقتصادي، وتحولوا إلى فئة كبيرة من الطبقة الوسطى في البلاد. وعلى الرغم من أن حزب الله نجح في زرع مبادئ الشهادة بنجاح بين صفوف مقاتليه ومؤيديه، إلا أن هذه الطائفة لا تشارك بالضرورة مبادئ الحزب القتالية، لا سيما أولئك الذين يعتبرون من المؤيدين السياسيين لحزب الله، وليسوا جزءًا من قواه القتالية.

إلى ذلك، شاركت كوادر حزب الله في الحياة السياسية اللبنانية منذ العام 1992، إذ دخل الحزب الحياة السياسية أساسًا لحماية أسلحته، وهو يضم حاليًا كادرًا متطورًا من النشطاء السياسيين، الذين تعلموا تقدير فن السياسة والديبلوماسية بعيدًا عن القتل والقتال.

وبالرغم من أن جيل المؤسسين الذين يشكلون مجلس الشورى، خلية صنع القرار لدى حزب الله، ما زالوا ملتزمين بمبدأ المقاومة، تتجه الطبقات الأصغر في العديد من الأجهزة السياسية والإدارية والاجتماعية للحزب إلى رؤية سياسة مسالمة، كوسيلة لتحقيق أهداف الحزب الأخرى، والتي تكتسب أهمية متساوية مع الكفاح المسلح.

ثقة قصيرة المدى

العامل الإضافي الذي يقوض ثقة الشيعة وولائهم المطلق لحزب الله هو سلسلة الجروح الذاتية التي عانى منها الحزب في الآونة الأخيرة، نتيجة لسلسلة من فضائح الفساد التي طالت بعضاً من كبار المسؤولين وأقاربهم.

ففي الضاحية الجنوبية لبيروت، يمكن مشاهدة سيارات باهظة الثمن، يقودها أقارب قادة حزب الله، وخصوصًا زوجاتهم وبناتهم، الأمر الذي أصبح مصدرًا للتندر والفكاهة بين الناس، الذين يتذمرون من رفاهية مسؤولي حزب الله والشقق الفاخرة التي يعيشون فيها، متسائلين quot;من أين لهم هذا؟quot;

وصورة حزب الله كحركة مقاومة، يقودها رجال غير فاسدين لا يسعون للربح الشخصي بل يعتمدون على التضحية ونكران الذات، قد زالت تقريبًا لتعكس صورة أكثر متراخية للحزب وقيادته. وطلب حزب الله من قاعدته الشعبية تقديم المزيد من التضحيات بالانخراط في الحرب السورية سيدفع الناس للتساؤل والتردد قبل تلبية النداء. وبالرغم من هذه العوامل السلبية، يبقى حزب الله واثقًا من ولاء أنصاره، ولا يخشى اندلاع حركات تمرد في وسطها.

هذا يعود إلى أن الحزب يتمتع بخزان كبير من الدعم الشعبي بين الغالبية العظمى من الشيعة، الذين يثقون بنصر الله ويقولون إنه دائمًا يفي بوعده، وهذا ما اتضح بعد إعادة بناء الضاحية إثر حرب العام 2006. وهذه الثقة تضمن بأن حزب الله سيبقى يتمتع بدعم الشيعة في لبنان على المدى القصير.

يحتاج نصرًا

لكن على المدى الطويل، وفي حال لم يحقق حزب الله نصرًا واضحًا على الثوار في سوريا، كما وعد نصر الله في 25 أيار (مايو)، هناك خطر يتمثل في أن يبدأ الخزان الشيعي الداعم بالجفاف بضلوعه في حرب أهلية ضد أجانب، وإن في أرض مجاورة، تكون المعركة مختلفة عن الشهادة دفاعًا عن الأرض والعائلة والشرف ضد المحتل الإسرائيلي، كما كان الحال في تموز العام 2006.

وبالرغم من أن نصر الله محق في قوله إن الناس في الخارج لا يفهمون مبادئ مقاومة حزب الله، لكن في المستقبل قد يضطر قادة حزب الله أنفسهم إلى إعادة اكتشاف هذه المبادئ وتعزيزها في مجتمعهم، لأنها ستفقد المصداقية والدعم الشعبي.

الآن، حزب الله يقاتل في سوريا، ويجب أن يضمن الانتصار العسكري وإلا فإن العدو سيأتيه إلى عقر داره. وكما قال أحد أنصار حزب الله لفورين بوليسي: quot;هل يريدون منا أن ننتظر حتى يأتي التكفيريون إلى بيوتنا ويسحبون قلوبنا من صدورنا ليأكلوها؟quot;

مؤسسات الدولة اللبنانية في حالة انهيار، وهذا لا يطمئن الشيعة الذين لا يزالون يتذكرون سنوات من الإهمال والهجر من قبل مؤسسات دولتهم عندما كانت إسرائيل تقصف قراهم الجنوبية. وحتى لو سقط نظام الأسد في سوريا، يرى كثير من الناس أن سلاح حزب الله هو الوسيلة الوحيدة لحمايتهم وأسرهم.

أصوات نافرة

وقد ساعدت حزب الله عدة عوامل في مهمته لتأطير خطابه ومزاعمه حول انضمامه للقتال في سوريا، أهمها أشرطة الفيديو والتهديدات القادمة من سوريا. وأظهر شريط فيديو مصور أحد المقاتلين الثوار يسحب قلب جندي في الجيش السوري ويأكل منه. إلى ذلك، وجه قادة الجيش الحر تهديدات ضد حزب الله، من ضمنهم سالم ادريس الذي وصف نصر الله بالمجرم، وحذره من أن الثوار سيأتون إليه.

وهناك عدد قليل من الأصوات الشيعية المستقلة التي تنتقد قرار حزب الله في سحب الطائفة الشيعية إلى مستنقع الحرب الأهلية السورية. لكن معظم هذه الأصوات من المجالات الدينية والأكاديمية، ومنظمات المجتمع المدني، تظل معزولة عن بعضها البعض، ولا تحظى بشعبية واسعة داخل الطائفة الشيعية.

كما أن المستقلين الشيعة في لبنان فقدوا مصداقيتهم في الغالب في نظر الغالبية من الشيعة وذلك أساسًا بسبب مصادر تمويلهم، معظمها من الغرب والخليج، أو لانتمائهم السياسي إلى تحالف 14 آذار المعارض.

كم سيبلغ عدد الوفيات حتى يبدأ الناس بطرح الأسئلة عما إذا كان قتال حزب الله في سوريا عادلًا؟ متى سترفض الأم التي فقدت ابنها في القتال بالقصير إرسال ولدها الثاني والثالث للقتال في ريف دمشق؟ وحده الوقت يحمل الجواب.