مقارنة ببعض العمليات المعقدة والوحشية التي تشهدها سوريا، بعض الكمائن تكون سهلة للغاية. أما أهدافها فهي العائلات المختلطة أي تلك الناتجة من زواج بين شخصين من طوائف مختلفة، تحديدًا السنة والشيعة، وهو رباط صار الأكثر خطورة في الوقت الحاضر.


العائلات السورية انقسمت على نفسها وعلى المجتمع، وصار التمزق صفتها بعدما اختار أفرادها صفوفًا متناقضة ومتصارعة، فالأب مع الجيش السوري الحر، بينما الشقيق في اللجان الشعبية المؤيدة للنظام ndash; أو الشبيحة ndash; والأم تنتمي إلى الطائفة الشيعية.

خطوط تماس
عماد جمعة يوسف كان في طريقه ليحضر زوجته وأطفاله من منزل والديها، لكنه لم يعلم أنه يقود سيارته داخل كمين. quot;كانت زوجتي تقف في انتظاري، لكن المقاتلين كانوا يختبئون في العشب. ما إن وصلت حتى أطلقوا النار في وجهي من خلال الأبواب من السيارة، واخترقت الرصاصات الزجاج الأمامي للسيارة. كانوا يحاولون قتليquot; قال يوسف.

اضطر يوسف للترجل من سيارته، فاقتاده المسلحون إلى السجن المحلي، حيث خضع للتحقيق والضرب، ليعود في وقت سابق من هذا الشهر إلى قريته رتبان مشوهًا ويعاني إصابات بالغة.

للمفارقة، فإن عائلة الزوجة، التي تنتمي إلى الطائفة الشيعية سمحت لزوجته بالعودة معه، وذلك بعدما خيّرتها بين أمرين: إما والديها والنظام أو زوجها والثورة.

يقول يوسف إن زوجته اختارت زوجها وعائلتها، مضيفًا quot;بالطبع لن أنسى أبدًا والددها ووالدتها، لكنها تعتبر الآن مرتدة بالنسبة إليهمquot;. هذا القرار الصعب بات شائعًا في سوريا، وتحديدًا البلدات والقرى المحيطة برتيان، شمال حلب، حيث تنقسم الكثير من العائلات بشأن الجانب الذي تختار الوقوف إلى صفه.

القرى السنية في المنطقة مع المعارضة، في حين أن اثنين من البلدات الشيعية في الريف، أي زهرة ونبل، مع نظام الرئيس بشار الأسد. هذا القرار المصيري ينتظر العديد من العائلات في الوقت الذي تستعد فيه المنطقة للمعركة الكبيرة المقبلة.

تصاريح للزيارة
مدن زهرة ونبل الشيعية تحت الحصار، وتتعرّض للقصف من قبل القوات المتمردة. وكان يوسف قد حصل على إذن خاص من كلا الجانبين حتى يتمكن من زيارة أسرة زوجته في كل مرة.

هذه البلدات تشهد اليوم تدريبات للميليشيات والقوات المقاتلة على يد الإيرانيين، وتضم مقاتلين شيعة عراقيين وأفراد من حزب الله، وفقاً لما نقلته صحيفة quot;صنداي تليغرافquot; عن جانبي الانقسام. من جهته، قال القائد المحلي لإحدى كتائب الجيش السوري الحر، إن العديد من الإسلاميين السنة ينتقلون للدفاع عن خطوط الإمداد إلى حلب، في الوقت الذي يستعد فيه الطرفان لاستئناف المعركة.

تستعد قوات الأسد المسلحة في حلب مع عشرات من الدبابات على بعد أميال إلى الجنوب من أجل اختراق أو تخفيف الحصار على المدن الشيعية، والانضمام مع ميليشياتهم التي تم تشكيلها حديثاً بمساعدة استشاريين من إيران وحزب الله للاتجاه نحو الحدود التركية 20 كيلو متر إلى الشمال.

الهدف الأول لقوات النظام هو رفع الحصار الذي يطبقه الثوار منذ عشرة أشهر على مطار منغ العسكري بالقرب من الحدود التركية. وفي الوقت نفسه، يعمل المقاتلون السنة من الجيش السوري الحر على فرض سيطرتهم على المطار لخنق إمدادات القوات الحكومية، التي تلجأ بدورها إلى طائرات الهليكوبتر لنقل المواد الغذائية وغيرها. ويقول الثوار إنهم تمكنوا من إسقاط إحدى هذه الطائرات بصاروخ محمول على الكتف، قالوا إنها كانت تحمل تعزيزات لحزب الله.

حاول العقلاء من الطرفين تفادي المعركة، من ضمنهم محمد عمر سراج، وهو سني من قرية حيان الذي كان يدرّس الدين الإسلامي في المدارس الشيعية في نبل. وحاول سراج عقد هدنة لوقف إطلاق النار من أجل فتح الطريق إلى حلب لنقل اللوازم الغذائية والطبية.

تظاهرات وتظاهرات مضادة
من الجانب الشيعي، تحدث فؤاد مجير الدين، مدير المدرسة المحلية، إلى صحيفة quot;صنداي تليغرافquot;، مشيرًا إلى أنه حاول إقناع السكان الشيعة بالبقاء على الحياد. وقال إنه حاول تنظيم مظاهرة ضد نتائج الحرب على السكان، ولاسيما نقص الطعام. لكن المتشددين المؤيدين للأسد نظموا مظاهرات أكبر وأعلى دعماً للنظام.

وأضاف: quot;هناك أشخاص متطرفون وعقول سيئة على كلا الجانبينquot;. وشهدت نبل وزهرة سلسلة من أعمال الخطف المتبادلة بين الشيعة والسنة، انتهت باختطاف 60 سنيًا مقابل 21 شيعي، وسرعان ما تحولت هذه الأعمال إلى اشتباكات مسلحة.

يقول الثوار إن الصراع الطائفي في البلاد من صمنع نظام الأسد الذي عمد إلى تشكيل الميليشيات من العلويين والشيعة عندما بدأت الاحتجاجات الأولى ضد حكمه، على الرغم من أن المتظاهرين كانوا يطالبون بالحريات السياسية بدلًا من ترداد الهتافات الدينية.

أما وصول المقاتلين الأجانب من الجماعات الجهادية أوحزب الله، فقد أدى إلى تسريع نزول البلاد في أتون حرب طائفية تتجاذبها القوى الخارجية.